خبر بين الجاهلية الأولى والجاهلية المعاصرة- بقلم محمد خالد

الساعة 12:08 م|09 ديسمبر 2010

بين الجاهلية الأولى والجاهلية المعاصرة- بقلم محمد خالد

بوركت الجاهلية الأولى في القرن الخامس، ملعونة الجاهلية المعاصرة في القرن العشرين .

بئس المقارنة التي تعيدنا 1500 سنة إلى الوراء لترينا كم انحدر بعض الإسلام السياسي إلى القاع، فالجاهلية الأولى ليست من الجهل أو الجهالة، فهذا الالتباس أبعد ما يكون عن الحقيقة . فالعروبة هي حاضنة الإسلام، والإسلام هو النتاج التاريخي الحضاري للعروبة .

وليس سراً أن العروبة قبل الإسلام هي عروبة مسيحية لأن الجزيرة العربية واليمن وبلاد الشام كانت تقطنها أغلبية مطلقة من القبائل العربية المسيحية، من هنا اقتبست الحضارة العربية اسمها الحقيقي: “الحضارة العربية الإسلامية” .

بعض المقارنة يشرح:

 

* الجاهلية الأولى:

زعيم قومه “قصي” هو الجد الأكبر للنبي محمد، كان صاحب مشروع سياسي كبير هو توحيد جميع القبائل العربية في كيان سياسي مركزي، وصاحب هكذا مشروع هو حداثي بامتياز وتقدمي بمقاييس ذلك الخلف، ولم تكن تلك نظرة شخصية من زعيم قبيلة، بل رؤية تستند إلى وحدة اللغة ووحدة التاريخ والجغرافيا والتجارة والتقاليد والأعراف التي تشكل القاعدة الصلبة لهذا المشروع الوحدوي، إلى أن جاء الحفيد -الثائر العظيم- محمد بن عبدالله فأتم تلك المسيرة .

 

* اللغة:

كانت اللغة العربية هي اللسان الجامع لسكان جزيرة العرب وبلاد الشام، وكان الشعر البليغ هو ديوان العرب قبل الإسلام وبعده، وكان العرب يتوجهون إلى مكة سنوياً في سوق عكاظ حيث تتوقف الحروب بين القبائل المتنافرة في أشهر الحج الحرم، وكانت تعلق القصائد الفذة على جدران مكة، وجميع أصحاب المعلقات العظام كانوا من القبائل المسيحية (امرؤ القيس، عمرو بن كلثوم، طرفة بن العبد، الأعشى الأكبر (أعشى قيس)، زهير بن أبي سلمى، النابغة الذبياني، عنترة بن شداد، وعروة بن الورد) .

- قسّ بن ساعدة أول من قال “أما بعد”، ويعرف جميع الخلافيين ودارسي الفقه والشريعة أنه صاحب المعادلة الخالدة “البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر” .

- عمرو بن كلثوم قيل عنه إنه صاحب أشهر بيت في الفخر:

“إذا بلغ الفطام لنا صبي

تخر له الجبابر ساجدينا”

- الشاعرة الخنساء رثت أخاها صخراً بشعر ذهبَ مثلاً:

وإن صخراً لتأتم الهداة به

كأنه علمٌ على رأسه نارُ

-عنترة بن شداد فارس بني عبس قال في العفة:

وأغض طرفي إن بَدَتْ لي جارتي

حتى يواري جارتي مأواها

 

* القبائل:

الأغلبية المطلقة في الجزيرة العربية والعراق واليمن وبلاد الشام كانت قبائل نصرانية، القبائل العربية اليهودية قلة كانت تسكن بجوار المدينة ومنطقة خيبر . . قلة من القبائل كانت تعبد الأوثان (اللات، العُزّى، وِدْ)، القبائل المسيحية هي (كندة، مذحج، طي، ربيعة، تغلب، قُضاعة، إياد، بني عدنان، بكر بن وائل، بنو شيبان، بنو ضُبيعة، قيس بن ثعلبة، بني ربيعة، تميم، مزينة، أسد، كنانة، عدوان، ذبيان، غني، هوازن، عبس، المناذرة،  الغساسنة) .

