خبر مع هذه الحكومة: مستحيلات التسوية أكبر من ممكناتها- أكرم عطا الله

الساعة 09:05 ص|28 نوفمبر 2010

 

مع هذه الحكومة: مستحيلات التسوية أكبر من ممكناتها- أكرم عطا الله

ثلاثة أسباب كان يجب قراءتها بعمق تمنع رئيس الوزراء الإسرائيلي حتى من إظهار تقدم شكلي في عملية التسوية، منذ اليوم الأول لتشكيل حكومته، وإن تلقت عملية التسوية دفعةً كبيرةً وإجماعاً دولياً بهذا القدر، لكن العامل الرئيسي الإسرائيلي هو اللاعب الأهم كما اتضح.

أول هذه الأسباب هو طبيعة التنشئة والثقافة التي اكتسبها نتنياهو منذ طفولته، فهو ابن المؤرخ اليميني بن تسيون نتنياهو وهو متأثر كثيراً بآراء والده التي يقول فيها "لا يوجد شعب اسمه الشعب الفلسطيني، هؤلاء الفلسطينيون ليسوا شعباً... إنهم وهم". فنتنياهو الأب ضد إقامة دولتين، وضد إعادة الجولان ويعتبر أن ابنه يسعى نحو أهداف كالتي لديه ولكن بطريقة مختلفة.

أما تأثير نتنياهو الكبير على نتنياهو الصغير فقد عبر عنه الأخير عام 2000 حين اعترض مع شارون عند الانسحاب من غزة قائلاً: لكوني ابن مؤرخ لا أريد أن يذكروني في حكومة الانسحاب، وقد عبّر نتنياهو الابن في كتابه "مكان بين الأمم" عن رؤية يمينة يبدو أنها جزء من نهج أيديولوجي مستمد من فكر الأب الذي كان صديقاً للأب الروحي لليمين الصهيوني زيئف جابوتنسكي صاحب فكرة الجدار الحديدي.

أما ثاني الأسباب فيتمثل بطبيعة الائتلاف الحكومي الذي أقدم على تركيبه من حكومة هي الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل ولم يكن مرغماً على هذا الائتلاف حين كانت لديه خيارات أخرى لو كانت لديه أدنى نوايا للتفاوض مع الفلسطينيين أو البحث في أفق التسوية لكان اختار التحالف مع حزب كاديما، ففي اللحظة التي اقترب من حزبي "إسرائيل بيتنا" و"شاس" كان على الجميع أن يعرف أن مستحيلات التسوية تتقدم كثيراً على ممكناتها.

وثالث هذه الأسباب هو التجربة الشخصية لرئيس الوزراء ورحلة السقوط زمن العودة من (واي ريفر) نهاية العام 98 والتي تحولت إلى عقدة شخصية أصبحت تحكم نمط سلوكه. فعندما وقع على اتفاق مع الفلسطينيين وخرج قليلاً عن يمينيته سقط كرئيس للوزراء. نتنياهو الذي تجاوز الشهر الماضي عامه الأول بعد الستين والذي يصغر وزير دفاعه بسبعة أعوام يعتبر أن لديه عقدين قادمين في العمل السياسي وأن الحظ فقط أعطاه فرصة أخرى للقيادة، فإن سقط هذه المرة فقد يطاح بمستقبله السياسي وللأبد، لذا فهو حريص على البقاء أكثر كثيراً من حرصه على الاستجابة للشروط الخارجية وعلاقاته مع ليبرمان وعوفاديا يوسف أهم كثير من علاقاته مع العالم بما فيه الولايات المتحدة.

لهذه الأسباب فقد تأخر كثيراً اليأس الأميركي الذي انتظر كل تلك الفترة والذي حاول طويلاً أن يفتح مساراً ولو شكلياً لمفاوضات بين الطرفين الفلسطيني الإسرائيلي، فالولايات المتحدة التي تقرأ كل شيء وكل الحكومات، ولديها مؤسسات للدراسات والتفكير تبدو الآن أمام مفاجأتها بانغلاق أفق المفاوضات وكأنها دولة من دول العالم الثالث.

