خبر تسوية الصراع في ظلّ التوجُّهات الصهيونيَّة العنصريَّة ..صالح النعامي

الساعة 08:04 م|18 ديسمبر 2010

تسوية الصراع في ظلّ التوجُّهات الصهيونيَّة العنصريَّة  ..صالح النعامي

 

هناك خللٌ واضح وجليّ في الذهنيَّة اليهوديَّة التي تقدِّم كل المسوِّغات التي تبرِّر أن يتخذ غير اليهود دومًا المواقف السلبيَّة ضد اليهود، فاليهوديَّة الحالية في نسختها المنفصلة عن تعاليم السماء الحقيقيَّة معادية للآخر، أي آخر، حتى لو كان هذا الآخر حليفًا يستمد منه الكيان الصهيوني وجوده ومقوِّمات بقائه، وإلا لماذا ينعت الحاخام عفوديا يوسف الذي يتزعم حركة "شاس" التي تعدُّ أكبر حركة دينيَّة في إسرائيل، والتي تحتفظ بأربع حقائب وزاريَّة في الحكومة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بـ "العبد" لمجرد أنه أسود البشرة، عندما أبدى أوباما اعتراضًا على مواصلة الاستيطان، وقبل أن يعبِّر عن ندمه على ذلك، من هنا لم يكن من المستهجن بالمطلق الخطوة التي أقدم عليها أكثر من مائة من كبار الحاخامات اليهود في إسرائيل عندما أصدروا مؤخرًا فتوى تحظر على اليهود بيع أو تأجير بيوت وشقق سكنيَّة لغير اليهود، لا سيما العرب والعمال الأجانب، حيث برَّر الحاخامات إصدار الفتوى بالخوف من حدوث تزاوج بين اليهود وغيرهم، بالإضافة إلى الخوف من انخفاض أسعار الشقق السكنيَّة في المناطق التي يقطن فيها غير اليهود" وجاء في الفتوى: "على كلِّ يهودي يبيع أو يؤجر بيتَه لغير اليهود أن يعلم أنه يتسبب في خسارة جيرانه" ولكي يجعلوا فتواهم ذات أسنان حادَّة، طالب الحاخامات بفرض مقاطعة على كل يهودي يبيع أو يؤجِّر بيتَه لغير اليهود، حيث طالبوا اليهود بالابتعاد عنه وعدم الاتّجار معه وعدم السماح له بدخول الكنس اليهوديَّة حتى يتراجع عن بيعه وتأجيره عقاره لغير اليهود.

 

اللافت أن جميع الحاخامات الموقِّعين على الفتوى هم من أولئك الذين يتقاضون مرتبات شهريَّة ضخمة، أي أن الكيان الصهيوني يمنح هؤلاء المتطرفين الظروف التي تسمح لهم بمواصلة إفراز هذه القاذورات بين الفينة والأخرى، وتنضمُّ هذه الفتوى إلى عددٍ كبير من الفتاوى العنصريَّة التي يصدرها الحاخامات اليهود، حيث دعت فتوى يهوديَّة إلى عدم السماح لفلسطينيي 48 بالترشُّح أو الترشيح في الانتخابات الإسرائيليَّة، كما حظرتْ فتوى أخرى على اليهود التبرع بالدم لغير اليهود، ومما يدلِّل على أن البيئة السياسيَّة والقانونيَّة في إسرائيل تسمح بالتحريض على القتل لأسباب عنصريَّة أن سلطات حفظ النظام والقانون لم تتخذ أي خطوة ضد الحاخام إسحاق شابيرا، مدير المدرسة الدينية "يوسيف حاي" المقامة في مستوطنة "هار براخا" شمال مدينة نابلس المحتلَّة، شمال الضفة الغربية، والذي أصدر مؤخرًا كتابًا ضمنه "تأصيلًا فقهيًّا" لتبرير قتل الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين، وعرض شابيرا في كتابه "شريعة الملك" عشرات "الأدلة" من التوراة والتلمود التي تبرِّر قتل أطفال الشعوب الذين يتواجدون في حالة عداء مع اليهود، وعرضت صحيفتا "هآرتس" و"معاريف" مقتطفات من كتاب شابيرا، حيث أوردت الصحيفة تسويغ شابيرا لقتل أطفال غير اليهود إذا كان تواجدهم في مكان يسمح بالمسّ باليهود، ويذهب شابيرا بعيدًا عندما يسوّغ قتل أطفال قادة الأعداء من أجل التأثير على معنوياتهم، حيث يقول: "ويجوز المسّ بأبناء أي قائد لمنعه من السلوك الشرير... وجدنا في الشريعة أن أطفال غير اليهود يوجد ما يبرِّر قتلهم بسبب الخطر الذي سينشأ في المستقبل إذا نشأوا ليصبحوا أشرارًا مثل آبائهم".

 

ومن أخطر الفتاوى كانت تلك التي وقع عليها عددٌ من كبار الحاخامات اليهود الذين يشكِّلون ما يعرف بـ "رابطة حاخامات أرض إسرائيل" برئاسة الحاخام دوف ليئور، والتي دعت الجيش الإسرائيلي إلى قصف التجمعات السكانيَّة الفلسطينيَّة بدون تمييز، والتي استند إليها عدد من الوزراء المتدينين في حكومة أولمرت السابقة لإبداء حماسهم إزاء تعمُّد المسّ بالمدنيين الفلسطينيين أثناء الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على غزة أواخر عام 2008.

