خبر أي حرب ستشنّ « إسرائيل » على غزة؟

الساعة 02:01 م|06 يناير 2011

أي حرب ستشنّ "إسرائيل" على غزة؟

كتب / صالح النعامي

" هل ستشنُّ إسرائيل حربًا على قطاع غزة؟ وأي حرب ستكون؟" سؤال يكثر طرحه هذه الأيام مع حلول الذكرى الثانية للحرب الإسرائيليَّة الإجراميَّة على القطاع، بالطبع إجابة هذا السؤال تتأثَّر بكل تأكيد بحملة التهديدات المنفلتة الصادرة عن النخب السياسيَّة والعسكريَّة الحاكمة في إسرائيل، عوضًا عن عدد كبير من المعلِّقين الصهاينة الذين يؤكِّدون أن شنّ حرب بنفس حجم الحرب الأخيرة هي مسألة وقت، وأنه لا خلاف على أن مثل هذه الحرب ستشنّ في غضون فترة تتراوح بين عدة أشهر إلى سنة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ينظر إلى جملة التهديدات الإسرائيليَّة على أنها تعبِّر عن نوايا حقيقيَّة أم أنها مجرد ضرب من ضروب الحرب النفسيَّة الهادفة لممارسة ضغط على حركة حماس وحكومتها؟

 

إن تقديم إجابة موضوعيَّة على هذا السؤال يتطلب بكل تأكيد العودة للعبر الإسرائيليَّة من الحرب الأخيرة، فإذا اعتبرنا أن دائرة صنع القرار في إسرائيل تنطلق من اعتبارات "عقلانيَّة" عند مقاربتها لقرار الحرب، فإنه يفترض بالضرورة أن ترتكز مسوغات قرار شنّ الحرب بالضرورة على العبر التي استخلصها الكيان الصهيوني من الحرب الأخيرة، ولا يمكن الإحاطة بعبر الحرب دون التعرف على حقيقة الجدل الذي احتدم خلال الحرب الأخيرة بين صناع القرار في تل أبيب بشأن الحرب وسيرها، والتي سمح الكتاب الذي يعكف على كتابته حاليًا رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت والذي يتطرَّق لكثير من الخفايا المتعلِّقة بالحرب، بإلقاء ضوء كثيف عليه، ويستدل مما جاء في الكتاب التي نشرت الصحف الإسرائيليَّة مقتطفات منه أن الخطة الأصليَّة للحرب التي بلورتها شعبة التخطيط في الجيش الإسرائيلي وأقرَّها المجلس الوزاري المصغَّر لشئون الأمن قد نصت على توجيه ضربة جويَّة تمتد عدة أيام على بنك كبير من الأهداف، وقد وضعت شعبة التخطيط في الجيش اسمًا لهذه الحملة الجويَّة، وهو "دوس الطيور" وتبدأ بعد ذلك عمليَّة توغل بري تستهدف إحداث احتكاك مع عناصر "كتائب عز الدين القسام" الجناح العسكري لحركة حماس، بحيث يتمّ قتل أكبر عدد منهم، وتنتهي الحرب في الوقت الذي تشعر فيه القيادة السياسيَّة والعسكريَّة أن إسرائيل حقَّقت ردعًا راسخًا في مواجهة حركة حماس يسمح للمستوطنات الواقعة في محيطه بالعيش بـ "هدوء فترة طويلة" لكن مع بدء العملية البريَّة وعدم تكبّد الجيش الإسرائيلي خسائر بشريَّة كبيرة، زادت شهية أولمرت، وبات يطالب بأن يتم توسيع نطاق الحرب وتعميقها بحيث يتم إسقاط حكم حركة حماس، والذي عزّز موقف أولمرت هو حقيقة أنه يحظى بدعم قائد المنطقة الجنوبيَّة وقائد جبهة الحرب يوآف جلنت (تم تعيينه مؤخرًا رئيسًا لهيئة أركان الجيش)، ومعظم الضباط في هيئة قيادة المنطقة الجنوبيَّة، وقام منطق أولمرت على الآتي:

 

أولًا: توسيع نطاق الحرب بحيث تشمل إعادة احتلال مدينة غزة بالكامل والمنطقة الشماليَّة من قطاع غزة، وفي نفس الوقت يتم احتلال المنطقة الوسطى من القطاع، بالإضافة إلى احتلال الشريط الحدودي بين قطاع غزة وسيناء، لتدمير الأنفاق، ولا تستبعد الخطَّة إعادة احتلال مدينة رفح بالكامل.

 

ثانيًا: يواصل الجيش تواجده في قطاع غزة لمدة تتراوح بين نصف عام إلى ثلاثة أعوام، تقوم خلالها المخابرات الإسرائيليَّة بالتعاون مع الجيش بتدمير البنى التحتيَّة والتنظيميَّة لحركات المقاومة.

