خبر الاستيطـان مستمـر والتفـاوض مستمـر ..إلياس سحاب

الساعة 07:40 ص|26 نوفمبر 2010

من يستمع الى تصريحات رئيس الفريق الفلسطيني في المفاوضات المباشرة مع اسرائيل، الدكتور صائب عريقات، والثقة المطلقة التي تطبع تصريحاته السياسية، سواء ألقاها بنبرة هادئة منخفضة، او بنبرة عالية صاخبة، يدخل في حالة من الشعور بالثقـــة، وكأن امور المفاوضات المباشرة تسير على غاية ما يرام، وكأن الطــــرف الفلسطيني في المفاوضات هو الطرف الأقوى الذي يمتلك عدداً لا يستهان به من اوراق القوة التي يفاوض بها، ورقة في إثر ورقة.

غير ان حالة الثقـــة هذه ما تلبث ان تتبدد وتستحيل وهماً موقتاً، ما ان يقارن المستمع بين تصريــــحات الدكتــور عريقات من جهة، وبين الحصيلة الفعلية للمفاوضات في ميدان الاراضي الفلسطينية المحتلة من جهة ثانية.

على لسان الدكتور عريقات منذ بداية المفاوضات، لازمة سياسية تشــعرك لشدة تركيزها وتماسكــها وكأنها تهـــديد مرفوع في وجه المفاوض الاسرائيلي، بل حتـــى في وجه الراعي الاميركي، مفاد هــذه العبارة: «اما الاستيطان، او السلام، لا تستطيع اسرائيل الاحتفاظ بالاثنين معاً».

لكن ما ان يخرج المستمع من أثر المخدر الموقت الذي تمنحه هذه العبارة الواثقة المتماسكة، ويلقي نظرة فاحصة على حقيقة ما يجري داخل اسرائيل، وداخل اراضي 1967، وعلى الصعيد السياسي للعلاقات الاستراتيجية العميقة القائمة بين الولايات المتحدة واسرائيل، ما يلبث ان تطالعه صورة المزيد من الضعف الاميركي تجاه اسرائيل من جهة (مزيد من الدلال والتسليح الحديث والضمانات الامنية، ورفض استخدام اي وسيلة ضغط مما تملكه واشنطن فعلا في مواجهة اسرائيل)، ومزيد من الصلف الاسرائيلي، ليس في وجه اميركا وحدها، بل في وجه المجتمع الدولي بأسره، حيث تزداد التحولات داخل المجتمع الاسرائيلي، نحو مزيد من التطرف الذي لم يعد يقبل حتى بدولة فلسطينية ولو وهمية، ولو على مجرد عشرة في المئة من مساحة فلسطين التاريخية، ولم يعد يقبل ببقاء المليون ونصف مليون عربي داخل الاراضي التي احتلت عام 1948، بل يدعو علانية الى سن القوانين التي تؤدي الى التخــلص منهــم، والاســتيلاء على كامل ارض فلسطين التاريخية، والعودة الى مشروع تحويل كل فلسطيني في العالم الى الاردن، ككيان بديل.

عند هذه الوقائع والمشاهد السياسية، يصحو المراقب من نشوته العابرة بعبارات الدكتور صائب عريقات ويتساءل: من قال للدكتور صائب اصلا ان اسرائيل تريد السلام (مع الاستيطان).

في حديث صريح للصحافيين الفرنسيين اليهودييــن آلان غريش واريك رولو، على إحــدى الفــضائيات العربية قبــل اشهر، كلام هادئ عن عدم رغبة المجتمع الاسرائيلي بالسلام، لأنهم يشعرون ان السلام في النهاية يؤذي دولة اسرائيل.

اسرائيل تثبت في كل يوم، عبر ادارتها السياسية، وعبر احزابها ومؤسساتها الاجتماعية المدنية، انها لا تريد السلام (مع الاستيطان او دونه)، انها تريد المفاوضات، واستمرار المفاوضات بالدوران في حلقة مفرغة، لتشكل خير ستار يحجب الوتيرة المتسارعة والمتواصلة للاستيطان في القدس، كما في سائر ارجاء الضفة الغربية.

والحقيقة ان مثل هذا المعنى كان يرد احياناً على لسان الدكتور عريقات، كما على لسان الرئيس محمود عباس، فيلمح كل منهما الى ان الدخول في التفاوض مستحيل مع عدم وقف الاستيطان. لكن الذي حدث واقعياً ان الطرف الفلسطيني دخل المفاوضات قسرا في ظل استمرار الاستيطان. وتحول الى تهديد من نوع آخر: لا استمرار في المفاوضات مع استمرار الاستيطان.

ولكن ما ان يهدأ صخب التهديدات، حتى نرى على ارض الواقع، ان الاستيطان مستمر، والمفاوضات مستمرة، وصوت الدكتور عريقات مستمر في التهديد باستحالة الجمع بين الاثنين!