خبر « بلفور ».. كأسك من دم!!.. علاء كنعان

الساعة 07:12 ص|03 نوفمبر 2010

"بلفور".. كأسك من دم!!

بقلم/ علاء كنعان

ثلاثة وتسعون عاما ً تمر على تبادل وطننا بين أعدائنا كهدية فيما بينهم، ثلاثة وتسعون عاما ً وفلسطين تتمزق بين أعداء الله والتاريخ، آنذاك بريطانيا أرادت أن تجامل اليهود الصهاينة بمنحهم هذا الوطن ، ومنذ ذاك اليوم والفلسطينيين يعيشون آهات هذا الوعد المشؤوم، كان مؤامرة على الأرض المقدسة.

الأرض المباركة بكتاب الله، الأرض التي مثلت آية من كتابه ، "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ".  وكان لهذه الأرض أن تدنس من الصهاينة بيوم السابع عشر من المحرم لسنة 1336هـ الموافق الثاني من نوفمبر لعام 1917م .

وكان هذا الوعد بسبب القيمة الإستراتيجية التي تمتع بها فلسطين من موقعا ً جغرافيا ً يمكن من خلالها العبور إلى آسيا وكان هذا واضحا ً في حديث هيرتزل  عن دور الدولة اليهودية " سنكون بالنسبة إلى أوروبا ، جزءا ً من حائط يحميها من آسيا، وسنكون بمثابة حارس يقف ضد البربرية".

وكان الوعد عبارة عن مكافأة لشخص يهودي روسي صهيوني يدعى حاييم بن عيزر وايزمان "1874ـ1952 " والذي كان يعمل أستاذا للكيمياء العضوية في جامعة مانشستر بانجلترا، وكان هذا الوعد تقديرا ً لعبقريته في اختراع صناعة سائل الاستيون من دقيق الذرة، وهو الأمر الذي ساعد بريطانيا الدولة العظمى في الحرب العالمية الأولى، وكان هذا الوعد ارضاءا ً لـ وايزمان ، ولكسب الطوائف اليهودية في العالم في أثناء الحرب العالمية الأولى ولتشجيع الهجرة اليهودية إلى الأراضي الفلسطينية .

كانت بريطانيا عندما قدمت هذا الوعد دولة احتلال، ولكونها تحتل بلدا ً فانها لا يحق لها بان تعطي الملكية لإسرائيل اليوم ، فبريطانيا لم تكن تملك فلسطين ووجودها غير شرعي، ومن هنا جاء اسمه وعدا ً " وعد لمن لا يملك لمن لا يستحق".

جاءت ذكرى الوعد في ظل المطالبة بالاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية وهو الأمر الذي يتناقض مع الوعد الذي صدر لهم والذي يقضي بضمان حقوق السكان الأصليين ، وهكذا إسرائيل تتجاوز في انتهاك الحقوق حتى تلك التي منحتها الوطن القومي . ومن الجدير ذكرة وعد بلفور ينص على " ان حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".

كانت البدايات تتجه نحو إيجاد وطنا ً في شمال أفريقيا، ومن ثم فكروا في  منطقة العريش، ولم تنجح محاولاتهم، وكان التفكير الأخير لهم بفلسطين فذهبوا إلى الأتراك ليتحدثوا مع السلطان عبد الحميد الثاني فكان هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية يحاول رشوة السلطان عبد الحميد الثاني بمبلغ عشرين مليون ليرة تركية، مقابل الحصول على فلسطين، ولكن السلطان رفض وقال: "لا أقدر أن أبيع ولو قدمًا واحدة من البلاد؛ لأنها ليست لي، بل لشعبي، لقد حصل شعبي على هذه الإمبراطورية بإراقة دمائهم، وفضلوا أن يموتوا في ساحة القتال،إن الإمبراطورية ليست لي، بل للشعب، بل للشعب التركي المسلم، ولا أستطيع أن أعطي أحدًا أي جزء منها، ليحتفظ اليهود ببلايينهم، فإذا قسمت الإمبراطورية فقد يحصل اليهود على فلسطين بدون مقابل، إنما لن تقسم إلا جثثنا، ولن أقبل بتشريحنا لأي غرض كان".

حقا ان "إسرائيل" لا تعرف لدولتها حدودا ً فشعارها من النيل إلى الفرات، فهكذا يدرس للأطفال في مدارسهم وهكذا هي رموز ألوان العلم الإسرائيلي.  

وعدهم بلفور بهذا الوطن، ووعدنا رب العزة بتحرير بلادنا بفضل الأيدي الطاهرة ودماء الشهداء وعباد الله الصالحين، والله لا يخلف وعده " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ". وكما قال الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان  " بلفور كأسك من دم ..... الشهداء لا ماء العنب " .. فكان الوعد كأسا ً من الدماء التي سيلت من أجساد الشهداء ، ولكن نصر الله قريب وهذه الأرض لنا والقدس لنا وهي تاريخنا وحاضرنا وماضينا.

شاعر فلسطين الأول إبراهيم طوقان والذي ولد قبل ذلك الوعد باثني عشر عاما يعيش هذا الحدث معه حتى في مناسبات أخرى ، فتراه يقول في  الطوفان الذي حل بمدينته نابلس ، متحاملا على جراحه الذاتية ومتذكرا بل ومذكرا بالوجع الذي حل بالبلاد ، يخاطب الإنجليز المستعمرين وما صاغوه من آلام وجروه على البلاد من ويلات ومصائب بهجرة اليهود إليها :

منذ احتللتم وشؤم العيش يرهقنا       فقرا وجوعا وإتعاسا وإفسادا

بفضلكم قد طغى طوفان هجرتهم          وكان وعدا تلقيناه إيعادا

 

لكن شاعرنا يقف بصراحة أمام حادثة ( الوعد الكئيب) الذي جر الكآبة إلى فلسطين فاصطبغت به فكانت قصيدته في تلك المناسبة التي حملت ذلك الاسم يؤرخها شعرا وتعكس لنا عظم الحدث وجلال المصاب في الذكرى التي مرت عام 1929فأعلنت فلسطين الحداد :

بلفور كأسك من دم    الشهداء لا ماء العنب