خبر خرج من الظل.. معاريف

الساعة 10:30 ص|14 يناير 2011

بقلم: بن كاسبيت

(المضمون: اذا اراد دغان ان يعرف العالم بان رئيس الموساد يفكر بان الهجوم على ايران هو عمل متسرع، أخرق ومحمل بالمصيبة، فهذا دليل على أنه يعتقد بان هذا ضروري. ولا سيما الان، عشية انتهاء ولاية رئيس الاركان غابي اشكنازي - المصدر).

تجري في القيادة الامنية في اسرائيل دراما. وقد انكشفت هنا قبل أكثر من سنة، عند انكشاف الجدال العاصف بين الثنائيين. في احدى الزوايا، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع باراك. في الزاوية الثانية الرئيس بيرس ورئيس الاركان اشكنازي. ودار الجدال حول المسألة الايرانية، او لمزيد من الدقة امكانية مهاجمة ايران في محاولة لصد برنامجها النووي. ويعزى لاشكنازي معارضة قاطعة. بيرس يؤيده. اما باراك، من الجانب الاخر فيتميز غضبا. نتنياهو يؤيده (وان لم يكن بالفم المليء). بالمناسبة، هذا الصراع وهمي. في يوم الامر، لا يمكن أن نعرف كيف سيعمل باراك ونتنياهو. ليس لهذين الرجلين سجل من العدوانية. كما أن الشجاعة ايضا ليست النقطة القوية لديهما. باراك، منذ أنهى قيادة الوحدة الخاصة "سييرت متكال" يركز اساسا على الاقوال. عندما كان رئيسا للوزراء هدد كل العالم وصرح باننا "سنعرف ماذا سنفعل"، ولكن عندما كان مطالبا بان يفعل شيئا ما، لم يفعل. هكذا تجلد على اختطاف (وقتل) ثلاثة جنود في هار دوف، وهكذا في حالات اخرى. ليس نتنياهو سجل مغاير. بالعكس. هو ايضا يتحدث عاليا ويعمل منخفضا.

التقرير الصحفي اياه اشعل النار بين اشكنازي وباراك، الى أن اصبحت هذه حريقا فتاكا ومعربدا، ولا سيما من جهة وزير الدفاع. لم تجدي المناشدات نفعا بما فيها من كاتب هذه السطور، الذي تطوع لان يفحص بآلة الكذب وان يجيب هناك على الاسئلة اذا كان قد تلقى تسريبات من رئيس الاركان او من محيطه. باراك ورجاله لم يرغبوا في السمع. ايران لم يهاجموها ولكنهم هاجموا اشكنازي بل وقاموا بعمل جميل. قريبا الكتاب الذي سبق أن كتبه اثنان من منفذي قولهم.

القصة الحقيقية

مع كل الاحترام لهذا الصراع بين وزير الدفاع ورئيس الاركان (المنصرف) فان القصة الحقيقية تجري في ايران. الجدال في هذا الموضوع في القيادة الامنية الاسرائيلية يستمر بل ويحتدم. في الاسبوع الماضي خرج من الظل رئيس الموساد مئير دغان. وحسب المنشورات، فان دغان ضد الهجوم. يمكن ان نضيف، ربما، بانه يمكن التقدير بان دغان يقود هذه المعارضة. أكثر قطعا من اشكنازي، اكثر جرأة من يدلين (المتردد)، أكثر لذعا حتى من يوفال ديسكن. هذا مفاجىء اذ ان لدغان يوجد سجل لمن حتى السماء ليست حدود له. في شبابه كان كثير الفعل، ودرج على أن يقترح عمليات تقشعر لها الابدان كان يمكنها ان تولد عددا لا حصر له من الكوارث ولجان التحقيق.

ولكن هذا كان منذ زمن بعيد. دغان اليوم هو رجل واع تعلم قيود استخدام القوة. وكان يمكنه أن ينهي ولايته الجد ناجحة في الموساد بهدوء والذهاب الى البيت ولكنه فضل بان تتسلل حقيقة معارضته القاطعة للهجوم على ايران الى الخارج. بشكل عام، يعرف دغان ماذا يفعل. فاذا اراد ان يعرف العالم بان رئيس الموساد يفكر بان الهجوم على ايران هو عمل متسرع، أخرق ومحمل بالمصيبة، فهذا دليل على أنه يعتقد بان هذا ضروري. ولا سيما الان، عشية انتهاء ولاية رئيس الاركان غابي اشكنازي.

نهج المعارضين للهجوم على ايران يقوم على أساس فرضية العمل بانه لا يمكن منع دولة بحجم ايران، قوة عظمى اقليمية، من الوصول الى النووي، اذا كانت اتخذت قرارا صريحا بالوصول اليه. يمكن التأخير، التأجيل، الارجاء. فللقدرة العسكرية في هذا المجال يوجد "حد محدود".

