خبر على خمس دقائق من رام الله.. يديعوت

الساعة 10:29 ص|14 يناير 2011

بقلم: جدعون مارون وعوديد شالوم

(المضمون: شقق فخمة بين حدائق مخضرة وشوارع واسعة ومؤسسات دراسية ذات مستوى رفيع وسطوح بغير حمامات شمسية ومجمع تجاري وقصر ثقافة ومركز اعمال. هذه هي المدينة الفلسطينية الجديدة "روابي" التي بدأت تنشأ في الضفة الغربية - المصدر).

تصعد سيارة جيب أمير الدجاني قمة الجبل التي يمكن منها رؤية عزرائيلي وسائر أبراج المدينة الكبيرة (تل ابيب)، في سرعة. كان ذلك عند الغروب. والشمس تغيب داخل البحر الذي يُرى من تلال السامرة بوضوح برغم الغيوم الكثيفة. فزنا بغروب مدهش لوّن الجبال حولنا بلون أرجواني رائع الجمال.

خطا ثلاثة عمال بناء أنهوا عملهم في طريق ترابي شُق منذ زمن غير بعيد بين الجبال. وقفنا وحيّاهم الدجاني. يسكنون القرية القريبة عطارة، على مبعدة كيلومتر واحد من "روابي"، أول مدينة فلسطينية جديدة نجمت وتُبنى الآن فوق الجبال شمالي رام الله.

بعد تبادل السلام اختفيا وراء المنعطف، وقال الدجاني نائب المدير العام للشركة التي تبني المدينة بابتسامة مليئة بالفخر: "أصبح لنا طلائعيون في نهاية الامر. كما كان عندكم عندما بنيتم دولتكم".

قبل ذلك ببضع ساعات، في موقع الجلسات في موقع البناء أصيب الجميع بتأثر كبير. سُمع ضجيج محرك قوي في الخارج، وطلب الدجاني مع عيسى حزبون، مدير بناء المشروع، المعذرة منا ونهضا وخرجا للتسليم على العمال ومديري العمل الذين اجتمعوا حول الشاحنة التي اشتُريت الآن قائلين "مبروك". قبّل الجميع بعضهم بعضا وتعانقوا وكان التأثر حقيقيا. فقد انضمت شاحنة اخرى الى القافلة التي اشتُريت من اجل الاعمال.

ترفرف أعلام فلسطين صغيرة على كل شاحنة أو جرافة أو حفار يعمل في المنطقة، والعمال – وجميعهم يلبسون صدريات براقة ويضعون على رؤوسهم خوذات صفراء – فخورون للمشاركة في التاريخ الذي أخذ يظهر من بين التلال وهو مدينة فلسطينية أخذت تُبنى عن تخطيط دقيق وأساسي، في تصور ما كانت لتخجل منه أي مدينة عصرية.

"مشروع الفخر الفلسطيني"، يقول هنا الجميع طوال الوقت، والاجنبي الذي يأتي الى المكان لا يستطيع ألا يُصاب بالحماسة.

تخليت عن مال كثير

ترتفع أعلى نقطة في المدينة الى علو 731 مترا فوق سطح البحر. يسود هناك برد يتغلغل الى العظام في أكثر ايام الشتاء. يوصل الى هنا من الطريق الصاعد من الشارع 60 الى مستوطنات عطيرت وتلمون وحلميش. ثم يتجهون من تحت جسر بير زيت يسارا ثم يسارا مرة اخرى حتى الجسر. ويطل موقع للجيش الاسرائيلي على مفرق الطرق المفضي الى المنطقة (أ) الفلسطينية في المنطقة.

ينطلق الدجاني في أزقة قرية عطارة التي تفضي الى الموقع. ويفضي باب حديدي كبير الى الداخل وفي باحة مكاتب المشروع يفخر بالموقع الممتاز: 25 كيلومترا شمالي القدس، و40 كيلومترا شرقي تل ابيب، و25 كيلومترا جنوبي نابلس، و16 كيلومترا فقط شمالي رام الله. "نحن في القلب من قلب دولة فلسطين التي ستنشأ ان شاء الله في ايامنا"، يقول.

إن المدينة التي تُقام هي ائتلاف رؤى شخصين يشكلان "الفلسطيني الجديد": القائم بالمشروع بشار المصري، ابن عائلة المصري الثرية والجليلة من نابلس، وسلام فياض رئيس الحكومة الذي كان في الماضي مسؤولا كبيرا في صندوق النقد الدولي وأخذ يعزز مكانته في الضفة باعتباره الرجل الصحيح في الزمن الصحيح. تؤيد الحكومة الفلسطينية المشروع الطلائعي بل هي تشارك فيه مشاركة فعالة بالنفقة على انشاء جميع المباني العامة: المدارس ورياض الاطفال والعيادات.