فهل كان لحكومة بيضة قبانها عوفاديا يوسف وأفيغدور ليبرمان أن تكون حكومة تسوية؟؟ وهل يمكن لمن يدعو للفلسطينيين بالموت، وآخر يدعو لترحيلهم أن تكون لديهم رغبة بالتعايش مع جوار فلسطيني؟؟ وأن يوافقوا على إقامة دولة فلسطينية ؟؟ وهل يمكن لحكومة يعتبر أغلبية أعضائها أن الضفة الغربية جزء من "أرض إسرائيل" أن توافق على إقامة دولة فلسطينية في تلك الأراضي؟.

لقد ذهبت هذه الحكومة إلى مأسسة وشرعنة مستحيلات التسوية بحيث أصبحت جزءاً من منظومة القوانين في إسرائيل بعد قانون يهودية الدولة وقانون الاستفتاء على الانسحاب من القدس، أما الحدود فرئيس الوزراء كفيل بالتملص منها وبهذا فهي أسدلت الستار على آخر ما تبقى من أمل في تلك العملية التي بدأت منذ جيل.

من الغريب أن تعلن الولايات المتحدة يأسها بعد تملص اقترب من عامين، هما عمر حكومة نتنياهو، والأغرب من ذلك هو ردها والاتحاد الأوروبي على قانون الاستفتاء المخالف لكل الأعراف والقوانين الدولية ونواميس الطبيعة الذي يعطي الحق للشعوب التي تقوم باحتلال شعوب أخرى حق تقرير المصير بعكس ما تنص عليه الشرعية الدولية التي تمنح حق تقرير المصير للشعوب المقهورة.

رد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وهو أن هذا القانون الشاذ يعتبر مسألة إسرائيلية داخلية يخالف أيضاً ما صاغته المنظومة الدولية التي تتزعمها الولايات المتحدة ومعها أوروبا من قيم بعد الحرب العالمية الثانية، هذا الرد العاجز عن اتخاذ موقف ضد إسرائيل حتى حين تعتدي على الأعراف والقوانين بهذا الشكل يثير الكثير من التساؤلات حول الدور الذي تقوم به تلك الدول تجاه القضية الفلسطينية وما يصدر عنها من أحاديث عن السلم العالمي والعدالة وجديتها تجاه إرادتها النظرية بإقامة الدولة الفلسطينية، وقد يفسر هذا العجز وانكشاف الإرادة الدولية قدرة إسرائيل على التلاعب بالملف الفلسطيني واستنزاف كل هذا الزمن الطويل من الوقت لحل قضية وضعت المؤسسات الدولية أسسها منذ أكثر من أربعة عقود في قرارات مجلس الأمن 242، 383 ولا تحتمل تلك القرارات تفسيرات مختلفة خاصة أن المجلس اجتمع ليقرر بعد عدوان إسرائيل واحتلالها لأراض لم تكن خاضعة لها قبل ذلك العدوان.

في كل مرة تتمادى إسرائيل وتعلن عن إمعانها بالتنكيل بالحقوق الفلسطينية يثار السؤال الدائم حول الدور العربي الباهت الذي لم يسجل تأثيراً يذكر على المجريات الدولية الخاصة بالعدوان الإسرائيلي الدائم على الأراضي العربية الفلسطينية والسورية واللبنانية وتحديدا بالقتل اليومي والمصادرة اليومية للأراضي في الضفة الغربية والقدس التي تعتبر العاصمة الروحية للعرب والمسلمين، فالقوة الإسرائيلية في خط بياني صاعد متعاكس مع القوة العربية والموقف العربي الآخذ بالضعف أكثر.

في التاسع من تشرين الأول قررت الجامعة العربية إعطاء الولايات المتحدة مهلة شهر تتلقى خلالها ردا من إسرائيل حول وقف الاستيطان، كانت تلك المهلة لتجاوز الولايات المتحدة انتخابات الكونغرس النصفية التي انتهت وانتهت بعدها تلك المهلة دون موقف عربي يشجع ليس فقط إسرائيل، بل واشنطن التي لا تعتبر أن خذلان العرب سبب لأزمة ما وبالتالي يعطي لإسرائيل الضوء الأخضر لاستمرار التعنت والتلاعب ويشجعها على افتعال مزيد من الأزمات والحروب كما يبدو في الأسابيع الأخيرة ودفع المنطقة لمزيد من التدهور... فعلى العالم أن يدفع الآن ثمن عجزه...!!