خبر غزة: اللقمة المغمسة بالدم

الساعة 04:48 ص|31 أكتوبر 2010

غزة: اللقمة المغمسة بالدم

فلسطين اليوم- غزة

كانت الساعة الرابعة فجرا، وكان آخر ما يفكر فيه أبو أحمد، 49 عاما، هو أن تغوص عجلات العربة في الرمال، بينما كان حماره يحاول تجاوز أحد الكثبان الرملية التي تقع للشمال الغربي من بلدة بيت لاهيا.

وبمساعدة أبنائه الأربعة قام بإخراج العربة من الرمال، وسط تحذيرات من عواقب رفع أصواتهم البتة حتى لا يحدثوا جلبة تلفت انتباه الجنود الإسرائيليين الذين يتمركزون على إحدى نقاط المراقبة التي تقع إلى الغرب من حاجز إيرز العسكري شمال غزة.

أبو أحمد يقوم بهذه الرحلة يوميا بحثا عن الحصى في ركام المستوطنات الأربع التي تمت إزالتها في أقصى شمال غربي قطاع غزة، الذي يبيعه إلى تجار مواد البناء الذين يقبلون على شرائه دون تردد بسبب استمرار الحظر الإسرائيلي المتواصل منذ 4 سنوات على دخول الحصى المستخدم في إعداد الأسمنت المسلح المستخدم في البناء كإحدى آليات فرض الحصار على القطاع.

ينقسم أبو أحمد وأبناؤه إلى فريقين، فثلاثة من الأولاد يقومون بتكسير ركام الأبنية للحصول على الحصى بواسطة مطارق كبيرة، في حين يقوم الوالد والولد الرابع بغربلة التراب للحصول عليه.

ونظرا لأن هذه مواقع متقدمة جدا وتقع في عمق خط التماس بين إسرائيل وقطاع غزة فإن جامعي الحصى يبدون أقصى درجات الحيطة والحذر، فبعد مقتل وجرح العشرات في رحلات الموت. يحاول جامعو الحصى القيام بعملهم من خلال الركام، بحيث لا يكونون في مواجهة مباشرة مع نقاط المراقبة الإسرائيلية التي تنتشر على طول الخط الذي يصل حاجز إيرز شرقا وحتى ساحل البحر.

وعلى بعد مائتي متر وعلى شاطئ البحر تماما، كان هناك مجموعة من الشباب الذين دفعتهم الحاجة إلى المخاطرة بل والمخاطرة الشديدة، فهذه المنطقة هي الأخطر وقد شهدت مقتل وجرح كثير ممن تجرأوا على الوصول إليها. وهذه المجموعة ليست أكثر من 5 أشخاص، هم كمال وأشقاؤه الصغار الأربعة، القادمون من مخيم جباليا، والمعنيون بتعبئة عربة الحمار بأقصى سرعة. ففي هذا الشاطئ الذي لم تطأه قدم آدمي بعد أن نفذت إسرائيل خطة فك الارتباط التي تم بموجبها تفكيك المستوطنات قبل 5 سنوات، تتوافر أكوام الحصى بأعداد كثيرة. يعي كمال أن جمع الحصى في هذه المنطقة مجازفة حقيقية، لأن الزوارق الحربية الإسرائيلية التي تقوم بعمليات الدورية باستمرار على الشاطئ لا تتردد في إطلاق النار على كل من يتحرك في هذه المنطقة.

ويقول كمال إنه وأشقاؤه يقومون بمراقبة الزوارق التي تتميز بمصابيحها القوية، وعندما لا يلوح الضوء الذي لا ينبعث من الزوارق يندفع الخمسة لجمع الحصى، بحيث لا تستغرق مهمتهم أكثر من 7 دقائق، يقفلون بعدها راجعين، وحسب قوله فإنهم يتمركزون عند نقطة تحدها كثبان رملية تمكنهم من الاختفاء خلفها بمجرد أن ينهوا مهمتهم.

ويتكرر المشهد المأساوي في أقصى جنوب شرقي قطاع غزة، وتحديدا في محيط مطار غزة الدولي الذي يقع إلى الشرق من مدينة رفح. ويقصد الكثير من الأهالي المطار لأن في محيطه تتواجد كميات كبيرة من الحصى، ونظرا لأن المنطقة متاخمة لخط التماس مع الجيش الإسرائيلي فإن التواجد فيها يمثل مخاطرة حقيقية.

قبل عدة أشهر لم يجد بعض جامعي الحصى بدا سوى الاندفاع نحو أحد الأنفاق والتوجه لمصر بعد أن أطلقت عليهم القوات الإسرائيلية عدة قذائف أسفرت عن عدد من الجرحى. ودفع الخوف والارتباك بعض الأشخاص الذين تواجدوا في المنطقة للتوجه لمصر ليقعوا في أيدي رجال الأمن المصري ليخضعوا للتحقيق ولم يعودوا إلى بيوتهم إلا بعد أسبوع.

وتضطر الأوضاع الاقتصادية الخانقة التي يعبر عنها بشكل كبير ارتفاع معدلات البطالة وتواجد أكثر من 80% من الغزيين تحت خط الفقر لركوب المخاطر على هذا النحو.

فحسب أدهم أبو سلمية المنسق الإعلامي للخدمات الطبية في القطاع فإن عدد الضحايا في صفوف جامعي الحصى بلغ منذ انتهاء الحرب على غزة قتيلين و58 جريحا.

وأضاف أبو سلمية أن معظم الجرحى من الأطفال والفتية دون سن الثامنة عشرة عاما من الذين يذهبون لجمع الحصى لسد رمق أسرهم الفقيرة التي أرهقها الحصار على قطاع غزة منذ 4 سنوات.