خبر إسرائيل عاجزة عن تدمير النووي الإيراني.. زهير أندراوس

الساعة 12:34 م|22 نوفمبر 2010

إسرائيل عاجزة عن تدمير النووي الإيراني.. زهير أندراوس

في مقال نُشر يوم الـ17 من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري في صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية قالت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية ، وروبرت غيتس، وزير الدفاع، في إدارة الرئيس، باراك أوباما، إنّ التوقيع على اتفاقية ستارت الجديدة مع روسيا لن تحد من قدرات الولايات المتحدة على تطوير ونشر أكثر الصواريخ الدفاعية فاعلية لحماية القوات والأراضي الأمريكية، وتعزيز أمن الحلفاء والشركاء. وهذه الإدارة ملتزمة بدعم وتطوير القدرات الدفاعية للصواريخ الأمريكية، واقترحت إنفاق ما يقرب من 10 مليارات دولار لهذا الغرض في ميزانية عام 2011. وأضافا أنّ الاتفاقية لن تحد من قدرة واشنطن على تحديث قواتها النووية، بل على العكس، ستواصل الحفاظ على رادع نووي قوي قائم على نظام التسليم الثلاثي: الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من على متن الغواصات، والقنابل الثقيلة للأسلحة النووية، ولدعم وتحديث هذه الأسلحة اقترحت الإدارة إنفاق 100 مليار دولار خلال العقد الماضي. كما أكدا على أنّ الاتفاقية ستسمح لأمريكا بالقيام بالاستثمارات التي تحتاجها لصيانة وتأمين مخزون نووي فاعل، وقد اقترحت الإدارة الحالية إنفاق 7 مليارات دولار لهذا الغرض في ميزانية العام الحالي، وأكثر من 80 مليار دولار على تحديث مجمع الأسلحة النووية خلال العقد القادم، وبحسبها فقد اقترحت الإدارة الحالية إنفاق أكثر من 180 مليار دولار على البنية التحتية التي تدعم الأسلحة النووية الأمريكية ووسائل صيانته، كما كشفا النقاب عن أنّ اتفاقية (ستارت 3) الجديدة لن تحد من القدرة على تطوير أو نشر أكثر القدرات التقليدية الممكنة فعالية، ومن بينها نظام الانقضاض القادر على ضرب هدف في أي مكان على سطح الأرض في أقل من ساعة.

الأرقام مذهلة، النوايا خطيرة والأهداف مُدمّرة، والمبالغ التي تخصصها الإدارة الحاليّة لتطوير أسلحة الدمار الشامل تعكس وجهة النظر الأمنية في واشنطن والتي تعتمد على القوة المفرطة لفرض الأجندة السياسية التي تتماشى مع مصالحها في جميع أصقاع العالم، وقبل سبر أغوار هذا التطور، لا بدّ من التوقف حول تعريف التوازن النووي. فما إن اخترعت أمريكا القنبلة الذرية، واستخدمتها عام 1945، حتى لحق الاتحاد السوفييتي بها في عام 1949. ثم تتابع تطوير السلاح النووي وتراكمه واختراع وسائل نقله وإطلاقه مثل الصواريخ وغيرها لدى هاتين الدولتين وغيرهما من القوى العظمى، حتى اشتد التنافس بين النظامين العالميين: الرأسمالي والشيوعي. أحدث السلاح النووي شعوراً بالرعب لدى مختلف شعوب العالم، وأجمع معظم الاستراتيجيين ورجال السياسة في العالم على أن استخدام السلاح النووي سيكون كارثة عالمية شاملة، فهو في منزلة الانتحار المتبادل، ولن يكون هناك غالب ومغلوب، وإنما دمار شامل وقتل غير محدود للإنسان والحضارةK من هنا نشأ رعب متبادل، اصطلح على تسميته توازن الرعب النووي

