خبر قفزة الطريق.. اسرائيل اليوم

الساعة 09:48 ص|22 أكتوبر 2010

بقلم: حيمي شليف

(المضمون: المصافحة المترددة بين رابين وعرفات في ايلول 1993 دشنت فترة من التفاؤل الساذج والازدهار الدولي لاسرائيل  – المصدر)

التسريبات المنفعلة انتقلت كالتيار الكهربائي بين مصادر رفيعة المستوى والصحفيين المتأثرين في قاعة فندق "مايبلور" في واشنطن، ساعة – ساعتان بعد الاحتفال في البيت الابيض في 13 ايلول 1993. كلمات بارزة مثل كازبلانكا، الرباط والملك الحسن همس بها في آذان المراسلين المحظوظين الذين تمكنوا من نقل التقارير الى صحفهم قبل أن تغلق طائرة بوينغ 707 القديمة لسلاح الجو ابوابها وتقلع الى افق سياسي جديد.

في تلك اللحظات من الطيران البكر الى المغرب كان يخيل ان غير المقبول على العقل يصبح أمرا اعتياديا. فقبل بضع ساعات فقط من ذلك وقف اسحق رابين وياسر عرفات في ساحة البيت الابيض، وأنا لا ازال أتذكر الشفة المدلية والعينين المذهولتين للصحفي الاسرائيلي الذي جلس الى جانبي وتلعثم بالقول "انه لن يصافحه، انه لن يصافحه" – الى أن صافحه، والسماء لم تسقط.

في تلك اللحظة هكذا كان يخيل، أنه برفعة ذراع من الكسندر المقدوني الذي بضربة سيف حل العقدة العسيرة. هكذا، في اجواء الحلم، اطلق الخيال الذي ذكر، على الاقل اولئك الذين ارادوا ذلك، بفتح ابواب طائرة الرئيس أنور السادات في مطار بن غوريون في تشرين الثاني 1977. ومثلما كان في حينه، هكذا كان يخيل، يقع امام ناظرينا حدث فوق واقعي بين وجودين منفصلين، بين الحال ونقيضه، تلك "القفزة على الطريق" الصوفية التي تلغي المسافة بين الاسطورة اليهودية وعلوم الخيال.

بعد شهر من ذلك بالضبط اختاروني، الى جانب زميلي من التلفزيون دان سمما، رحمه الله، لمرافقة رابين لزيارة الى الصين، ولقائه المفاجىء في جاكرتا برئيس الدولة الاسلامية الاكبر في العالم، سوهارتو من اندونيسيا. وأذكر اننا كلانا وقفنا خارج مكتب سوهارتو، ندخن، نبتسم وراضين عن أنفسنا ظاهرا، ونتحدث بانفعال: "من كان يصدق، من كان يصدق".

لا ريب أن السنة التي تلت التوقيع على اتفاقات اوسلو كانت مثابة العصر الذهبي في علاقات اسرائيل الخارجية: العالم العربي انفتح، اوروبا عانقت والاستثمارات تدفقت بالمليارات. رابين، المناهض للدبلوماسية في جوهره، عرف كيف يقيم علاقات شجاعة، صداقات استثنائية وجدت تعبيرها في الصور الايقونية من البيت الابيض، حيث رتب له كلينتون ربطة العنق، ومن القصر الملكي في العقبة حيث اشعل له الملك سيجارة. كان واضحا منذئذ بانه ليس سهلا طريقنا، وان عرفات بعيد عن ان يكون الشريك المنشود والعمليات الكبرى، بما فيها عملية غولدشتاين في الخليل – تقطف حياة عزيزة وتضع الغاما على الطريق. ولكن عندما وعد رابين في تشرين الاول 1994، في نقاش في الكنيست على اتفاق السلام مع الاردن بانه "لن نكون بعد اليوم شعبا وحده يسكن"، كان هذا لا يزال يبدو للسامع كتوقع معقول جدا.

ومع أننا اليوم أقنعنا أنفسنا بان عرفات لم يعطنا ابدا شيئا ذا قيمة، كانت تكفي جملة واحدة من "رسالة الاعتراف" التي بعث بها الى رابين قبل بضعة ايام من الاحتفال في البيت الابيض كي ترتب لنا بطاقة دخول الى النوادي التي تطلعنا دوما للانضمام اليها. "م.ت.ف تعترف بحق اسرائيل في العيش بسلام وأمن"، ورد هناك، وهكذا شق الطريق لاتفاق السلام مع الاردن – الذي وقع في العربا، في احتفال سريالي بحد ذاته – والرفع الهام لمستوى مكانة اسرائيل بين الشعوب.

