خبر قبل عام..الموساد الصهيوني اغتال قيادياً فلسطينياً بارزاً ولكنه مازال « حياً »

الساعة 08:22 ص|20 يناير 2011

قبل عام..الموساد الصهيوني اغتال قيادياً فلسطينياً بارزاً ولكنه مازال "حياً"

فلسطين اليوم- غزة (خاص)

قبل عام من هذا اليوم، كان العالم أجمع على موعد مع حادثةٍ مازالت تدور في الفلك السياسي حتى الآن، وهو حادث اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح أحد مؤسسي القسام والمخطط لعمليات كبرى أثناء تواجده في دبي.

في البداية أعلنت كتائب القسام عن وفاة المبحوح (50 عاماً) من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، إثر عارض صحي مفاجئ، ولكن سرعان مابدأت الأنباء تتحدث عن حادث اغتيال كان الموساد الصهيوني هو المسؤول عنها بمشاركة من عملاء من العديد من الدول الأجنبية.

فقد توالت الأنباء، وخرج قائد الجناح السياسي لحركة حماس خالد مشعل ليتهم "إسرائيل" بالمسؤولية عن اغتيال المبحوح، فيما أعلنت شرطة دبي التعرف على المشتبه بتنفيذهم عملية الاغتيال وذكرت أن معظمهم يحملون جوازات سفر أوروبية.

ومن هذا اليوم، أخذ قائد شرطة دبي ضاحي خلفان يبهر العالم بقدرات دبي الأمنية فيما يتعلق بقضية المبحوح وأكد خلال مؤتمر صحفي أن 11 شخصاً يحملون جوازات سفر بريطانية وايرلندية والمانية وفرنسية, قد نفذوا عملية الاغتيال، وعرضت صور المتهمين، مستندةً بتسجيلات الكاميرات العالية التقنية، ومازالت القيضة مستمرة.

 

تفاصيل الاغتيال

أما تفاصيل الاغتيال، فقد أكدت التقارير أن القتلة أخضعوا المبحوح لتحقيق قاس وعنيف داخل غرفته في الفندق حيث وجدت الجثة، وحقنوه بمخدر أدى إلى إصابته بنوبة قلبية، وقاموا بتصوير جميع المستندات في حقيبة يده وغادروا المكان بعد أن علقوا يافطة على باب الغرفة كتب عليها "الرجاء عدم الإزعاج".

ولم تخلو قضية المبحوح من مناكفات بين حركتي فتح وحماس، لتتبادلان الاتهامات بالمشاركة في اغتياله، بعد إعلان شرطة دبي عن مشاركة فلسطينيين يعملان في الأجهزة الأمنية التابعة لرام الله، وثالث من حركة حماس قام بتزويد الموساد بمعلومة وصول المبحوح إلى دبي.

وقد بقيت القضية محل اهتمام العالم أجمع، حيث أصدر الإنتربول الدولي أمراً باعتقال المتهمين، وتم تعميم بصمة العين على كافة المطارات.

وقد نشر مراسل الشؤون الاستخبارية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية، رونين بيرغمان، رواية تتضمن تفاصيل عملية اغتيال المبحوح، مدّعيّاً أنه اعتمد على تقارير شرطة دبي وتحليلات اختصاصيين في الشأن الاستخباري.

رواية بيرغمان سردها بتسلل زمني. ففي يوم الاثنين، 18 كانون الثاني 2010، بينما كان المطار الدولي في دبي مليئاً بالركاب، لم ينتبه أحد من المسافرين إلى 27 شخصاً جاؤوا في رحلات جوية من ست دول مختلفة في أوروبا.

انتظر الأشخاص الـ27 قدوم «شاشة البلازما»، الاسم الشيفري لشخص يحمل جواز سفر فلسطينياً باسم محمود عبد الرؤوف محمد حسن، وينتقل من دولة إلى دولة تحت غطاء تاجر دولي. لكن الأشخاص الـ27 يعلمون جيداً أن الجواز مزيف، وأن «التاجر الدولي» هو محمود المبحوح.

طوال ساعات الصباح وصل فريق الـ24 إلى دبي، ووصل الثلاثة الباقون، هم قادة العملية، بعد منتصف الليل: غيل بوليرد وواين دابرون وبيتر ألفنغر، الذي تعدّه شرطة دبي قائد العملية الميداني.

بيرغمان يتابع سرده، وينتقل إلى اليوم التالي، مشيراً إلى أنه في الواحدة والنصف ظهراً ترك دابرون الحجرة في فندقه ودخل فندقاً آخر، سمّاه «فندق التبديل». دخل المرحاض أصلع وخرج منه مع شعر مستعار. ما لم يتوقعه دابرون هو آلة تصوير الحراسة على مدخل المراحيض، مشيراً إلى أن ذلك كان إهمالاً.