الزعيم الاعلى في ايران، علي خمينائي يفترض أن يصلي خمس مرات في اليوم من أجل هجوم اسرائيلي. فهذا سيسمح له، حسب هذا النهج، بان يوحد اخيرا كل الاقليات العراقية في ايران، يكبح جماح المعارضة ويرص صفوف الشعب الايراني، المنشق والمتنازع، خلف الحكم. هجوم اسرائيلي على ايران سيؤخر، ربما في جيل كامل، سقوط حكم آيات الله هناك.

هذا وفضلا عن ذلك: هجوم اسرائيلي سيسمح لايران بان تقول للاسرة الدولية اننا "حتى الان لعبنا حسب القواعد، فنحن موقعون على كل المواثيق، هاجمتنا دولة ذات قدرة نووية تستخف بكل القواعد ولم توقع على المواثيق، وعليه فاننا نضطر الى أن نرد لها بالمثل ونحن نعلن على الملأ باننا نجعل مشروعنا النووي مشروعا عسكرية. ببساطة لا بديل امامنا".

ولم نتحدث بعد عن الرد. حزب الله، حماس، الجهاد وربما ايضا سوريا ستنضم الى الدائرة. وستتعرض اسرائيل الى الاف الصواريخ والمقذوفات الصاروخية في عمق جبهتها الداخلية. وخلافا لقصف المفاعل السوري، الذي يعزوه الغرب الى اسرائيل، هناك نجح من نجح في التأكد من أن سوريا لن تفتح الحرب، فان التقدير هذه المرة معاكس.  في احد الاحاديث المغلقة التي اجراها قال دغان في هذا السياق ان هذه المرة لن تكون هذه دبابات لواء 7 في خط الجبهة حيال السوريين، بل كل مواطني دولة اسرائيل. سوريا لن تهاجم طبريا بالدبابات، بل تل أبيب بالصواريخ. ولحزب الله، كما قال دغان، قدرة نارية اعلى مما لدى 90 في المائة من دول العالم. كل هذه النار ستمطر على قلب اسرائيل، ستزرع خسائر فادحة وتلحق ضررا هائلا بالاقتصاد، وتفجر الفقاعة.

وشيء آخر: الدخول الى مثل هذه المواجهة يحتاج الى الدفاع من نتائجها. يدور الحديث عن قدرة استراتيجية متداخلة تنفذ في نفس الوقت عدة أعمال: تشخص مصادر النار، تمس بها بسرعة، تسقط الصواريخ في طيرانها، وتضرب اهدافا أليمة للخصم. وعليه، يكاد كل قادة اذرع الامن يقولون ان هجوما اسرائيليا على ايران هو خطأ جسيم. ربما حتى تاريخي.

هذا لا يعني ان لا حاجة لاعداد الخيار العسكري. هناك حاجة. قدرة كهذه يجب أن تكون متوفرة. موضوعة على الطاولة. ظاهرة امام العيون في ايران. احتياطا لكل مشكلة قد تقع. ولكن استخدامها يجب أن يكون فقط اذا ما انتهت كل الامور الاخرى. للحرب، حسب هذا النهج، على اسرائيل أن تخرج فقط عندما يكون السيف على الرقبة، يضغط حتى على الشريان الرئيس. ليس قبل ذلك. الى الحرب يجب ان نخرج فقط عندما نعرف انه توجد قدرة حسم شاملة. هذا الشرطان لا يتوفران بعد. نحن لسنا هناك.

الايرانيون يشهدون تأخيرات عسيرة في طريقهم الملتوية والطويلة نحو القنبلة. صحيح حتى الان، تقدير دغان هو أنهم لن يصلوا قبل منتصف العقد (2015)، وهذا ايضا بشرط الا يكون هناك مزيد من التأخيرات. العقوبات تعمل بل وستحتدم. وكذا اعمال الاحباط الهادئة. النظام يترنح. امور تحصل. يجب مواصلة الضغط، بكل القوة، الى أن تجلب الثمار. في النهاية هذا سيحصل. موجة برد اخرى، فاخرى، فيتفتح الكرز.

السكان الايرانيون شباب، معظم الايرانيين لم يكونوا على قيد الحياة عند الثورة. معظم الشباب ينفرون من النظام ويتوقون الى الحرية. هدف اسرائيل والغرب لا ينبغي ان يكون اسقاط القنبلة الايرانية، بل اسقاط النظام الايراني. بحكمة، وليس بلمسة يد انسان، بمثابرة وتصميم. دغان ساهم كثيرا في هذه المسيرة. الان دور تمير باردو.