 

ثالثًا: تبدأ إسرائيل سلسلة اتصالات مع المجتمع الدولي لترتيب دخول قوَّات متعددة الجنسيَّات إلى قطاع غزة تحلّ محل الجيش الإسرائيلي لمنع استخدام القطاع في مهاجمة إسرائيل.

 

رابعًا: يؤدي الهدوء الذي يفترض أن يسود في القطاع إلى تهيئة الظروف أمام عودة سلطة الرئيس محمود عباس.

 

من هنا فقد طالب أولمرت وجلنت بتمديد الحرب لعدة أسابيع إضافيَّة لتحقيق هذه الأهداف، بالإضافة إلى مطالبته بتنفيذ قرار الحكومة الذي طالب بتجنيد 60 ألف جندي احتياط وليس 30 ألف كما أمر براك.

 

قوبلت توجُّهات أولمرت برفض شديد من قِبل براك الذي قال أنه لا يمكن القضاء على المقاومة الفلسطينيَّة بتوجيه ضربة واحدة، وأنه يتوجب القيام بأكثر من حملة عسكريَّة، حيث اعتبر براك أن هدف الحرب الرئيس يتمثَّل في خلق ردع طويل يسمح باستئناف اتفاق التهدئة غير المعلنة بين حماس وإسرائيل، لم يكن بوسع أولمرت الذي كان يتعرض قبل الحرب لسلسلة من الانتقادات الحادة بسبب أدائه الإشكالي خلال حرب لبنان الثانية أن يملي موقفه على براك وأشكنازي، لكن ومع ذلك فقد نجح أولمرت في إطالة أمدِ الحرب بعكس رغبة براك الذي كان يرغب في إنهاء الحرب بعد 48 ساعة من بدء الحرب البرية عبر "لفتة حسن نوايا" تقدِّمها إسرائيل للمجتمع الدولي، وهو ما رفضه أولمرت، مما أدى إلى إطالة أمد الحرب إلى 23 يومًا.

 

ويرى الكثير من المراقبين في إسرائيل أنه بعد عامين من الحرب يتضح من خلال الجدل الإسرائيلي الداخلي أن وجهة نظر براك هي الصائبة تحديدًا، وعليه فإن العِبر التي يشير إليها الكثيرون في إسرائيل تتضمن التالي:

 

1- على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي تدرَّب على إعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، إلا أن العوامل السياسيَّة لا تسمح لإسرائيل بذلك، لأنه تبيَّن أنه لا يوجد طرف عربي أو فلسطيني يمكن أن يقبل بالتواجد في قطاع غزة في أعقاب انسحاب إسرائيل منه، عوضًا عن أن ما ارتكبته إسرائيل من مجازر خلال الحرب الأخيرة لن يساعد في إقناع الدول الأوروبيَّة على مكافأة إسرائيل على عدوانها وجرائمها بإرسال قوات متعددة الجنسيَّات لغزة.

 

2- لا يمكن لإسرائيل أن تشنَّ حربًا بنفس وتيرة الحرب الأخيرة التي تحمس لها براك، ليس فقط بسبب ما جاء في تقرير جولدستون الذي اتَّهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانيَّة، والذي أدى إلى تدهور مكانة إسرائيل الدوليَّة، بل يفترض أن المجتمع الدولي لن يسمح لإسرائيل بارتكاب ما أقدمت عليه في الحرب الأخيرة بسبب الجمود الواضح في العمليَّة التفاوضيَّة، وذلك بعكس ما كانت عليه الأمور خلال الحرب الأخيرة، علاوةً على ذلك يفترض أن تدرك هيئة صنع القرار في تل أبيب أبعاد التدهور في علاقاتها مع بعض الدول، وعلى رأسها تركيا.

 

3- انهيار حكم حركة حماس لن يؤدي إلى توقف عمل المقاومة، حيث ستستأنف الفصائل الفلسطينيَّة عمليات المقاومة بعد فترة بسيطة لإطلاق الصواريخ، وستتمكن من الحصول على القذائف الصاروخيَّة من خلال الأنفاق، حيث أن المقاومة الفلسطينيَّة تمكَّنَت من تهريب السلاح وقتما كان الجيش الإسرائيلي يتواجد في قطاع غزة، وستتحرر المقاومة من عبء الحسابات المتعلقة بمصالح الناس، على اعتبار أن هناك عنوانًا واحدًا ووحيدًا، هو جيش الاحتلال الذي سيكون مطالبًا برعاية شئون الناس.

 

من هنا فلو افترضنا أن صناع القرار في تل أبيب سينطلقون في مخططاتهم تجاه غزة من وحي هذه العبر، فإنهم في حال قرَّروا ضرب غزة من جديد، فإن أي حملة عسكريَّة ضد غزة يفترض أن تكون أقل صخبًا من الحرب من حيث حجم الجرائم، وأكثر تواضعًا من حيث الأهداف.

 

لا يعني ما تقدم أن صناع القرار في إسرائيل الحاليين يتبنّون هذه العبر أو سيعملون من وحيها في المستقبل.