خبر عناصر في الاستخبارات الالمانية: نتنياهو خيّب أملنا.. يديعوت

الساعة 09:27 ص|29 أكتوبر 2010

بقلم: رونين بيرغمن، برلين

(المضمون: تقول جهات تتابع قضية الجندي الأسير جلعاد شليط إن التفاوض في شأنه بين اسرائيل وحماس بوساطة المانية عالق لا يتقدم برغم زعم اسرائيل عكس ذلك بل إن عناصر من الاستخبارات الالمانية تُلقي تبعة ذلك على نتنياهو نفسه - المصدر).

لن يُطلق سراح جلعاد شليط قريبا، وليست الأنباء التي نُشرت في اسرائيل عن تقدم في ظاهر الأمر للتفاوض في شأنه صحيحة. يمكن أن نقول في واقع الأمر إن العكس هو الصحيح، كما تقول جهات تتابع القضية لصحيفة "يديعوت احرونوت". تزعم تلك الجهات أن تطورا دراماتيا ومفاجئا في مستوى معجزة فقط يمكن أن يأتي بجلعاد شليط الى بيته قريبا.

يُبيّن تلخيص الاتصالات الى اليوم أن حماس شددت في واقع الامر معارضتها للشروط "النهائية والأخيرة" التي اقترحها نتنياهو. يبدو اطلاق جلعاد شليط الآن أبعد مما كان دائما. والسؤال: كيف وصلنا الى هذا المكان؟.

* * *

في تموز 2009 شخص الى المانيا وفد من المسؤولين الاسرائيليين الكبار برئاسة المنسق الجديد لشأن الأسرى والمفقودين، حجاي هداس. والتقوا في برلين رئيس الـ بي.ان.دي وهو النظير الالماني للموساد، آرنست اورلاو. عرض عليه الاسرائيليون رسالة من رئيس الحكومة نتنياهو، فحواها أن اسرائيل توافق على أن تكون الـ بي.ان.دي (مرة اخرى) وسيطا بينها وبين منظمة ارهابية – وهي حماس هذه المرة.

أُلقيت المهمة على كاهل رجل استخبارات الماني اسمه غيرهارد كونراد. والحديث عن أحد الاشخاص الأكثر إثارة للفضول في عالم الظلال الالماني. إن مظهر كونراد كأنه مأخوذ من السبعينيات، وفي ضمن ذلك نظارة ذات اطار ذهبي. ومن جهة ثانية يُعدّ خبيرا خاصا ورجل ميدان ذا أكبر تجربة في شؤون الشرق الاوسط في الـ بي.ان.دي. فقد خدم سنين طوالا رئيسا لمفوضية المنظمة في دمشق ويعرف من قبلُ جميع اللاعبين المشاركين. وقد توسط كونراد ايضا في صفقة مختطفي مزارع شبعا (بني ابراهام، وعدي افيتان وعمر سواعد) والحنان تننباوم، وكذلك عمل وسيطا مخولا من الامم المتحدة في صفقة اهود غولدفاسر والداد ريغف.

استقر الرأي على أن تبقى الاستخبارات المصرية برئاسة عمر سليمان المسؤولة العليا عن التفاوض، وأن يعمل رجال الاستخبارات الالمانية تحت سلطتها. كانت البداية متفائلة: ففي تموز 2009، مع بدء التفاوض، قدّر كونراد أنه سيكون من الممكن إنهاء صفقة شليط حتى نهاية تلك السنة الميلادية، أو بعدها بقليل. لكن هذا لم يحدث كما تعلمون وبقي كثيرون يتساءلون: لماذا؟ ما الذي عرقل على السير؟.

* * *

في تموز 2009 استأنف حجاي هداس التفاوض من النقطة التي وقف عندها آخر مرة في القاهرة في آذار من العام نفسه. وقد أُحرز تقدم: فقد بدأ المندوبون الثلاثة – حجاي هداس من اسرائيل، وكونراد من المانيا ومحمود الزهار من قبل حماس – يتقدمون نحو ما بدا صفقة يمكن التوقيع عليها حتى نهاية السنة الميلادية. بيد أنه لم تجرِ في خلال ذلك في اسرائيل جلسات لتنسيق التوقعات بين الجهات المشاركة (الوسيط هداس، ورئيس الحكومة نتنياهو، ورجال الجيش والمجموعة الاستخبارية). كان يمكن في مثل هذه الجلسات حسم سؤال: ماذا تقبل اسرائيل إعطاءه وماذا لا تقبل. في واقع الامر سمح نتنياهو لهداس أن يتقدم في التفاوض وتدخل في الامور في كانون الاول 2009 فقط. وليس واضحا من يتحمل تبعة أن التفاصيل لم تُعرض عليه قبل ذلك.

عندما عُرضت الامور في نهاية الامر على رئيس الحكومة، أحجم نتنياهو عن حجم الصفقة وتنازلات اسرائيل. جمع نتنياهو المجلس الوزاري المصغر (حلقة السبعة) في تلك المباحثة الماراثونية التي أجاز فيها اقتراحا جديدا تماما. تم قبول الاقتراح بأكثرية ستة في مقابلة واحد (بني بيغن، الذي يعارض أي دفع من اجل مختَطَفين).