غير أن الاجماع الذي نشأ مع مرور السنين ضد اتفاقات اوسلو يعانق، للاسف، ثماره السياسية. "الشرق الاوسط الجديد" الذي فكر فيه شمعون بيرس وجسده اسحق رابين أصبح مفهوما حقيرا. الشعبية الدولية تصنف عندنا اليوم كتحصيل حاصل للضعف الامني، مثابة أنا منبوذ إذن أنا محق، وكأن السنة لا تزال 1957 وافرايم كيشون كتب لتوه المقطع العبقري "كيف فقدنا عطف العالم". ومثل الرجل المتبجح الذي يفتح فمه على الشابة التي ردت لتوها مغازلاته، اصبحنا مدعي حق غاضبين نتميز اساسا بالتوبيخ للاخرين.

لا يدور الحديث عن جدال حول قيمة اتفاقات اوسلو، ولا عن جوهر "إرث رابين"، وبالتأكيد ليس عن الاحتفالات، التشريفات والانفعالات السياسية. ما خُفي، كما يبدو، هو الاحساس المتفائل بان العالم يتغير ايجابا، وان مصيرنا في ايدينا، وليس العكس وان اسوار الغيتو تنهار نهائيا. بعد الحدث يبدو هذا ساذجا، بلا ريب، وبالتأكيد من المناسب للسؤال الذي طرحه الشاعر جوردون في القرن التاسع عشر: "هل تخيلت حقا أن في قفزة على الطريق سأنقلك الى المكان الذي جئت منه"؟

* * *

هذا الاسبوع بث البرنامج  الاعتباري في شبكة سي.بي.اس: "60 دقيقة" تقريرا عن الحفريات وعن الاستيطان في سلوان. كل الذين اجريت المقابلات معهم بمن فيهم رئيس البلدية نير بركات، كانوا يتحدثون الانجليزية بطلاقة، ومنحوا زمنا وسمح لهم بطرح مواقفهم بشكل مفصل.

كما لا يمكن القول عن المراسلة المجربة ليسلي ستال انها تعتقد ان الجمل في اسرائيل هو أداة مواصلات مركزية او أن المنقل البدائي هو الطباخ الفاخر الذي يعرض في الدعايات الصبيانية لوزارة الاعلام. وبالتالي فالمشكلة كانت في الحقيقة معاكسة. ستال ومشاهديها فهموا بالضبط الموقف الذي عرض عليهم، أي من الافضل توطين حفنة من اليهود في اوساط السكان الفلسطينيين المكتظين، وان حقوق اليهود تفوق أي اعتبار آخر وان من يفكر بان المدينة ستقسم في اطار التسوية السلمية، يا عزيزتي ليسلي فلينسى ذلك.

هكذا بحيث انه في هذه الحالة لا يمكن ايضا النزع باللائمة على السطر الاخير: ضربة قاضية اخرى للاعلام الاسرائيلي.

* * *

ميل اسرائيلي معروف هو تعداد كل خطيئة صغيرة لكارهينا ولكن تجاهل مشاكل كبرى لاصدقاء يقفون الى جانبنا. مثال ممتاز على ذلك هو كندا التي تحت قيادة رئيس الوزراء ستيفان هاربر أصبحت ربما الدولة الاكثر ودا لاسرائيل في العالم. الكنديون معنا بالنار والماء، الى هذا الحد او ذاك دون شكاوى او اعذار. مؤخرا، طلب هاربر ضم كندا الى مجلس الامن، ولكن تبين له ان الفرص صفر، ضمن امور اخرى لان كتلة الدول العربية والاسلامية في الامم المتحدة قررت معاقبة اوتوا على دعمها الثابت لاسرائيل. وسحب هاربر الترشيح وتلقى حرجا سياسيا داخليا وخارجيا شديدا. اذا لم يكلف أحد نفسه حتى الان العناء فمن المناسب بالتأكيد ان نوجه شكرنا الى صديقتنا الكندية المنبوذة مرفقة بالتحية المعروفة: أهلا وسهلا بكم في النادي.

ـ
الشخص الذي لم يوجد .. هآرتس

بقلم: أري شبيط

(المضمون: يواجه نتنياهو مهمات صعبة جدا اذا لم يبت أمرها ويقف في صلابة وعزم في مواجهتها فسيسقط كأن لم يكن - المصدر).

تقول احدى الاشاعات إن ما يشل نتنياهو هو الخوف الكبير من افيغدور ليبرمان. وثمة من يُرجعون الخوف الى ماضي الاثنين المشترك. وثم من يُرجعون الخوف الى العلاقات المتبادلة بين مبنى الشخصية المهدِّد لوزير الخارجية وبين مبنى الشخصية المهدَّد لرئيس الحكومة. والنتيجة واحدة وهي أن نتنياهو أخذ يجعل نفسه "بودل" ليبرمان. انه يسلك سلوك من اختطفته "اسرائيل بيتنا" واستسلم لمختطفيه تماما. إن أعراض ستوكهولم عجيبة تجعل بيبي يخدم "إيفيت" الذي يُقيّده، ويُنكل به ويفرض عليه احتضارا سياسيا مُذّلا.

