خبر « إسرائيل » وبوادر تمرد غربي ..بقلم: أحمد عمرابي

الساعة 10:45 م|17 ديسمبر 2010

"إسرائيل" وبوادر تمرد غربي  ..بقلم: أحمد عمرابي

هل أصبحت "إسرائيل" عرضة لحصار سياسي في أوروبا وتذمر يتنامى داخل الولايات المتحدة؟

 

لقد بات معلوماً في دول الاتحاد الأوروبي، أن مجموعة من محامين وقادة منظمات حقوق الإنسان، أعدت قائمة بأسماء مطلوبين من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي، بهدف ملاحقتهم قضائياً واستصدار أوامر باعتقالهم بتهمة المشاركة في ارتكاب جرائم حرب، في حال وصولهم إلى هذه الدول.

 

هؤلاء المحامون وقادة المنظمات، يقيمون في كل من الدول يسمح للمحاكم فيها بإصدار أوامر اعتقال ضد أشخاص أجانب مشتبه فيهم بأنهم نفذوا جرائم حرب.

 

معنى ذلك ببساطة، أن كبار ضباط المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، لن يكون بوسعهم السفر إلى هذه الدول الأوروبية، دون المخاطرة بتعرضهم للاعتقال والاقتياد إلى محاكمة مذلة، قد تنتهي بأي منهم إلى السجن لعدد من السنين.

 

لكن التذمر الغربي لا يقتصر على هذا الاستخلاص المباشر، ذلك أن تحرك شخصيات قانونية وغير قانونية في دول غربية ضد "إسرائيل"، لم يكن متصوراً قبل عقد زمني أو عقدين، ومعنى ذلك أن المنظمات اليهودية في دول أوروبا الغربية أصابها شيء من الوهن في مواجهة السطوة اليهودية التي تتمثل في دمغ أية شخصية تنتقد "إسرائيل" - مجرد انتقاد - بتهمة «معاداة السامية».

 

هل إذن، نخطئ التقدير إذا قلنا إن "إسرائيل" أصبحت الآن عرضة لعزلة تتنامى مع الزمن؟

 

عن هذا السؤال نعثر على إجابة في داخل "إسرائيل" نفسها، فقد نشر الكاتب الإسرائيلي باريف أوفنهايمر مقالة جريئة في صحيفة «هآرتس» واسعة الانتشار، يقول فيها «إن العالم ضاق ذرعاً بسياسة إسرائيل».

 

ويضيف الكاتب محذرا، أنه إذا لم تقم الحكومة الإسرائيلية بخطوات ملموسة تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن "إسرائيل" جادة في السير على طريق سلام عادل مع الفلسطينيين، فإنها ستصبح في عزلة دولية.

 

ويشير الكاتب إلى أن اسم "إسرائيل" لم يعد شيئاً مكروها في دمشق وطهران فحسب، بل امتدت هذه الكراهية إلى تركيا وغالبية الدول الأوروبية وكندا وأجزاء من الولايات المتحدة.

 

هل معنى ذلك أن الغرب بدأ على المستوى الشعبي يتعاطف جدياً مع العرب؟ ليس بالضرورة، فالغضب الشعبي الغربي ضد "إسرائيل"، موجه أساساً ضد الابتزاز السياسي اليهودي في بلدان الغرب باسم معاداة السامية.

 

مع ذلك فإن من المتاح للعرب - حكومات ومنظمات - استثمار هذا التيار الغربي الغاضب، لصالح الصراع العربي والإسلامي ضد الدولة الصهيونية.

 

على الصعيد الأميركي يبرز تساؤل كبير: هل أصبحت "إسرائيل" عبئاً على الولايات المتحدة؟

 

هذا التساؤل طرح للمرة الأولى قبل نحو أربع سنوات، على لسان أكاديميين أميركيين. والآن ينضم إلى هؤلاء الأكاديميين كتاب صحافيون، بما يوحى بأن السؤال على خطورته أصبح قابلاً للإثارة الصريحة على المستوى السياسي الأميركي، بما يعكس تنامي حالة تمرد فكري وسياسي وإعلامي داخل الساحة الأميركية، ضد الشراكة الاستراتيجية المطلقة مع "إسرائيل".

 

في عام 2006 نشر كتابان يمكن أن ينظر إليهما في الولايات المتحدة بعد نحو عقد زمني، بأنهما شكلا بداية التمرد ضد الدولة والنفوذ اليهودي ذي الطابع الصهيوني.

 

الكتاب الأول من تأليف البروفيسور ستيفن والت والبروفيسور جون مارشيمر، حول الضرر الذي يلحقه اللوبي الإسرائيلي داخل مؤسسة السلطة الأميركية، بالمصالح الأميركية العالمية. والكتاب الثاني من تأليف الرئيس السابق جيمى كارتر بعنوان «فلسطين: السلام وليس الفصل العنصري».

 

الآن ينتقل الأمر إلى المجال الإعلامي الرحب، فقد نشرت مجلة «فوورين بوليسي» الأميركية، مقالاً للبروفيسور والت رداً على مقالة في صحيفة «واشنطن بوست» بقلم الكاتب الصحافي اليهودي روجر كوهين. فقد اتهم كوهين البروفيسور والت بالترويج لفكرة أن دعم "إسرائيل" ليس في صالح الولايات المتحدة، وجاء رد والت من خلال مقالته أكثر صراحة مما سبق أن ورد في الكتاب الذي شارك في تأليفه قبل أربع سنوات.

 

ومن أبرز النقاط التي اشتملت عليها المقالة ما يلي:

 

* ينبغي أن تعطي الولايات المتحدة "إسرائيل" خياراً: فإما إنهاء احتلالها على الأراضي الفلسطينية لتبقى حليفاً مقرباً من أميركا، وإما البقاء كقوة استعمارية معزولة.

 

* لقد حان الوقت لكي تعامل أميركا "إسرائيل" كدولة عادية مثل أي دولة أخرى، وليس كحالة خاصة.

 

وبصراحة أشد يقول البروفيسور والت، إن تزويد "إسرائيل" بالمساعدات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية الأميركية، بغض النظر عن ما تفعله، ليس في صالح أميركا استراتيجياً، لأنه يجعل الولايات المتحدة تبدو شريكاً متواطئاً في الاحتلال الإسرائيلي، كما يتسبب في تصاعد المشاعر المعادية لأميركا في البلدان العربية والإسلامية.

 

في ضوء هذا العرض، يبقى سؤال: هل يؤدي هذا التمرد السياسي إلى إحداث تغيير جوهري وجذري في سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع العربي الإسرائيلي؟

 

ربما، لكن ليس في المدى القريب. أجل، سوف تتصاعد حركة التمرد السياسي داخل الساحة الأميركية لتتخذ شكل ظاهرة على المدى البعيد، لكن طالما بقيت القيادات الفلسطينية والعربية على عجزها، فإن مؤسسة السلطة الأميركية لن ترى مبرراً لاستعجال تغيير ثوابتها.. فمتى يتحرك العرب؟

 

كاتب صحافي سوداني