خبر لتعترف القيادة الفلسطينية: لا سلام حاليا إلا بالاستسلام..مشير الفرا

الساعة 04:24 م|13 نوفمبر 2010

لتعترف القيادة الفلسطينية: لا سلام حاليا إلا بالاستسلام..مشير الفرا

 شهر العسل الإسرائيلي في الغرب يظهر علامات أولية جدية لإشرافه على الانتهاء، (المشوار لا زال طويلاً جداً). وهذا التغيير التدريجي البطيء جداً يجب أن يقابل بخطوات فلسطينية تستغله في اتجاه تحقيق المكاسب على المدى البعيد، عشرات السنين وليس بضعها، فصراعنا مع المشروع الصهيوني لن يحل على المدى القصير وكل من لا يؤمن بهذا فهو بلا شك حالم.

جاء إلغاء إسرائيل لمحادثات التعاون الإستراتيجي والعسكري مع بريطانيا، خلال زيارة وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ الأسبوع الماضي، ليعكس مدى الإنزعاج والخطر، نعم الخطر، الذي تحس به الحكومة الإسرائيلية تجاه التصاعد التدريجي البطيء والواضح للحملات المناهضة لإسرائيل في أوروبا والعالم، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية. فالضغوط على أشدها لمطاردة مجرمي الحرب الإسرائيليين، رغم محاولات الحكومات الغربية وبالتحديد البريطانية إصدار قانون يمنع المدنيين من تقديم اتهامات بجرائم الحرب لمسؤولين اسرائيليين أمام المحاكم البريطانية، فها هو نائب رئيس الوزراء عضو هيئة السباعية الوزارية دان مريدور، يلغي سفره إلى بريطانيا خوفا من اعتقاله هناك، وكان مقررا أن يصل مريدور إلى لندن لإلقاء الخطاب المركزي في اجتماع تنظمه منظمة 'بايكوم' المؤيدة لإسرائيل الأسبوع الماضي، لكن معلومات وصلت إلى وزارتي الخارجية والعدل في إسرائيل أفادت بأن جهات في بريطانيا تعمل على استصدار أمر اعتقال ضد الوزير الإسرائيلي فور نزوله من الطائرة. كذلك الأمر مع رئيس الشاباك ووزير الأمن الداخلي السابق آفي ديختر، الذي ألغى زيارة لاسبانيا وبريطانيا للسبب نفسه. وقبلهما بعام تعرضت تسيبي ليفني وايهود باراك لنفس الموقف، كذلك قائد السلاح الجوي الإسرائيلي السابق دان الموج. وما زال الناشطون في كل مكان في اوروبا يتبعون كل تحركات مجرمي الحرب الإسرائيليين.

هذا إضافة إلى حملة المقاطعة الاقتصادية التي اكتسبت زخماً كبيراً خلال العامين الماضيين ولا زالت. ففي مختلف المدن الاوروبية يحتل الداعون للمقاطعة أسبوعياً، لمدد قصيرة حتى وصول قوات الشرطة، المحال التجارية التي تبيع المنتجات الإسرائيلية، وجاءت الأخبار المشجعة منذ اسبوعين من فرنسا بتبرئة ناشطين احتلوا اكبر سوبر ماركت فرنسي 'كاريفور'.

ولكي يزداد الإزعاج برزت وبشكل واضح حملة المقاطعة الثقافية والفنية لإسرائيل. الزخم الأبرز لهذه الحملة جاء خلال الأسبوع الماضي، حين ناشد البطريرك الجنوب أفريقي والمناضل الشهير ضد العنصرية ديزموند توتو فرقة أوبرا 'كاب تاون' الا تذهب للغناء في إسرائيل. قبلها ألغى المغني البريطاني الشهير ألفيس كوستلو جولة غنائية في إسرائيل وتبعة عازف الجيتار الشهير كارلوس سانتانا. ولاتزال الضغوط الشعبية تتواصل على العديد من الفنانين والمشاهير لإلغاء جولات مشابهة في إسرائيل. الوفود الفنية والإسرائيلية تواجه في كل مكان من قبل المحتجين على سياسات إسرائيل. وما قصة رفيقنا الإسكتلندي ميك نابير ورفاقه الأربعة إلا مثالاً حيا لشهر العسل الإسرائيلي المشرف على الانتهاء في أوروبا. الاسكتلنديون الخمسة حضروا عرضاً لفرقة القدس الموسيقية الرباعية الإسرائيلية 'Jerusalem Quartet'، التي تتكون من

