خبر بين عرب « المتابعة »... و« متوازية » ميتشل و« فجوات » نتنياهو! ..عبداللطيف مهنا*

الساعة 10:41 ص|19 ديسمبر 2010

بين عرب "المتابعة"... و"متوازية" ميتشل و"فجوات" نتنياهو! ..عبداللطيف مهنا*

 

هي نوع من "الكوميديا السوداء"، ومن جنس فريد، وعرض غير مسبوق، ويمكن نسبتها براحة إلى اللامعقول، لعلها تضحك من يجد في نفسه بعد مقدرة على الضحك، وتبكي من حالفه الحظ فلم تجف مآقيه بعد... هذه التي نشهدها هذه الأيام، شئنا أم أبينا، على ذات المسرح، الذي كانت تدعى خشبته ذات يوم ليس بالبعيد ساح "الصراع العربي الصهيوني"، والذي بدلته غيلة الأيام العربية "الاعتدالية" جداً إلى ما ينعت الآن ب"النزاع الفلسطيني الإسرائيلي"... هذا الذي مسخته أحوال الحالة "الفلسطينية" الأوسلوية، ليغدو معمعة "إيقاف الاستيطان" من عدمه، والتي رست زوابعها على مجرد المطالبة بتجميده، ثم حوّلها "الراعي الأميركي" بالتالي إلى الدعوة إلى "التجميد المؤقت"، هذه المرفوضة إسرائيلياً فالمسحوبة من ثم أمريكياً!

 

تبدأ المشاهد بآخر مآثر الولايات المتحدة... راعية العقدين الكارثيين من عبثية بث الأوهام التسووية، تتخلّى عن دعوتها لتجميد التهويد تمهيداً لمواصلة "المفاوضات". الإسرائيليون يرحبون، ونتنياهو يعد هذا نصراً، ويقول إن هذا إنما هو "في مصلحة إسرائيل"، ولا يني يبدي رغبته في مفاوضات غير مباشرة "لتضييق الفجوات"، ويبشر الإسرائيليين بأن "أميركا فهمت بعد عام ونصف العام أننا نخوض مناقشات لا معنى لها حول قضية هامشية هي البناء في المستوطنات"!

 

يليها... العرب، عرب "السلام خياراً استراتيجياً وحيداً"، الذين سبق وأن أعطوا الراعي الأميركي غير النزيه والمنحاز والمشارك مع الطرف الإسرائيلي في كل سياساته والداعم لها، والمغطي الحريص على كافة جرائمه والراعي الدائم لفظاعاتها، والحامي الأبدي لمقترفها، المنافح المجتهد الحائل دون أن تطاله عواقبها وفق الأعراف والمواثيق والشرعية الدولية والإنسانية... الذين أعطوه شهراً انقضى منذ أمد لكي يضغط لتجميد التهويد لإخراج معشوقتهم "المسيرة السلمية" التي دفنت منذ زمن من تحت التراب... هؤلاء صمتوا... انتظرت متابعة الجامعة حتى يتحفها أبو مازن بما في جعبته، وأن يهمس لها ميتشل بما لديه..!

 

أما السلطة، فكان من المتوقع أن لا تفعل غير ما فعلت. لجأت للمتابعة، المتابعة التي كانت قد قامت سابقاً بدور "المحلل" لعودتها المنشودة للمفاوضات التي لم تتوفق في العودة لها، لسبب واحد هو صدود نتنياهو وتعنته، وصمم "الراعي" الذي لم يستجب لاستغاثاتها عبر عتبها الدائم وشكواها المستمرة ولم يعدل بين طرفي رعيته. هذه المرة شاءت من المتابعة بعض ما أرادته دائماً منها، وهو سند أو فتوى تجيز لها ما قد تجد فيه مخرجاً يتيح لها أن تظل رهن حالة "لعل وعسى" التي دأبنا تعلقانها على أريحية "الراعي" للمسيرة المرحومة التي تصر هي وعرب التسوية على عدم دفن رميم عظامها!

 

وتتوالى العروض... المتابعة انتظرت والسلطة ذهبت، وقبل أن يلتقيا بساعات قليلة، التقى الأمين العام للجامعة المبعوث الأميركي ميتشل، الذي سبق أن زاول حركاته المكوكية بين القدس المحتلة ورام الله المحتلة، وجاء هذه المرة "ليستمع للطرفين". تهامس مع نتنياهو واستمع إلى السلطة، وفي المقاطعة، أخرج من ردنه لعبته الجديدة... "محادثات متوازية"... بالمناسبة، كانت سابقاً مفاوضات متلازمة، وتارة مباشرة، وأخرى غير مباشرة، ولا ندري مستقبلاً بماذا ستكنى!

 

وهنا، يفترض أن لا يفوتنا أن نلفت الانتباه إلى ما يجري خارج المسرح والمكمل له، إلى أن الساعات القليلة التي فصلت بين لقاء ميتشل مع نتنياهو ولقائه مع أبو مازن مروجاً لمتوازيته، هدمت بيوت فلسطينية في القدس المحتلة، وأعلن المحتل عن الشروع في بناء وحدات سكنية تهويدية جديدة في حي صور باهر في المدينة المحتلة...