انشأ المصري "بيتي"، وهي الشركة التي تبني وتُدير انشاء المدينة. يقول الدجاني: "لم نخطط قط مدينة، بلغنا الى شركة من نيويورك، مختصة بتخطيط المدن ومعروفة في العالم كله. وأشركنا معها فرق عمل من جامعتي بير زيت والنجاح في نابلس، وخبراء بالمياه والطاقة ومن اشبه. استُكملت الخطة العليا بعد سنة وثمانية اشهر. بعد ذلك اجتزنا اجراء الترخيص في السلطة وقبل سنة بالضبط بدأنا نعمل في الميدان".

لكن كانت ثمة حاجة قبل ذلك الى ترتيب ملكية الارض. المساحة البلدية لـ "روابي" 6.300 دونم. تملك "بيتي" نحوا من 1.500 دونم منها، وما بقي فهو للسلطة ومالكين خاصين. "كانت الارض مقسمة في الكثير من القطع الصغيرة جدا، وقمنا بعمل دؤوب لشراء الاراضي من أصحابها"، يقول الدجاني. "بجملة واحدة، قصة روابي هي قصة تاريخنا: كان يجب علينا ان نتعرف على مئات من أصحاب الاراضي وتعرفنا على غير قليل منهم في الشتات. بلغنا حتى الى المكسيك والبرازيل وتشيلي بل الى استراليا. فالمجتمع الفلسطيني موزع في كل مكان".

هو في الاربعين من عمره، من مواليد بيت حنينا من شرقي القدس. "من حسن حظي أن عائلتي كانت تملك ما يكفي من المال لارسالي للدراسة في الخارج. درست في دبلن ادارة الاعمال وأعددت الماجستير في لندن. وعندما عدت عرفت المصري الذي كان معروفا بأنه قائم بمشاريع ورجل اعمال رائد".

عندما بدأ الامر يتقدم، هاتف الدجاني حزبون الذي كان يعمل آنذاك في السودان في مشروع اقامة مدينة ضخم. ولد حزبون، وهو في الخامسة والاربعين، في شرقي القدس. وكانت عائلته تسكن حتى 1948 جادة الملك جورج في يافا التي أصبحت اليوم جادة يروشاليم (القدس). وقد سافر هو ايضا للدراسة في الخارج – الهندسة المدنية وادارة المشاريع في لندن.

أدركه هاتف الدجاني وهو على مبعدة ستة كيلومترات عن الخرطوم، يعمل في مشروع مع مال كثير. "احتجت الى اسبوعين لأقرر"، يقول، "تخليت عن مال كثير وجئت. فالانسان يحتاج الى هدف في حياته. لا يمكن العيش بلا حلم. هنا أصنع من اجل دولتي.

"أنا مصاب بالتأثر كالجميع. أعمل من الصباح حتى الليل. توجد مواقع كثيرة، والكثير من النشاط لكنه كلما أصبح الامر أصعب أصبح أكثر فرحا وأكثر رضى. فنحن نبني المدينة العصرية الاولى في فلسطين، فكيف يمكن ألا نشعر بأننا جزء من التاريخ. كل ضربة للحفار أو كفة الجرافة في الارض تصنع تاريخا. نبني هنا مدينة من الأساس".

المدينة بالاخضر

يقف الدجاني ويُبين في حماسة رؤيا "روابي". ثمة أكثر من 6000 وحدة سكنية في 23 حيّا. والتخطيط الآن هو انهاء البناء في غضون سبع سنين، وآنئذ كما يقول القائمون بالمشروع سيبلغ عدد سكان المدينة 40 ألف شخص. ليست مدينة كبيرة لكن الحديث من وجهة نظر الفلسطينيين عن انقلاب حقيقي، مع كسر البنية التقليدية العائلية.

سيحيط بها شارع ملتف، وتُركب في قلبها الألماسة: أي مدينة الاعمال والثقافة. ستكون الشوارع في المدينة مرصوفة بحجارة مشكوكة، ويُمنع دخول السيارات. وستقام هنا دور سينما ومعارض ومتحف وقصر ثقافة ومسرح ومطاعم ومقاهي وفندق وأبراج مكاتب.

عندما نصل هناك اليوم نرى ان الارض ما تزال على حالها. فما زالوا لم يشقوا الشوارع ولم يبنوا البيوت. تُزال التلال بجرافات ضخمة. وتُقام عند ظاهر الموقع مصانع لانتاج مواد البناء التي سيحتاجون اليها بعد ذلك. ويتجول عشرات العمال مع الخوذات الصفراء في الميدان، ويُزيح سائقو الشاحنات الرمل من هنا ويكومونه هناك.