 

وجاء في هذه الفتوى أن "الشريعة اليهوديَّة تبيح قصف التجمعات السكانيَّة المدنيَّة الفلسطينيَّة، والتوراة تجيز إطلاق قذائف على مصدر النيران حتى لو كان يتواجد فيه سكان مدنيُّون" ووصل الأمر بالحاخامات الموقعين على الفتوى إلى حد القول أنه لا يتوجب على الجيش تحذير المدنيين قبل عمليَّة القصف.

 

أما الحاخام إلياهو ريسكين من كبار حاخامات المستوطنين فيسخر من الدعوات لإجراء حوار بين حاخامات اليهود والقائمين على المؤسَّسة الدينيَّة الرسمية في العالم العربي، ويرى ريسكين أن لغة الحوار الوحيدة بين المسلمين واليهود هي "الرصاص" معتبرًا أنه بدون إقناع العرب بشكلٍ عام والفلسطينيين بشكلٍ خاص أنه لا يمكن فرض تسوية على إسرائيل بالقوَّة، فإنه لا طائل من مثل هذه الحوارات.

 

ومن الواضح أن التحريض على العنصريَّة الذي يقوم به الحاخامات قد نجح في تكريس التوجهات العنصريَّة لدى الجمهور الإسرائيلي، فحسب نتائج استطلاع للرأي العام أجراه "المعهد الإسرائيلي للديموقراطيَّة" ونشرت نتائجه الأسبوع الماضي تبين أن 83% من اليهود في إسرائيل يرون أن يهودية إسرائيل أهم بالنسبة لهم من كونها ديمقراطيَّة، في حين يرى 86% أن القرارات المصريَّة للكيان يجب أن تحسم بواسطة أغلبيَّة يهوديَّة فقط، ويرى 62% أنه طالما تواصل الصراع مع العالم العربي يتوجب على الدولة عدم الأخذ بعين الاعتبار مواقف فلسطينيي 48، في حين يقول 53% أنه من حق الدولة تشجيع فلسطينيي 48 على الهجرة للخارج، ويرى 76% من اليهود أنه يتوجب على الدولة عدم السماح لأقارب الدرجة الأولى للمواطنين العرب الذين يحملون الجنسيَّة الإسرائيلية من دخول إسرائيل ضمن برنامج جمع شمل العائلات، ويطالب 55% بأن تخصص الدولة مخصصات ماليَّة للتجمعات السكانيَّة اليهوديَّة أكثر من التجمعات السكانية العربيَّة، وقال 46% من اليهود أنهم لا يرغبون في أن يقوم عامل عربي بإصلاح شقته، في حين أن 39% لا يرغبون بالاستعانة بعامل أجنبي.

 

أما الدراسة التي أجراها عميد كلية علم الاجتماع في جامعة حيفا سامي سموحة فتظهر أن 65% من الإسرائيليين يعارضون السكن المشترك مع فلسطينيي 48، في حين أن 67% من فلسطينيي 48 يوافقون على الإقامة في أحياء مشتركة يقطنها يهود وفلسطينيون، وحسب الدراسة فإن 65% من اليهود يرون أن فلسطينيي 48 يشكلون خطرًا على إسرائيل بسبب الزيادة الطبيعية ومساعيهم لتغيير طابع الدولة وبسبب إمكانيَّة التمرد والعصيان الشعبي ومؤازرة نضال شعبهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد كشف تقرير صادر عن جمعيَّة حقوق المواطن، وهي منظمة حقوقية إسرائيليَّة عن تزايد معدلات الكراهية للعرب بنسبة 100%، وأشارت المنظمة في تقريرها السنوي مطلع العام الجاري إلى مؤشرات عن اتساع حجم العنصريَّة وتزايد الكراهية للعرب بنسبة 100%.

 

ولا يقتصر الإفصاح عن التوجهات العنصريَّة ضد العرب على عامة الجمهور اليهودي، بل يتعداه إلى الساسة، فقد جاء في مقالٍ كتبه موشيه فايغلين، أحد أبرز قادة حزب الليكود الحاكم ونشرته صحيفة "معاريف" بتاريخ 5-12-2010: "إن العربي ليس ابن الصحراء، بل هو أبوها، العربي يجلب الصحراء حيثما حلَّ وارتحل.. العرب مستلبون لثقافة اللصوص، العقل العربي يعاني من عدم القدرة على الإبداع، لا يوجد في الثقافة العربيَّة طيب وسيئ، بل ضعيف وقوي".

 

لكن هناك مؤشرات على أن الكراهية لم تعد تقتصر على العرب، بل تعدتهم إلى كل ما هو أجنبي، ففي مدينة تل أبيب نظم الخميس الماضي مؤتمر جماهيري كبير شارك فيه علمانيون ومتدينون للمطالبة بطرد الأجانب من المدينة الأكبر في إسرائيل، وذلك تحت شعار: " لقد تحولنا إلى حاوية نفايات بفعل وجود العمال الأجانب" ولم تتردد سوزي كوهين، إحدى الناشطات السياسيات في المدينة، والتي أشرفت على تنظيم المؤتمر في القول: "لا يعنيني أن ينعتوني بالنازيَّة بشرط أن نتمكن من طرد الأجانب".

 

يتضح مما تقدم أن المجتمع الإسرائيلي يتجه نحو التطرف وتبني التوجهات العنصرية في صورتها الأقل تسامحًا مع الآخر بغضّ النظر عن هويته الدينيَّة والعرقيَّة، وبالتالي فإن المرء لا يحتاج إلى سماع هذا التصريح أو ذاك من مسئول صهيوني حتى يعيَ أن التوصل لتسوية مع هذا الكيان هي مهمَّة مستحيلة.