 

وتدب الحركة على المسرح وخلف كواليسه معاً... فبالتوازي مع متوازية ميتشل، مستشار أوباما دينيس روس، وليس سواه، وصل فلسطين المحتلة لهدفين، وفق صحيفة "يدعوت أحرونوت"، هما معرفة "الخطوط الحمر" الإسرائيلية فيما يتعلق بالمفاوضات القادمة، وسبر كنه "التدابير الأمنية بعيدة المدى" التي تريدها إسرائيل من الولايات المتحدة مستقبلاً إن أسفرت مفاوضات "تضييق الفجوات" النتنياهوي هذه عن اتفاق ما قد يتمخض عنه جبلها... أما الكونجرس، واحترازاً منه، فهو بصدد مناقشة مشروع قرار أقره أحد مجلسيه، مجلس النواب، لمنع إعلان أحادي لدولة فلسطينية محتمل!

 

... وأيضاً، وبالتوازي، مع هذه المتوازيات، الاتحاد الأوروبي، الذي سبق ولوح موهماً بما هو المختلف عن سوابق التحاقه بالقطار الأميركي وسائقه الإسرائيلي، وهو احتمال اعترافه خلال عام بالدولة الفلسطينية، والذي جاء في وثيقة كانت قد طرحت مثل هذا، سرعان ما تخلى عمّا لمّح به مستعيضاً عنه بقولٍ من مثل، سنعترف لكن "عندما يحين الوقت المناسب"... وفقط أبدى أسفه "لعدم تجميد الاستيطان" لا أكثر... الأمر الذي من شأنه أن حدا بداني أيالون لإبداء ارتياحه!

 

قبل أن تعقد لجنة المتابعة وتستمع لما عند أبي مازن، أعلنت سلفاً موقفها وحددت مسار قرارها، بأنه سيكون وفق ما سيطرحه أبو مازن عليها. وأبو مازن ذهب إليها وهو يعلنها سلفاً بأنه لا يزال يطالب "بضمانات أميركية"... أما وقد عقدت المتابعة فقد انفضّت وكان من شأنها التالي:

 

أنها "ترى أن مسار المفاوضات أصبح غير فاعل بسبب الموقف الإسرائيلي، وعدم تمكن الوسيط الأمريكي من تحقيق نتائج في مساعيه، وبناءً عليه فإن اللجنة تقرر أن استئناف المفاوضات سيكون رهناً بتلقي عرض جدي يكفل تقدم العملية السلمية!!!

 

هنا، تبرأت اللجنة المتابعة للرتم الأميركي والمتكيفة معه من ارتكاب أي خطيئة تجعل من مسار المفاوضات غير فاعل وبرأت "الراعي"، وحملت وزر هذا إلى الموقف الإسرائيلي وحده، أو أعلنت أنها قد وفقت فاكتشفت هذا، وكرّرت بعضا مما سمعناه في رام الله وفضائيات "الاعتدال" وأعلامه، من مثل عدم تمكن الإدارة الأميركية، تراجعها، فشلها، عجزها...إلخ من مثل هذه التوصيفات التي هي في جوهرها تتجاهل وتغطي على حقيقة كون الموصوف بها مشاركاً أصلاً متبادلاً للأدوار في كل ما يندرج تحت عنوان الموقف الإسرائيلي والسياسات الإسرائيلية والأفعال الاحتلالية التهويدية والراعي المتفاني لها... وكل ما يجعله، لو كان العرب عرباً، في مقام العدو الأول للأمة العربية والإسلامية ومعهما معشر الإنسانية، أو الأمر الذي يعني أن صنيعته الإسرائيلية ما هي إلا مجرد تفصيل من تفاصيله العدوانية!

 

وفي الفصل الذي لن يكون الأخير... كان بعض من المضحك المبكي أيضاً، أن "المتابعة" قد استأسدت فهددت بما احتاط الكونجرس له وقرر إبطاله سلفاً، وهو التوجه لمجلس الأمن "لاستصدار قرار "يؤكد الصفة غير الشرعية للاستيطان"، وكأنما هناك من يجرؤ على وصفه بغير ذلك، ويلزم "إسرائيل" بوقفه، وكأنما هي ستستجيب إذا ما افترضنا جدلاً أنه سيلزمها، ومطالبة الولايات المتحدة "بعدم عرقلة هذا المسعى"، الذي قرر الكونجرس أن يعرقله سلفاً!!!

 

بالنسبة للمواقف العربية والفلسطينية التي عكستها "المتابعة"، قبل أن تعقد وأعلنتها بعد أن انفضت، قد يكون من المفيد أن نشير إلى قول قد يغدو في مقتبل الأيام مأثوراً، إنه لتسيبي ليفني قالته تعقيباً منها على ما يجري: "ليس لدي شك في أنه ستتم مطالبة الفلسطينيين بطرح مواقفهم على الطاولة، وبعد ذلك سنرى الفرق بين ما يقولونه علناً وما يقولونه في المجالس الخاصة"!

 

بين "متوازية" ميتشل، و"فجوات" نتنياهو، وتوجهات "المتابعة" العربية، المراد أن تستمر عروض هذه الكوميديا التصفوية السوداء... فالمطلوب بالنسبة لمخرجيها وممثليها على السواء هو حراك فحسب يشغل النظارة وينوب عن مستوجب دفن رميم عظام المرحومة "المسيرة السلمية" من قبل أطرافها التي لا تريد نعيها، وكلٍ من موقعه... حراك مطلوب للتغطية على عملية تستهدف تصفية قضية العرب المركزية في فلسطين، وتعتمد بث الأوهام لإيجاد المخارج لاستمرار أدوار شهود الزور على تصفيتها!

 

* كاتب فلسطيني