جنود اسرائيليين سابقين وشعارهم 'يد تحمل الجيتار وأخرى تحمل البندقية' وقاموا

بمقاطعة عرض الفرقة هاتفين ضد الاحتلال وجرائم الحرب الإسرائيلية، ولفك الحصار عن قطاع غزة. الشرطة اعتقلتهم وقدموا للمحكمة بتهمة إثارة النعرات العنصرية ضد اليهود، رغم أن كلمة يهودي لم ترد في أي من هتافاتهم. في نهاية القضية رفض القاضي كل التهم وقام بتبرئة الخمسة والسخرية من القضية برمتها. أما المفاجأة الكبيرة فجاءت من المخرج البريطاني الشهير اليهودي الأصلMike Leigh الذي أعلن أنه لن يزور إسرائيل مرة أخرى احتجاجاً على عدوانها وسياستها العنصرية وقال بأن هذا يؤلمه لأنه لن يستطيع زيارة عمته التي تبلغ الرابعة والتسعين عاماً.

قبلها برأت المحاكم البريطانية الستة المتهمين بتدمير مصنع شركة 'EDO' التي تزود الجيش الإسرائيلي بقطع غيار الطائرات بدون طيار، والـ 'اف 15' والـ'اف 16' في مدينة برايتون. وكانت حجة الدفاع أن المتهمين كانو يحاولون منع جرائم حرب وقبل القاضي هذه الحجة.

المهم هنا ليس سرد الوقائع وهي أكثر بكثير مما ذكرت، ولكن أخذ العبرة منها. فهذه الأحداث، ومن تجربة شخصية عملية، كانت أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع خلال العقود الماضية وحتى بداية العقد الأول من القرن الحالي، واستطيع الجزم بأن التغيير في اتجاه دعم الشعب الفلسطيني في اوروبا سيستمر في التصاعد، إن عرفنا كيف نتعامل مع المعطيات الجديدة على الأرض.

تزداد الصورة وضوحاً، لا أمل للفلسطينيين في تحقيق الحد الأدنى من حقوقهم التاريخية والشرعية من خلال المفاوضات الحالية. ومع هذا تستمر القيادة الفلسطينية في الرهان على هذه المفاوضات مهملة العوامل المهمة التي يشهدها العالم والتي يتحتم علينا كفلسطينيين أن نأخذها في الحسبان كبداية لحقبة جديدة من الكفاح.

هذه التغيرات في واد والقيادة الفلسطينية في واد آخر. ويخرج علينا كتاب السلطة يومياً بحديثهم المستمر عن صلابة موقف القيادة في المفاوضات. ويظنون أنهم يخمدون الأصوات المعارضة بحديثهم عن البديل دائماً، أين البديل وكأنه لا يوجد بديل، كان عليها أن تترك منذ عقود طويلة، كونها اوصلت الشعب إلى الوضع المأساوي الذي نعيشه على جمع المستويات، ولم يعد لديها أي زخم أو تأييد شعبي سوى سيطرتها على دفتر الشيكات، والصورة واضحة في كل أماكن وجود الشعب الفلسطيني، والسبب هو التناقض الواضح بين خطاب القيادة الذي ما زال يدعي التمسك بما كانت تدعو إليه 'منظمة التحرير الفلسطينية' من مقاومة المشروع الصهيوني التوسعي الاستعلائي مدعوماً من الإداره الأمريكية بكل ما تمثل من انتهازية ووحشية سياسية واقتصادية (إمبريالية) وبين ما تمارسه القيادة الفلسطينية على الأرض. والتفاصيل الكثيرة، كالتنسيق الأمني، المشاريع الاقتصادية المشتركة إلخ، ولن نتحدث عنها كثيراً فقد أشبعها الكثير من الكتاب الذكر والنقد. ليس من حق القيادة الاستمرار في خداع الشعب. قد تتفهم قطاعات معينة من الشعب الفلسطيني موقف القيادة لو أنها أعلنت مشروعها بوضوح، وهو الخروج على برنامج 'منظمة التحرير الفلسطينية' وتشكيل حزب جديد يعلن هذا الخروج ويدعو إلى حل يأخذ في الحسبان الواقعية السياسية التي تدعو القيادة لها والتي ستحول الفلسطينيين إلى جزء من المشروع الأمريكي للمنطقة. أما الاستمرار في ممارسة الكيل بمكيالين، فهذا هو الخداع بعينه. هذا يجب أن يعلن للشعب عندها سنتفهم استمرار وجود القيادة الحالية كحزب وليس قيادة وهذا حق أي فلسطيني مهما كان خطة السياسي