عاد هداس الى المنسق الالماني مع شروط اسرائيل الأخيرة وعلى رأسها "تنقية" القائمة من أكثر الاسماء الثقيلة، وفيها مروان البرغوثي واحمد سعدات الذي يُعدّ "الروح الحيّ" من وراء قتل الوزير رحبعام زئيفي. أمر نتنياهو هداس بوقف التفاوض ورؤية الصفقة التي اقترحها شرطا نهائيا لن يكون بعده مصالحة اخرى.

تقول عناصر من الاستخبارات الالمانية إن أملها خاب من نتنياهو في أعقاب وقف المحادثات مطلع هذا العام. وفي أحاديث مع هذا القسم من صحيفة "يديعوت" عبّروا عن انتقاد شديد لرئيس حكومة اسرائيل، زاعمين أن "نتنياهو خيّب أملنا بسلوكه حول صفقة شليط". أفضى هذا السلوك كما يقولون بالتفاوض الى الطريق المسدود الموجود فيه الآن. "كنا على ثقة من أنه يستطيع أن يُجيز هذا الشأن في المجلس الوزاري المصغر في سهولة. وظننا أن له تأثيرا أكبر في الوزراء"، يقولون هناك في أحاديث مغلقة. ويعتقد آخرون أن نتنياهو لم يستعمل تأثيره استعمالا كافيا. بل ربما كان معنيا وراضيا، من اجل احتياجاته الداخلية، عن معارضة الوزراء يعلون وبيغن وليبرمان.

*  *  *

مهما يكن الامر، فقد أفضى تغيير الشروط الى اعادة التفاوض بقدر كبير الى بدئه. لم تقدم حماس في الحقيقة جوابا رسميا. لكنها رفضت الشروط الجديدة بمجرد صمتها. نشأ داخل حماس مواجهة بين اربعة مسؤولين كبار: فمن جهة محمود الزهار واسماعيل هنية اللذان يعتقدان أنه ينبغي استنفاد التفاوض، ومحاولة استخلاص تنازلات اخرى من اسرائيل، لكن السير مع الاتفاق الذي سيفضي حتى بحسب اقتراح نتنياهو الى اطلاق سراح ألف أسير والى انجاز دعائي ومعنوي ضخم لحماس؛ وفي مقابلتهما خالد مشعل واحمد الجعبري، رئيس اركان حماس الذي يحتجز في واقع الامر شليط ويخشى أن يفضي اطلاق سراحه الى إضعافه داخل المنظمة. كلاهما يعارض معارضة شديدة المصالحة مع اسرائيل.

بحسب مصادر مختلفة، يد الجعبري ومشعل هي العليا الآن وهما العنصران اللذان يحبطان اتفاقا على هذه الصفقة. التقى كونراد في زيارته في الاسبوع الماضي محمود الزهار. في لقاء أجراه الزهار قبل نصف سنة مع رئيس مكتب الصحيفة الالمانية "دير شبيغل" في اسرائيل، كريستوف شولت، تحدث تعريضا عن طموحه الى إنهاء القضية وإتمام الصفقة. وعبّر الزهار عن خيبة أمله من أنه سار مسافة في التفاوض في السنة الماضية بل خسر نقاطا كثيرة داخل حماس عندما أخذ بتوجه معتدل نسبيا، كي يحصل في نهاية الامر على رفض نتنياهو.

يُبيّن تلخيص الاتصالات حتى اليوم أن نتنياهو مصر على رأيه ألا يزيد مرونته في التفاوض، وأن الصفقة في كانون الثاني هي الأخيرة والنهائية. في الوضع الذي نشأ غدت احتمالات أن يُحرر جلعاد شليط، الموجود منذ نحو من اربع سنين ونصف في بئر سجن حماس، منخفضة جدا.

جاء عن ديوان رئيس الحكومة ردا على ذلك: "بخلاف ما زُعم في تقريركم الصحفي – يقود رئيس الحكومة نتنياهو جهودا لا تنقطع لاعادة جلعاد شليط. آتت هذه الجهود أُكلها عندما أُدخل محور الوساطة الالماني – المصري، وعندما حصلنا على اول شريط فيديو عن جلعاد، وعندما ردّت اسرائيل بالايجاب على اقتراح الوسيط الالماني في الصفقة التي اشتملت على اطلاق سراح مئات من أسرى حماس كانوا مشاركين في قتل أكثر من 600 اسرائيلي. في مقابلة ذلك، يُصر رئيس الحكومة على ألا يفضي اطلاق سراح مخربين من السجن في اطار صفقة ما، الى اعادة بناء قاعدة حماس الارهابية في يهودا والسامرة والى قتل اسرائيليين كثيرين آخرين. تعلمون أن ثلثي أسرى حماس الذين أُطلق سراحهم في صفقات سابقة عادوا للارهاب.

"من مصلحة حماس، ألا تحدد مواقفها بحسب الخطاب الاعلامي في اسرائيل، بل بحسب جدية نوايا رئيس الحكومة أن يُعيد جلعاد الى بيته سريعا وأن يحافظ على أمن مواطني اسرائيل وحياتهم".