ومن العام إلى الخاص، ومن النظري إلى العملي: لا حاجة للتذكير بأنّ الولايات المتحدة تدعم إسرائيل بشكلٍ مطلقٍ وتزودها بأحدث الأسلحة وأكثرها تطورًا لضمان تفوقها عسكريًا في منطقة الشرق الأوسط، والقنابل الذكية التي ستحصل عليها تل أبيب قريبًا من حليفتها أمريكا وطائرات F 35 (الشبح)، التي يستعملها الجيش الأمريكي فقط، هي أكبر مثال على أنّ ما يُسمى بالخلافات الأمريكية الإسرائيلية حول ما اصطلح على تسميتها بالعملية السلمية بين تل أبيب والسلطة الفلسطينية في رام الله المحتلة، ما هي إلا مسرحية هزلية معدّة للاستهلاك المحلي في أحسن الأحوال، ويمكن اعتبارها خلافات تكتيكية بين حليفين إستراتيجيين، يمكن حلها بعد ابتزاز الطرف الضعيف، أيْ الفلسطينيين، والسؤال الأخطر الذي يجب طرحه في هذه العجالة: أمريكا ستقوم بمنح إسرائيل 20 طائرة من طراز F 35 كهدية مقابل موافقة الأخيرة على تجميد النشاط الاستيطاني الجزئي في الضفة الغربيّة المحتلة لمدة تسعين يومًا، وبالتالي في حال موافقة تل أبيب على إقامة دويلة الباستونات الفلسطينية، المنزوعة من الأسلحة في الضفة الغربيّة المحتلة، فماذا ستكون الهدية التي ستُقدّمها أمريكا لإسرائيل لقاء هذا 'التنازل التاريخي'؟

كما ذكرنا أنفًا فإنّ أمريكا تخصص 180 مليار دولار لتطوير أسلحتها النووية، ولا نعرف ما هو نصيب إسرائيل من هذا المبلغ، في ما رصدت ربيبتها، الدولة العبرية، في ميزانيتها للسنة القادمة، والمسماة إسرائيليًا بسنة الحسم، مبلغ 18 مليار دولار للمؤسسة العسكرية (الجيش ووزارة الأمن)، وهذا المبلغ بالمناسبة يعادل ثلاثة أضعاف ميزانية الأردن وضعفي ميزانية لبنان، وبحسب المصادر الأجنبية فإنّ دولة الاحتلال هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تملك الأسلحة غير التقليدية، ووفق المصادر عينها فإنّ ترسانة إسرائيل النووية تصل إلى 300 رأس نووي، وهنا يطفو على السطح التصريح الذي كان أطلقه وزير الأمن الإسرائيلي، إيهود باراك، والذي وُجّه لصنًاع القرار في طهران: إذا تجرأت إيران على توجيه ضربةٍ عسكريةٍ للدولة العبرية، قال باراك، فإننّا سنرد بقوة وسنُعيد هذه الدولة آلاف السنين إلى الوراء، ولن يبقى فيها، أيْ في إيران، من يحصي عدد القتلى والجرحى. ونحن نميل إلى الترجيح بأنّ الدولة العبرية تملك جميع عناصر القوة: الدعم الأمريكي غير المحدود، التكنولوجيا المتطورة في إسرائيل، والترسانة النووية التي تملكها، هذه العناصر مجتمعة وكلٌ على حدة كفيلة بضمان توازن الرعب، ولكن الخطر يكمن في أنْ تُقدم تل أبيب على مغامرةٍ عسكرية لتدمير البرنامج النووي الإيراني، مع أنّ البروفيسور إفراييم أسكولاي، الذي شغل على مدار أربعين عامًا منصب رئيس لجنة الطاقة النووية الإسرائيلية، أكد في دراسةٍ جديدةٍ نشرها مؤخرًا مركز دراسات الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، على أنّ إسرائيل غير قادرة لوحدها على تدمير البرنامج النووي الإيراني، مضافًا إلى ذلك يجب أنْ نأخذ على محمل الجد عاملين مهمين للغاية: الأول، أنّه في الحرب النووية لن يكون لا غالب ولا مغلوب، والعامل الثاني، هو أنّ العمق الإسرائيلي بات مهددًا، باعتراف تل أبيب، من الصواريخ الإيرانية والسورية وصواريخ حزب الله، التي تصل إلى مفاعل ديمونا، وصواريخ حماس، القادرة على شل منطقة غوش دان، مركز عصب الدولة العبرية. وللتدليل فقط على ضعف الجبهة الداخلية في إسرائيل نُذّكر بأنّه قبل عدّة أسابيع تطرقت القناة الأولى الإسرائيلية، للتهديدات المحدقة بمنطقة حيفا، بسبب تواجد عددٍ كبيرٍ من المصانع الكيماوية، حيث قال رئيس بلدية حيفا، إنّ تعرض منطقة حيفا لصواريخ العدو ستجلب كارثة وفق كل المقاييس والمعايير، وبالتالي نأمل أنْ تكون رسالته، غير القابلة للتأويل، بمثابة رادعٍ لحكام تل أبيب، لأنّ على هذه الأرض ما يستحق الحياة.

 

' كاتب فلسطيني من أسرة 'القدس العربي'