خبر ما استُوطن بالقوة لا يُزال بغير القوة ..سعد محيو

الساعة 11:06 ص|26 ديسمبر 2010

ما استُوطن بالقوة لا يُزال بغير القوة ..سعد محيو

أبرز الحلول لمعضلة المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، هو تبادل الأراضي بين الدولة الفلسطينية المقترحة وبين "إسرائيل".

 

الاقتراح هنا يتصوّر "تبادلات" في الأراضي تكون متساوية في الحجم تقريبا. أي: الأرض داخل الضفة الغربية التي تُنقل بشكل دائم إلى "إسرائيل"، ستكون موازية تقريباً للأرض في الجانب "الإسرائيلي" التي ستنقل إلى دولة فلسطين.

 

وعلى سبيل المثال، تعديل الحدود لبضع مئات الأمتار شرقاً سيكون كافياً لنقل مجمع هأورانيم ولابيد (شمال الضفة الغربية) الاستيطاني الملاصق برمته إلى "إسرائيل". وتعديل مماثل غرباً سيضع القرى العربية الفلسطينية مثل بيت عوين (جنوب الضفة الغربية) كلياً في فلسطين.

 

بيد أن مبدأ التبادل يصبح أكثر صعوبة حين يتعلق الأمر بكتل الاستيطان الواقعة في عمق الضفة الغربية، مثل المدينة- المستوطنة أرئيل (عدد سكانها 25 ألفاً)، قرب نابلس. إذ إن أي تعديل حدودي يضم أرئيل إلى "إسرائيل" قد يتطلب أن تضم هذه الأخيرة لساناً طويلاً من الأرض يندفع بعمق في قلب شمال الضفة الغربية ويقسمها إلى شطرين شمالي وأوسط. وقد اقترحت "إسرائيل" نظاماً من الأنفاق والجسور قالت إنه قد يساعد على تقليص العقبات أمام تنقّل الفلسطينيين. بيد أن التأثير الحاسم بالنسبة إلى فلسطين يمكن إدراكه إذا ما افترضنا وجود إجراء مماثل: على سبيل المثال، لسان من السيادة الفلسطينية يمتد في عمق "إسرائيل" ليضم مدينة الناصرة ذات الأغلبية العربية في الجليل الأوسط. وهذا بالطبع لن يكون بالمرة مقبولاً من جانب "إسرائيل".

 

إضافة إلى ذلك يفشل مبدأ التبادل كلما اقترب الأمر بالتدريج إلى القدس. ففي "حلقة المستوطنات" الاستراتيجية، أصبحت "الأحياء" المدينية اليهودية كثيفة إلى درجة بات من الصعب معها فرض تقسيم حدودي واسع ملائم للبؤر الفلسطينية التي تحيط بها هذه الأحياء. لكن، إذا ما وضعنا في الاعتبار تواصل البناء "الإسرائيلي" لهذه المستوطنات (وللبنى التحتية والطرق الدولية ومحطات الطاقة التي تدمجها في القدس الكبرى وبإسرائيل نفسها) فإن النتيجة الأكثر ترجيحاً هي ضم "خاصرة" الضفة الغربية الوسطى برمتها إلى "إسرائيل". وهكذا، فإن مبدأ التبادلات لا يستطيع تجاهل اللاتوازي في القوة الذي سينضم إلى الحقائق الجغرافية لجعل تبادل الأراضي شريكاً في جرم تفتيت الضفة الغربية إلى كانتونات مُحاصرة ومخنوقة.

 

تبادل الأراضي، إذاً، يبدو خدعة أكثر منه حلاً. وهذا ما يعيدنا إلى المربع الأول الذي ذكرناه بالأمس: "إسرائيل" لن تتخلي طوعاً عن مستوطنات الضفة وفق أي صيغة يجري التفاوض عليها. فهذه المستوطنات، كما شددت الباحثة فرجينيا تيلي عن حق، تعمل جغرافياً لخدمة استراتيجيات الدولة "الإسرائيلية" التي يمكن حصرها في ثلاث: 1- كيف تُعزز المستوطنات ميثاقاً قومياً يهودياً في ما يتعلق بوضعية الدولة اليهودية كدولة (Statehood) 2 - كيف تخدم استراتيجية "إسرائيل" لتوجيه الحكم الذاتي الفلسطيني في الأراضي المحتلة وفق ما يخدم ديمومة الاحتلال، 3- كيف تخدم المستوطنات مشروع "إسرائيل" لضم الضفة الغربية إليها في خاتمة المطاف، فيما تبقى هي دولة يهودية.

 

ومع مثل هذه الظروف، ليس في الواقع سوى حل جذري واحد لهذه المسألة: ما تم استيطانه بالقوة، لا يزال بغير القوة.

 

أما تسويات السلام فهي لا تفعل، كما أظهرت تجربة اتفاقات أوسلو على مدى 17 عاماً، سوى تسهيل قضم وضم الضفة بالتدريج، ولقمة لقمة.