خبر هل نغلق المساجد؟ ..فهمي هويدي

الساعة 10:45 ص|13 يناير 2011

هل نغلق المساجد؟ ..فهمي هويدي

 

ما الذى تستطيع قصور الثقافة أن تفعله أمام 120 ألف مسجد وزاوية فى مصر؟ السؤال طرحه السيد فاروق حسنى وزير الثقافة أثناء مناقشة أجرتها معه مجلة روزاليوسف فى عددها الأخير (8/1). كان الحوار قد تطرق إلى ملف التطرف المثار هذه الأيام. وكان السؤال الذى وجهه رئيس تحرير المجلة للوزير هو: لماذا انتصرت عليك مؤسسة التطرف؟ وهو ما رد عليه الوزير بقوله: قل لى من الأقوى فى المجتمع: الخطيب الواقف على المنبر أم المفكر؟ ثم ألحق كلامه بالسؤال عن تناقض الأدوار بين قصور الثقافة والمساجد والزوايا.

 

لم يكن السؤال استفهاميا بقدر ما أنه احتجاجى واستنكارى، أراد به الوزير أن يعبر عن التضاد بين الدور «التنويرى» الذى تقوم به قصور الثقافة، والدور «الظلامى» الذى تؤديه المساجد والزوايا. والجملة الأخيرة من عندى، لأن الوزير لم يستخدم هذه الكلمات، ولكن سياق حديثه أشار إليها ضمنا. فضلا عن أن ثمة خطابا عبر عنه نفر من المثقفين يعتبر أن التدين هو المشكلة وهو التربة التى تستنبت التطرف. ولأحد كبار موظفى وزارته كتابات عدة ادعى فيها أن جريمة التدين زادت عن حدها فى مصر. وعبر آخرون عن ذات الفكرة حين زعموا أن «الوهابية» زحفت إلى العقل المصرى واحتلت مساحة كبيرة منه. ويبدو أن تلك الأصوات أحدثت مفعولها فى الأوساط الرسمية، حتى تردد أن وزارة الإعلام اتجهت إلى تخفيف جرعة التدين فى برامجها. فى أعقاب فاجعة التفجير التى حدثت فى الإسكندرية. وإذا صح ذلك فإنه يندرج ضمن الآثار الخطيرة للفاجعة. التى وضعت الإسلام وتعاليمه والمتدينين على إطلاقهم فى قفص الاتهام، وبات السؤال المطروح هو كيف يمكن التصدى لكل هؤلاء. وكما أن أهل الأمن والسياسة وجدوها فرصة للدفاع عن استمرار العمل بقانون الطوارئ. فإن فئات من الكارهين الذين يبغضون الإسلام وأهله انتهزوا الفرصة ذاتها لإضعاف الإسلام وإيغار الصدور ضده.

 

رغم أن الوزير لم يستخدم وصف الظلامية فى وصف خطاب المساجد والزوايا إلا أن كلامه واضح فى أن ذلك الخطاب يتناقض مع الخطاب الذى تتبناه قصور الثقافة. وأعطى انطباعا بأن ثمة معركة بين الطرفين. وهو منطق يثير الدهشة من ناحيتين. فالوزير أطلق اتهامه وتحدث عن جميع المساجد والزوايا فى مصر دون أن يستثنى شيئا منها. وهذا التعميم يعنى أن وجود تلك المساجد والزوايا هو المشكلة، الأمر الذى يستدعى السؤال التالى: هل يكون الحل بإغلاقها لكى تتاح الفرصة كاملة لقصور الثقافة لكى تبث التنوير على راحتها؟

 

من ناحية ثانية فإن المنطق والعقل يفترضان أن تتكامل الأدوار التى تقوم بها قصور الثقافة والمساجد، فلا تتنافى أو تتعارك. خصوصا أننا نتكلم عن حكومة واحدة تضم بين أعضائها وزيرا للثقافة مسئولا عن قصور الثقافة ووزيرا للأوقاف قائما على أمر المساجد، والتكامل المنشود يعد من أبسط مقتضيات التنسيق بين الوزارتين.

 

أزعم أن هيمنة الخطاب السلفى أو الوهابى على العقل المصرى فرية خبيثة، فضلا عن أنها فضيحة ثقافية ــ لماذا؟ ــ هى فرية لأنها غير صحيحة. إذ رغم أن الخطاب السلفى اخترق الساحة المصرية خلال ربع القرن الأخير بسبب الفراغ الذى نشأ فيها والذى صنعته السلطة بأيديها، إلا أن ذلك الاختراق لا يمكن أن يوصف بأنه هيمنة. وإذا كانت هناك بعض القنوات الفضائية تبث خطابا سلفيا، ففى مقابلها عدد هائل من القنوات لا علاقة لها بالسلفية. وأغلبها معاد لها. وهى خبيثة لأن الذين يتذرعون بهيمنة الخطاب السلفى يتخذون منه قناعا لملاحقة وإعلان الحرب على مجمل الخطاب الدينى. تماما كما أن الأنظمة الاستبدادية اتخذت من الحرب ضد الإرهاب ذريعة لقمع كل معارضيها السياسيين وتصفيتهم.

 

أما كونها فضيحة ثقافية فمرجع ذلك أنه لا يجوز ولا يليق أن تصور مصر بلد الأزهر وقلعة الاعتدال الدينى فى العالم الإسلامى بحسبانها بلدا انهارت وسطيته واستسلم للفكر السلفى أو الوهابى، الذى يتراجع حاليا فى السعودية، حاضنته الطبيعية والتاريخية.

 

لى ملاحظتان أخيرتان، الأولى تتعلق بانصراف الناس عن قصور الثقافة وإقبالهم على خطاب المساجد والزوايا. إذ لا أعرف لماذا يعد ذلك انتصارا للفكر المتطرف، ولا يعد إعراضا عن خطاب قصور الثقافة وإشهارا لتهافته وإفلاسه.

 

الملاحظة الثانية أن الوزير وهو يتحدث ظل نظره مصوبا نحو المسلمين المتطرفين ودعاة التكفير، فلا هو رأى مسلمين معتدلين، ولا هو لاحظ أن ثمة متطرفين بين غير المسلمين. وهى مشكلة أن تكون تلك رؤية وزير فى الحكومة، ومشكلة أكبر أن يكون الرجل وزيرا للثقافة.

 

 

*جريدة الشروق المصرية