انتقل في تنكره الجديد من «فندق التبديل» إلى فندق ثالث سماه بيرغمان «فندق التوجيه». جلس ينتظر اثنين آخرَين من أعضاء الفريق يلتقيان به هناك. هذه اللقاءات، وإن لم تبدُ مريبة آنذاك، ساعدت فريق تحقيق شرطة دبي على تحديد المشتبه فيهم بالمشاركة في الاغتيال، لكونهم لم يتحدثوا إلا في ما بينهم. فكل شخص ظهر في رفقتهم عُدّ مشتبهاً فيه.

انتظر الجميع الساعة الثالثة. الفريق يعلم أن «شاشة البلازما» في الرحلة الجوية، لكن لا يعلم أي فندق سيختار النزول فيه. في الساعة 15:35 وقع الجواب عن السؤال الحاسم. «شاشة البلازما» نزل في فندق البستان روتانا. تلقى أفراد الفريق الموزعون على الفنادق الأخرى النبأ وغادروا. دخل اثنان من أفراد الفريق يلبسان ملابس لاعبي كرة مضرب المصعد وراءه كي يريا أي غرفة سيدخل. صورت الكاميرات واحداً منهما يمر في الممر ويتثبت من رقم الغرفة 230 ويعود إلى المصعد.

في تلك الأثناء نفذت غيل بوليرد أيضاً «نزهة». تركت الفندق الذي أمضت فيه الليلة وذهبت إلى «فندق التبديل». دخلت إلى المراحيض نفسها وبدلت الشعر المستعار أمام عدسة التصوير نفسها مثل واين. ومن هناك مضت إلى «فندق التوجيه»، حيث التقت واين وبيتر وآخرين من أعضاء الفريق.

بعدما أبلغ لاعبا التنس أن المبحوح موجود في الغرفة 230، ترك القائد بيتر «فندق التوجيه» وانتقل إلى فندق مجاور، أجرى منه مكالمتين هاتفيتين: الأولى إلى فندق البستان كي يحجز غرفة قريبة من المبحوح (237). والمكالمة الثانية ليحجز رحلة جوية إلى ميونيخ من طريق قطر.

بعد الساعة الرابعة بقليل، انفض اللقاء في فندق التوجيه، وانتقل الحاضرون في سيارات أجرة إلى فندق البستان. كان «شاشة البلازما» قد خرج في تلك الأثناء إلى مجمع تجاري قريب وسجل فريق التعقب التفاصيل عن السيارة التي ركبها.

في الساعة 16:45، نزل واين في الغرفة 237 مع المعدات، التي كانت في حقيبة بيتر، وبعد ذلك بدقائق صعدت غيل إلى الغرفة مباشرة. بعد ذلك بنصف ساعة، انضم شخص آخر إلى واين وغيل.

في 18:30 دخل رجلان الفندق. كانا يرتديان قبعتي «بيس بول» تخفيان وجهيهما ويحملان حقائب. تعتقد شرطة دبي أن هذين الشخصين نفذا عملية الاغتيال فعلياً، برغم أنّ من المحتمل أن يكون واحد منهم على الأقل خبيراً باختراق الأبواب. توجها مباشرة إلى المصاعد وصعدا نحو الغرفة 237.

في 19:30 غادر بيتر دبي، وقد انتهى دوره في العملية. ومنذ تلك اللحظة تولى واين وغيل زمام الأمور. حلّت ساعات المساء، ولا يزال «شاشة البلازما» في لقاءاته خارج فندق البستان. وفي الساعة 20 بدأت مرحلة التنفيذ في العملية. خرج واين وغيل من الغرفة 237 ينتظران في الرواق. تقدم واحد من أعضاء الفريق الأربعة نحو باب غرفة المبحوح، واختُرق القفل الإلكتروني للغرفة 230.

في الساعة 20:24 عاد المبحوح إلى الفندق ودخل غرفته مباشرة، وهناك التقى فريق الاغتيال. غيل وواين يروحان ويجيئان في الرواق أمام عدسات التصوير للتحقق من أنه فارغ. استمرت العملية كلها نحو عشرين دقيقة، خرج بعدها أعضاء الفريق الأربعة وغادروا الفندق. وتركوا باب غرفة المبحوح مغلقاً من الداخل بقفل وسلسلة.

 

لماذا اغتال الموساد المبحوح؟

ويُعد المبحوح، أحد مؤسسي كتائب الشهيد عز الدين القسام، وهو المسئول عن أسر جنديين صهيونيين، في سنوات الانتفاضة الأولى، حيث قام سنة 1988، وبرفقته اثنين من رفاقه، بانتحال شخصيات يهود متدينين وتمكن من اختطاف الجندي آفي سسبورتس من بلدة جلوس القريبة من عسقلان، وبعد شهرين تقريباً عاد محمود ورفاقه واختطفوا الجندي إيلان سعدون من منطقة المسمية، وفي كلتا الحالتين تم تصفية الجنديين.