ما هو البديل إذاً؟

في ظل الإقرار الأكيد بأنه لن يكون هناك سلام من دون الاستسلام للفكر الصهيوني العنصري التوسعي الإقصائي، وهذه كلها أوصاف حقيقية وليست شعارات، وتأكيد أمريكا المستمر على أهمية أمن إسرائيل، إضافةً لموقف الأنظمة العربية الذي يمكن وصفه تأدباً باللامبالي وبوقاحة بالمتواطئ. ومع الاعتراف بان أي إنجاز في المفاوضات، وبأقصى قدر ممكن من الصلابة، سيكون انتصارا للفكر والمشروع الصهيوني مقابل حياه أكثر راحة للفلسطينيين بعيداً عن أحلام الاستقلال والعودة، تماماً كما خطط لمشروع 'أوسلو' سيئ السمعة. البديل هو ما تفرضه علينا الوقائع الجديدة التي ذكرناها والتي تمثل فرصة تاريخية لنا للخروج من عنق الزجاجة الذي نمر به.

بداية تترك القيادة الفلسطينية الحالية موقعها، وهنا أعني الصف الأول والثاني من القيادة. ثانياً: تقوم مؤسسات منظمة التحرير بانتخاب قيادة جديدة تماماً، خالية من كل من تعامل مع القضية الفلسطينية وكأنها استثمار مالي، وما أكثرهم حول العالم، تعلن هذه القيادة إنهاء المفاوضات رسمياً والانسحاب من كل الاتفاقيات التي ثبت فشلها وتعلن إنهاء عمل السلطة الوطنية ودعوة الأمم المتحدة للتدخل. بالطبع سيتبع هذا إعادة احتلال إسرائيل للمناطق التي انسحبت منها (صورياً). تجعل من الكفاح أسلوب حياة نتنفسه، ننامه، نقومه، نشربه، نأكله، نتمتع ونفتخر به وفوق هذا كله لا نتركه حتى نحقق الأهداف التي استفتي الشعب عليها.

ثالثاً: يستفتى الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات على الأهداف التي نطمح إليها،

دولة داخل حدود 1967 مع ضمان حل لقضية اللاجئين يكون لهم القول الفصل فيه، دولة ديمقراطيــــة واحدة لنا وللغزاة ضمن تنازل تاريخي قد لا يكون هناك مفر منه، أم دولة فلسطينية على كامل التراب بعد تحريره.

رابعاً: يتزامن هذا مع إعلان واضح وبكل صراحة وبعيداً عن المهاترات بتجميد (وليس إنهاء) الكفاح المسلح بل يظل ضمن الخيارات التي نعتبرها 'درة تاج' المقاومة ولكن لا يمارس مرحلياً. هذا في ظل انعدام العمق الجغرافي لأي مقاومة مسلحة في ظل وجود نظامين جواريين يشكلان جزءا أساسياً من منظومة المصالح الأمريكية في المنطقة، مما يجعل إمكانية النصر العسكري تكاد تكون شبه مستحيلة في الوقت الحالي.

خامساً: تعلن القيادة الجديدة بدء مرحلة جديدة من المقاومة الشعبية في كل مناحي حياة الشعب الفلسطيني: عصيان مدني، مقاطعة اقتصادية، فنية، رياضية، ثقافية وسياحية لكل ما هو إسرائيلي، مواجهات شعبية مستمرة ضد كل محاولات الهيمنة والاحتلال (على شاكلة ما يحدث الآن في بلعين وغيرها ولكن بحجم أضخم بكثير)، إعلام قوي يخدم هذه المقاومة، إعادة إحياء الفكر الرافض لكل ما هو صهيوني وامبريالي، خلق ثقافة فلسطينية جديدة ستستمر المعاناة، سيسقط منا الكثير، سيطول الطريق ولكن بوصلتنا ستكون واضحة ووحدتنا ستضمن استمرارية كفاحنا سيكون هذا أقوى سلاح لدينا وأقوى كلماتنا ستعود 'لا الحقوق ثبت أنها تضيع بوعود السلام الكاذبة، والإنسان الفلسطيني وهو الأهم في هذه المعادلة، وبعيداً عن دفن الرأس في الرمال، بدأنا في خسارته تدريجياً، والحل يجب أن يكون على مستوى ضخامة المأساة التي نمر بها.

 

' كاتب وناشط سياسي من فلسطين