        وتقول إشاعة ثانية ما يلي: إن ما يشل بنيامين نتنياهو اخلاصه لبن تسيون نتنياهو، وأفنير نتنياهو وسارة نتنياهو. إن بن تسيون نتنياهو بلغ المئة في قوة وتميّز. وأفنير نتنياهو في السابعة عشرة وهو موهوب. وكذلك سارة نتنياهو امرأة ذكية تختلف عن صورتها عند الجمهور. لكن الحلقة المغلقة لبيت رئيس الحكومة ذات آراء يمينية صلبة. يصعب على بنيامين نتنياهو جدا أن يواجه المقربين منه، وأن يُصوب اليهم نظره وأن يقول لهم انه تخلى عن أجزاء من ارض اسرائيل. إن اخلاص بيبي لأبيه، ولزوجته وابنه يجعله غير مخلص بقدر كافٍ لمواطنيه ودولته ونفسه.

        وتقول إشاعة ثالثة ما يلي: إن ما يشل نتنياهو هو صرفه عنايته المطلقة الى التهديد الايراني. فنتنياهو يرى الذرة الشيعية المشهد العام. وهو يؤمن بأنه خرج من رحم أمه لانقاذ الشعب اليهودي والحضارة الغربية من الخطر الكامن في نتانز. من جهة عقلية، يدرك رئيس الحكومة وجود صلة بين القدرة على مواجهة ايران والاستعداد لتقسيم البلاد. ومن جهة نفسية، يرفض نتنياهو استيعاب ذلك. فهو غير معني بأن يُكتب في التاريخ أنه أنشأ فلسطين وقسّم القدس. بل هو معني بأن يُكتب في التاريخ على أنه هزم ما رآه نازية القرن الواحد والعشرين. وعلى هذا ينظر بيبي الى كل ما يحدث نظره الى رغوة فوق الماء. وهو مؤمن بأنه اذا قدر على ايران فستُنسى المستوطنات، ويُنسى الولاء – العنصرية وتُنسى مهانة سنتيه الاوليين الفظيعة في الحكم.

        يوجد شيء من الحقيقة في كل واحدة من الإشاعات الثلاث. فرئيس الحكومة مشلول بسبب سياسة ليبرمان، وبسبب عقيدة البيت والأب وبسبب تهديد احمدي نجاد. لكن الشلل ليس سياسة. والجمود ليس زعامة. ومن الصحيح الى الآن أن نتنياهو يخطو نحو الجدار. يرى رئيس حكومة اسرائيل ويسمع ويفهم لكنه يسلك سلوك من لا يرى ولا يسمع ولا يفهم. إن بيبي يُحوّل نفسه، وهو مفتوح العينين، من شخصية ذات قدرة كامنة تاريخية الى شخصية سينظر التاريخ اليها باستهزاء وسخرية.

        بعد عشرة ايام ستُجرى انتخابات مجلس النواب الامريكي. وبعد نحو من اسبوعين ستنتهي المهلة التي منحتها الجامعة العربية للمسيرة السياسية. وفي غضون اشهر ستحين لحظة الحقيقة السياسية. بعد زمن قصير من ذلك قد تحين ايضا لحظة حقيقة غير سياسية. إن 2010 – 2011 هما سنتا حسم كما كانت 1972 – 1973 كذلك. الى هنا أو الى هناك، الى السلام أو الى الحرب، الى عمل كبير أو أزمة كبيرة. وعلى ذلك، عندما يختار نتنياهو ألا يختار، فانه يختار. يختار الحرب، ويختار الأزمة، ويختار السقوط. إن الجدار الذي يخطو اليه نتنياهو هو جدار كُتب عليه رسم يوم الغفران، يوم غفران بنيامين نتنياهو.

        إن الواقع الذي يواجهه بيبي واقع قاسٍ لا مثيل له. فرئيس الولايات المتحدة يبحث عنه. والفلسطينيون يُنكلّون به. والجماعة الدولية تُدير له ظهرها. وفي مقابلة ذلك، يمص افيغدور ليبرمان دمه. وتريد تسيبي لفني وسلفان شالوم رأسه. وليس الجيش مُرضيا ولا الادارة مُرضية، والسياسة سياسة أقزام. وهكذا عندما ينظر نتنياهو يمينا ويسارا يرى أنه وحده تماما. لا يدرك أحد في الحقيقة المهمة الضخمة التي يواجهها. ولا يساعده أحد على مواجهة المهمة الضخمة. ليس للقادة الحق في أن ييشكوا مرارة مصيرهم. لانه يفترض أن يقود الزعماء. اذا لم يصبح نتنياهو رجل الآن فسيكون شخصا لم يوجد.