تمتد "روابي" فوق تلال حادة الانحدار. يقول المهندس حزبون الذي يتحداهم الى وجدان حلول إبداعية لكل مشكلة "ما نخرجه من الارض نعيده. عندما نقطع في جبل لشق طريق فاننا نصب المادة التي نخرجها لنرفع مكانا آخر سيمر الشارع منه. يقع هذا المشروع كله تحت علامة خضراء وحفاظ على الطبيعة".

سجل أكثر من 7 آلاف عائلة انفسهم في الدور للحصول على شقق. لم يُطلب اليهم الدفع عن التسجيل ومن المؤكد انهم لم يبدأوا الدفع عن الشقة. يقول الدجاني: "هذا أفضل بالنسبة الينا. اذا أخذنا عرابين فسيقف الناس على رؤوسنا ويصيبوننا بالجنون كي نُنهي. أما هكذا فعندنا هدوء ولا يبلبلون أذهاننا، ونحن نعمل بالايقاع الذي حددناه. في هذه الاثناء يُسلمنا المسلجلون جميع المعطيات التي تهمنا – مستوى الثقافة، ومستوى الدخل، والتوقعات من المدارس ورياض الاطفال والخدمات البلدية والمتنزهات وكل شيء. أكثرهم من أبناء الطبقة الوسطى ومثقفون ذوو مستوى دخل متوسط".

أمُدللون فلسطينيون؟

"العائلة الشابة في مجتمعنا تبحث قبل كل شيء عن بيئة نقية. هواء نقي بلا تلويث وبلا مراكز ضجيج. مدينة ذات حدائق عامة ومجالات مفتوحة ومؤسسات دراسية ذات مستوى عال. وهم يريدون ايضا أن يكون في كل شقة ربط بالانترنت.

"تُبنى هذه المدينة مع النظر 25 سنة الى الأمام. فالبنية التحتية للانترنت هي من الألياف البصرية. ولن تكون صحون اقمار صناعية على الأسطح ولا حمامات شمسية أو خزانات ماء سوداء ولا قرميد احمر ايضا. لن نلطخ المنظر الطبيعي بألوان لا تلائمه. هذه مدينتنا للمستقبل".

وباعتبارها مدينة مستقبل الدولة الفلسطينية ينشئون حولها توقعات ضخمة. فانه يفترض ان تقدم في مرحلة البناء 8 آلاف – 10 آلاف مكان عمل. وعندما تنشأ فان القصد الى أن تزود بـ 3 آلاف – 5 آلاف مكان عمل. "ستكون هذه مدينة مقصِد"، يقول الدجاني. "عندما تسافر الى نيويورك تقصد الى منهاتن، وعندما تسافر الى بيروت تفكر فورا في حي سوليدار الذي يشبه الشانزليزيه في باريس. وهكذا ستكون "روابي" مقصد الفلسطينيين في الضفة كلها. للاعمال والثقافة والترفيه والعمل. لن تكون مدينة نوم. سيسكنها الناس ويعملون فيها".

"الحياة والعمل والنمو" – هذا شعار بُناة المدينة. ومن اجل تحقيق هذا الشعار يُحتاج بمرة واحدة تقريبا الى كميات ضخمة من الطوب وعشرات آلاف الابواب والنوافذ، وكيلومترات من أنابيب المياه والصرف الصحي، وعشرات آلاف الاطنان من الحديد. انه مشروع ضخم تُقدر كلفته الآن بـ 800 مليون دولار.

الى جانب الشركة التي تبني المدينة، وهي شركة تم انشاؤها بالشراكة مع قطر، يوجد ايضا صندوق مساعدة اعمال. فيه 80 مليون دولار وهدفه مساعدة اعمال صغيرة على الاندماج في مشروع اقامة "روابي" الضخم حتى لو كان يعني هذا انه يجب الاستثمار في آلات جديدة وتوسيع المشروع. هذا جيد حسن لكن المال ما يزال قليلا. أو بعبارة اخرى: ليس الاقتصاد الفلسطيني أهلا أن يجابه مشروعا بهذا القدر من الكبر من غير أن يستعين بشركات اسرائيلية، ولن نتحدث عن شؤون الأمن. من الصحيح الى الآن ان التزويد بالمواد الخام للمشروع في سيطرة اسرائيل الكاملة.

وهذا يستدعي مشكلات. فقد نشر هذا الاسبوع انه يقوم فوق مثال احتلال التلال الصخرية في قلب السامرة وتعميرها قطيعة تجارية. والحديث عن مادة صغيرة في العقد الذي أُلزمت التوقيع عليه شركات اسرائيلية تريد المشاركة في المشروع وتُحرم عليها استعمال منتجات المستوطنات وشرقي القدس وهضبة الجولان: "من مسؤولية الشركة ان تتأكد وتضمن أن جميع المنتوجات والخدمات ليس مصدرها المستوطنات الاسرائيلية"، كُتب هناك.

