خبر لو انتصر جالوت..هآرتس

الساعة 04:55 م|10 نوفمبر 2010

بقلم: الوف بن

في النقاش الذي لا ينقطع عن صورة اسرائيل المشكلة في وسائل الاعلام الدولية، يُكرر زعم أن اسرائيل صورت ذات مرة على أنها داود والعرب على انهم جالوت، وانقلبت الامور في السنين الاخيرة رأسا على عقب فالفلسطينيون يُصورون انهم شعب صغير شجاع يحارب عن حريته بالحجارة والقنابل البدائية الجبّار الاسرائيلي، المسلح بسلاح ذري وبطائرات اف 16.

        إن الرأي العام في الغرب الذي رُبي أجيالا على القصة من الكتاب المقدس، سيؤيد على نحو غريزي بطلا حسن الصورة، يهزم الجبّار صاحب الدرع والقاسي. والسبب مفهوم: إذ عندما قتل الفتى الراعي الاسرائيلي من بيت لحم المحارب الفلسطيني من غات، لم يحظ بالتكريم، وبالزواج بابنة الملك ووراثة التاج في المستقبل فحسب بل بالمنافسة في "تلذيع الوعي". يكتب المنتصرون التاريخ، وثبتت رواية داود على أنها الرواية الصحيحة.

        لكن لنفترض أن جالوت انتصر، وأن الفلسطينيين أورثوا الأجيال التالية القصة. كانت ستُقرأ على هذا النحو تقريبا: شعب متطور أحدث أبناؤه العلوم والثقافة الغربية، التي جاءت في سفن من اوروبا الى شواطيء ارض اسرائيل، وانشأوا مدننا في الساحل وبمساعدة تقنية عسكرية متفوقة حاول أن يُخضع أناس الجبل البدائيين. وامتدت الحرب عدة أجيال الى أن تلاشى الجبليون وسيطرت مملكة الساحل على البلاد كلها.

        أيُسمع ناشزا؟ هذا بالضبط هو الشأن: فليست الحقائق تقرر الوعي بل شكل عرضها، وتأطير القصة. اذا كانوا علّمونا أن الفلسطينيين كانوا غُرْلا (غير مختونين)، وأشرارا وخاسرين، فسننظر اليهم باشمئزاز ولن نصغي اليهم حتى لو ذكّرت أجزاء في قصتهم بروايتنا.

        لم تتغير الحرب على الوعي كثيرا منذ ايام الكتاب المقدس. إن وسائل الاعلام الاجنبية التي ترسل التقارير من هنا جاءت لاستعراض الصراع، ولا تهتم باسرائيل بصفتها كيانا مستقلا. وهي ترى أن اسرائيل جزء من قصة عن الحرب والسلام، وليست دولة هاي تيك غربية متقدمة كما توصف في وسائل الاعلام الاسرائيلية. يميل تأطير القصة الى غير مصلحتها لان من يُسوّي اسرائيل بجالوت والفلسطينيين بداود يأمل في الخفاء انتصار الراعي على المحارب. إن المحاولة الاسرائيلية للاقناع بأننا نشبه الغرب، تبدو تقريبا مثل محاولة فلسطينية قديمة للقول ان شوارع عسقلان القديمة التي افتخر بها جالوت تشبه أثينا الأكثر تقدما وليبرالية من حقول بيت لحم التي رعى فيها داود.

        إن الذرائع العادية لمشكلات اسرائيل في الدعاية سخيفة وتنحصر في الحماقات: فالساسة يتحدثون لغة انجليزية معوجة، ومُتحدث الجيش الاسرائيلي يؤخر الصور، والفلسطينيون كاذبون وغولدستون وغد. لكن حتى لو كان افيغدور ليبرمان فصيحا مثل آبا ايبان فما كان ذلك ليُساعد الصورة الاسرائيلية. تكمن المشكلة في التأطير حيث تُرى اسرائيل محتلة ومستوطنة شريرة والفلسطينيون محاربين من اجل الحرية بررة. يُعرض الاحتلال في افغانستان في الغرب على أنه حرب دفاعية عادلة للأشرار من القاعدة، ولهذا يُرى قتل المدنيين في تورا بورا شرّا ضروريا. وتوصف عملية "الرصاص المصبوب" بأنها انقضاض لا رحمة فيه على سكان أبرياء، ولهذا فان قتل المدنيين في غزة يُندَّد به على انه جريمة حرب. والزعم الاسرائيلي ان العملية كانت ترمي الى وقف اطلاق الصواريخ، وأن الحديث عن دفاع عن النفس، يُقنع الرأي العام في الغرب مثل قصة جالوت المخزونة تقريبا.

        لا يعني هذا ان اسرائيل عادلة دائما لكن يصعب عليها أن تقنع بعدالة نهجها. لكنه في الظروف الحالية، تأطير القصة أقوى من الدعاية الاسرائيلية. ولن يُغير ذلك ألف شكوى تُقدم لـ "بي.بي.سي" و "سي.ان.ان" عن اخطاء في الاستطلاع. وستزيد العداوة لاسرائيل ومُتحدثيها، في الأكثر.

        ماذا نفعل؟ الاستنتاج المطلوب هو أننا اذا أردنا أن نبدو في صورة جيدة في الغرب، فانه يجب أن نلائم السلوك للمعايير المعمول بها هناك وأن ندرك أن الحصار والاغتيالات والاستيطان ستظهر على نحو سيء. لكن يمكن تخيل نهاية اخرى ايضا لقصة الكتاب المقدس: يأتي ملك مصر عيمق هألا عشية المعركة الحاسمة، ويجمع طالوت ملك اسرائيل ونُقباء الفلسطينيين الخمسة في مؤتمر سلام، ويتفق معهم على خطة لتقاسم البلاد بين مملكتي الساحل والجبل. وكانت هذه النهاية توفر الكثير من الدماء والقتل، لكنها تبدو أقل بطولة وإثارة من القصة التي نشأنا عليها. وقد تكون لذلك أقل شعبية من أمل أن ننتصر وأن نكون على حق.