وقد اُكتشف أمر محمود عندما كان يحاول المرور بالسيارة التي خطف بها الجندي سعدون إلى غزة من شرق مخيم جباليا، ومنذ ذلك الحين بات محمود هدفاً للاحتلال.

بعدها استمرت مطاردة الاحتلال الإسرائيلي له ولأحد رفاقه المسؤولين عن خطف الجنديين لمدة ثلاثة شهور، وتمكن محمود ورفيقه من اجتياز الحدود المصرية، واعتقلته السلطات على الحدود مدة أربعين يوماً، ومن ثم رحل إلى ليبيا ليستقر بعد ذلك في سوريا.

كما خطط المبحوح للعديد من العمليات البطولية الموجهة للاحتلال، وهو أوّل من أقدم العدو الصهيوني على هدم بيته إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وتتهمه إسرائيل بتهريب الأسلحة إلى قطاع غزة ودعم حركة حماس.

أما على صعيد الموساد الصهيوني فقد اعتبر اغتيال القيادي المبحوح فضيحة أمنية بالنسبة له بعد فضح أمره وانكشافه واعترف الصهاينة بالفشل ووصفوه بالمصيبة الكبرى، فيما قدم رئيس الموساد الصهيوني استقالته على خلفية الحادث.

 

حماس بعد عام من الاغتيال

وبعد عام على اغتياله، اعتبر مشير المصري القيادي في حركة حماس في حديث لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، أن الاحتلال الصهيوني ظَنَ باغتيال المبحوح، أنه سيضعف المقاومة الفلسطينية وحركة حماس وشعبنا، وأكد أن حركة حماس ترد بتناميها في القدرة العسكرية والثبات في الموقف.  

وأضاف المصري، أن الشهيد المبحوح حقق النصر بتساوي قوة الردع مع قوات الاحتلال الصهيوني، وكان قائد قسامي فذ له صولات وجولات في مقارعة المحتل، سواء كان باختطاف الجنود في الداخل أو الدعم والمساندة لحركة حماس والمقاومة في الخارج.

وعن مسؤولية الاغتيال، أوضح المصري، أن كافة الدلائل والتصريحات التي تخرج من المسؤولين الصهاينة تؤكد تورطهم في عملية الاغتيال، الأمر الذي يؤكد عدم احترام الاحتلال للعلاقات الدولية، ويخترق كل حدود وسدود.

وعلى الرغم من مرور عام على اغتيال القيادي البارز المبحوح، إلا أنه مازال حياً بين قلوب شعبه كمقاوم قارع المحتل، وكشف زيفه وجرائمه، وكعملية اغتيال شكلت فشلاً ذريعاً للموساد الذي يعتبر نفسه بأكبر جهاز أمني في العالم، وكقضية مازالت تدور في فلك الإعلام العالمي والعربي ومازالت تتناول أخباره مختلف وسائل الإعلام.  

 

فضيحة دولية عزلت إسرائيل

أما المحلل السياسي طلال عوكل، فأكد في حديث لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية" فرأى أن حادث اغتيال المبحوح، شَكَلت نوع من التطاول الإسرائيلي الغريب لأن الاغتيال لم يتناول أحد أبرز كوادر حماس والنضال الوطني فقد، بل تجرأت وجهازها الموساد على اقتحام سيادة دولة عربية محترمة.

ووصف عوكل، الاغتيال بالفضيحة الإسرائيلية جعل كيان العدو يدخل في عزلة سياسية، مستدركاً:" لكن الإمارات لم تترك الأمور هكذا ونجحت في أن تأخذ القضية لأبعاد دولية غير الذي يأخذها بالعادة".

وأضاف عوكل، أنه على الرغم من عدم محاسبة كيان العدو على اغتيال القيادي المبحوح، إلا أن القضية شكلت زخماً سياسياً وحراكاً وجملة إجراءات ضد إسرائيل كبريطانيا وألمانيا، كما حَرَكت الرأى العالم العالمي، ومنظمات حقوق الإنسانية والسياسات الدولية.

وعلى الرغم من مرور عام على اغتيال القيادي البارز المبحوح، إلا أنه مازال حياً بين قلوب شعبه كمقاوم قارع المحتل، وكشف زيفه وجرائمه، وكشهيد عملية اغتيال شكلت فشلاً ذريعاً للموساد الذي يعتبر نفسه أكبر جهاز أمني في العالم، وكقضية مازالت تدور في فلك الإعلام العالمي والعربي ومازالت تتناول أخباره مختلف وسائل الإعلام.