 

* التجارة:

لم تكن القبائل العربية بدواً رحلاً، بل سكنوا الحواضر والمدن التي بنوها واستقروا بها، وكانت التجارة مع بلاد الشام والعراق وفارس دائمة ومستمرة من دون انقطاع، ومن خلالها تعرفوا إلى حضارة الامبراطوريتين البيزنطية والفارسية، واحتكوا بهما تجارياً وأعرافاً وقوانين .

يقول الدكتور محمد شحرور: إن العرب في تجارتهم مع بلاد الشام شاهدوا العمران المتقدم والكبير للبيزنطيين الرومان من قلاع وحصون ومعابد وآثار، وعندما سألوا عمَّن بنى تلك الآثار العظيمة، قيل لهم: العبيد (السخرة)، فاستنكف العرب من تقليد ذلك لأن العربي يأنف العبودية في طبعه . . فابتعد عن اقتباسها وتقليدها .

 

* الأعراف:

الأعراف والتقاليد هي قوانين الصحراء ودستورها غير المكتوب مثال ذلك (الدية، القسامة، القصاص) .

رجل من بني هاشم استأجر رجلاً من قريش من فخذٍ آخر ثم قتله لاعتقاده أنه أهمل في أداء عمله، وظل الخبر سراً حتى وصل إلى علم أبي طالب عبدالمطلب وكان آنذاك زعيم بني هاشم، فتوجه إلى القاتل وقال له: اختر منا إحدى ثلاث:

- إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل (الدية) فإنك قتلت صاحبنا .

- وإن شئت حلف خمسين رجلاً من قومك أنك لم تقتله (القسامة) .

- وإن أبيت قتلناك به (القصاص) .

هذه قوانين عادلة ومبكرة جداً للقوانين المعاصرة .

 

مثل آخر: الاعتفار:

كانت إذا أصابت أحدهم مخمصة (مجاعة) جرى هو وعياله إلى موقع معروف فضربوا على أنفسهم خباءً حتى يموتوا جوعاً اتقاء لمعرة التسول ومد اليد إلى الغير وأنفة من طلب الإحسان من القريب أو البعيد .

جد الرسول صلى الله عليه وسلم أوقف هذه العادة بتكافل القبائل وذلك بأن أنشأ نوعاً من صندوق التكافل الاجتماعي لإنقاذ المعوزين البؤساء من الموت وحفاظاً على ذلك الكبرياء الإنساني النبيل .

هذا هو الحكم الصالح الذي قال عنه برناردشو: “الحكم الصالح . . رجال صالحون يؤمنون بالله ويخافونه ويؤمنون بالناس ولا يخافونهم” .

 

* الجاهلية المعاصرة الملعونة:

إنها جاهلية الجناح الأكثر تطرفاً في الإسلام المعاصر حيث نجح بامتياز بأن يضع العرب والمسلمين في جهة ومواجهة بقية العالم في جهة أخرى .

الجهالة الحقيقية المعاصرة هي البرنامج العالمي المعلن من قبل المتطرفين ضد المسيحية، وكان البعض يعلن حرب الإسلام ضد الإسلام، واستثارة حرب مذهبية يكفرون بها مسلمين، أي عقل كارثي هو هذا العقل الذي يدعي أنه يعمل باسم الإسلام؟

خليفة عباسي ظالم كان يتخوف من انتقال مرض الطاعون في بلد مجاور إلى خلافته، فقال له أحد القضاة الشجعان: “إن الله أرحم بعباده من أن يجمعك والطاعون في وقت واحد” .

من غضب الله على الجاهلية الملعونة أن الإسلام ابتلي حالياً بأن جمع الجهالة والطاعون في وقت واحد