ـ
السودان: الاستفتاء الشعبي، الارهاب والاستقرار.. اسرائيل اليوم

بقلم: دوري غولد

(المضمون: من ناحية اسرائيل، رغم أنه ينبغي التهنئة باستقلال جنوب السودان، فان مزيدا من الانفصالات في العالم العربي من شأنها ان تضعف قدرتها على التصدي لتآمر ايران،التي ستكون الرابحة الاكبر من هذه العملية - المصدر).

الاستفتاء الشعبي الذي جرى هذا الاسبوع حول استقلال جنوب السودان يشكل ضربة قاسية لاحد الانظمة الظلامين في العالم. النظام الاجرامي للجنرال عمر البشير سيضطر ليس فقط الى التخلي عن سيطرته على نحو ثلث اراضي السودان بل وايضا عن نصف، وربما أكثر، من مصادر النفط فيه، والتي سيضطر الى تقاسمها مع جاره الجديد من الجنوب. الضربة لحكومة البشير جاءت "بحق وليس بصدقة". فمنذ أن صعد الى الحكم في انقلاب عسكري في العام 1989، شغل البشير جيشه اساسا في اعمال الذبح، في ما حول بلاده الى احدى كبرى الدول الداعمة للارهاب الدولي.

مراقبون كثيرون ليسوا على علم تام بحجم دور السودان في الارهاب الدولي. نقطة الانعطافة في الانتقال الذي قام به السودان الى دولة مؤيدة للارهاب وجدت تعبيرها في الحلف السياسي للبشير مع حسن الترابي، زعيم الجبهة الاسلامية الوطنية – الذراع السوداني لمنظمة الاخوان المسلمين.

كانت هذه عمليا المرة الاولى التي يصل فيها الاخوان المسلمون الى الحكم في الشرق الاوسط (المرة الثانية كانت في العام 2006 في الانتخابات للسلطة الفلسطينية، حين صعدت حماس الى الحكم). على مدى السنين شكل السودان ملجأ لمعظم المنظمات الاسلامية المتطرفة، بدءا بالقاعدة وانتهاء بحماس.

مثلا في نيسان 1991 استضاف السودان مؤتمرا مناهضا لامريكا فجمع تحت سقف واحد عناصر اسلامية متطرفة بما فيها حماس، الجهاد الاسلامي، مجاهدين افغانيين واسامة بن لادن الذي عمل من السودان حتى العام 1996.

في المؤتمرات بعد ذلك شارك حزب الله ايضا. في هذه الفترة فتحت حماس معسكرات تدريب في السودان.

استضاف السودان ليس فقط بن لادن بل عمل ايضا على تعزيز علاقاته مع ايران. في 1991 وصل الرئيس رفسنجاني في زيارة الى الخرطوم على رأس وفد كبير. وقدرت وكالات الاستخبارات في الغرب على أنه في هذه الفترة نقلت ايران نحو 2000 من رجال الحرس الثوري الى السودان. ونبع الاستثمار الايراني في السودان في قسم من الامل في تحويل مدينة بورت سودان الى قاعدة لسلاح البحرية الايراني في اللحظة التي يصل فيها هذا الى مستوى يسمح بوجود سفن في البحر الاحمر.

اضافة الى ذلك، في كانون الثاني 2009 نقلت ايران ارسالية سلاح بعيد المدى الى حماس. وحسب مصادر امريكية، فان طائرات قتالية اسرائيلية دمرت القافلة في السودان. واكتسب السودان صيته السيء على المستوى الدولي اساسا بسبب دوره في قتل الشعب. فحملات القتل في دار فور والتي بدأت في  2003، جبت حياة مئات الاف المواطنين الذين قتلوا على ايدي الميليشيات المدعومة من الحكومة.

وزارة الخارجية الامريكية وصفت القتل في دار فور كقتل شعب. في  2009 اصدرت المحكمة الدولية أمر اعتقال بحق الرئيس البشير بتهمة قتل شعب.

العناصر التي هرعت لنجدته كانت دول عربية. وفي الاسبوع الاخير اعرب عن القلق في الصحف العربية، مثل "الحياة" من ان ما يحصل في السودان سيتحول الى "مرض معدٍ" سينتشر في العالم العربي ويؤدي الى تفكيك دول عربية اخرى.

من ناحية اسرائيل، رغم أنه ينبغي التهنئة باستقلال جنوب السودان، فان مزيدا من الانفصالات في العالم العربي من شأنها ان تضعف قدرتها على التصدي لتآمر ايران،التي ستكون الرابحة الاكبر من هذه العملية.