أثارت هذه المادة عناصر من اليمين ووزراء حكومة خرجوا بدعوة الى قطيعة مضادة. وقد انشأوا في السامرة نظام نميمة ودُعي الجمهور الى الابلاغ عن كل شركة توقع على هذا العقد. وضُمنت جائزة 500 شيكل لكل من ينُم.

لكنهم في "روابي" غير نادمين. "أعلن الاتحاد الاوروبي منذ زمن ليس ببعيد ان المستوطنات غير قانونية وهو لا يشتري سلعا تُنتج هناك. ليست هذه سياسة بالنسبة الينا بل هي الكرامة والمصلحة الوطنية"، يقولون هنا.

"يهاجم المستوطنون انشاء "روابي" منذ اليوم الاول، بل جاءوا الى الموقع أكثر من مرة لافساد الاعمال. انهم يهدمون كل محاولة لبناء مستقبل هنا يعيش فيه الشعبان جنبا الى جنب في سلام، فلماذا نعطيهم جائزة؟".

مادة تعتعة

تساحي لنداو هو رئيس لجنة الموارد في اتحاد المقاولين المسؤولة عن التزويد بالمواد الخام لاقامة المدينة، وهو نفسه صاحب شركة مقاولات. "الحقيقة ان الفلسطينيين لا يملكون خيارا"، يقول لنداو. "انهم متعلقون بنا تماما. فاسرائيل هي المصدر الوحيد لمواد انشاء المدينة. فليس لهم ميناء ولا مطار. يستطيعون استدعاء المواد من الاردن أو من كل دولة عربية اخرى، لكنها تبلغ آخر الامر جسر اللنبي. والتفتيشات الامنية هناك ستزيد الصعاب عليهم بحيث يتخلون سريعا جدا عن اللذة".

أهي صعاب حقيقية أم من اجل المضايقة؟

"حقيقية تماما. تخيلوا شاحنة طويلة مملوءة رملا تأتي من الاردن. فهل يدعونها تمر من غير فحص عما يوجد في الرمل؟ فربما يوجد هناك صواريخ كاتيوشا أو مواد متفجرة أو قطع سلاح أو ذخيرة. سيضطرون اذا الى إفراغ الشاحنة وتحميل الرمل بعد ذلك من جديد. وماذا سيفعلون بأكياس الاسمنت؟ سيمزقون كيسا بعد آخر ليفحصوا أدُسّت فيها قنابل؟ يأتي اسمنت السلطة كله من "نيشر" ويأتي كل رمل البناء من اسرائيل. انهم متعلقون بنا تماما".

يقول المصري إن هذا غير دقيق. "نحن نستطيع استيراد مواد من الخارج، واستوردنا ايضا من رومانيا وتركيا لكنها تأتي عن طريق موانيء اسرائيل ويزيد ذلك في سعر المواد. وهذا المسار بطيء جدا ايضا. لهذا انتقلنا للعمل مع شركات اسرائيلية".

يزعم لنداو ان القطيعة تنبع من دوافع سياسية. "يعمل الفلسطينيون طوال السنين مع شركات اسرائيلية، لكن يبدو أن جزءا من اموال المشروع يأتي من جهات معادية، تشترط تحويل المال بأن يشتمل العقد على هذه المادة. لكن هذه تعتعة. هل يظنون ان شركة "إيتونغ" التي وقعت على عقدهم ستكف عن بيع الطوب في المستوطنات؟.

"ما كنت لأوقع على عقد فيه مادة كهذه لكنني سمعت من مديري شركات ان العقد ثخين جدا، وان هذه المادة تختفي في مكان ما في الوسط بحروف صغيرة ولم ينتبهوا اليها ألبتة".

لا تتطرق اسرائيل الرسمية الى ذكر المدينة التي تنشأ كما قلنا آنفا في المنطقة (أ) التي تخضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة. تحول المواد الخام من اسرائيل بلا تعويق تقريبا لكنه تُدس عصي في العجلات ايضا. فعلى سبيل المثال يمر شارع الوصول الى المدينة بمفرق بير زيت في طول 2.8 كم، في المنطقة (ب) ويحتاج شقه الى رخص اسرائيلية. يقول الدجاني لم ننجح الى اليوم في الحصول على رخصة، والوصول الى مواقع البناء حتى مع الشاحنات الثقيلة ممكن فقط من الشارع الضيق لقرية عطارة.

يتهرب الدجاني من كل سؤال تنبعث منه رائحة السياسة. لا يوجد من هو أسعد منه في العالم. "إننا نعمر الخواء"، يضحك ضحكا عاليا على رأس الجبل بازاء الشمس التي تغيب وراء الجبال.