خبر التهديد باهتزاز الاستقرار الحكومي الإسرائيلي من دون إطلاق أمل بحدوث تغيير

الساعة 05:25 ص|18 أكتوبر 2010

التهديد باهتزاز الاستقرار الحكومي الإسرائيلي من دون إطلاق أمل بحدوث تغيير

حلمي موسى

لا تقف إسرائيل هذه الأيام عند مفترق طرق حاسم على صعيد التسوية مع الفلسطينيين والعرب. فقد اجتازت منذ فوز أرييل شارون في انتخابات العام 2001 بعد انتفاضة الأقصى ذلك المفترق متجهة نحو خيارات الحل من طرف واحد. ويخطئ كل من يعتقد أن اليمين، بقيادة بنيامين نتنياهو مؤهّل لأي تسوية. ولا يهمّ هنا مقدار الضغط الذي يمكن أن يجري الحديث عنه في المحافل الدبلوماسية. فإسرائيل تقرأ الخريطة العربية جيداً وهي تدرك أن الأميركيين والأوروبيين لن يكونا بحال من الأحوال عربا أكثر من العرب. والعرب يفتقرون لأي قرار خصوصا بعد أن ارتضى قسم منهم علنا أو تحت الطاولة أن يعتبر إسرائيل حليفاً في الصراع الإقليمي مع قوى أخرى.

ويمكن الاستدلال على ذلك من الاختراعات التي يلجأ إليها اليمين الحاكم في إسرائيل هذه الأيام لإعاقة أو وأد التسوية. وما اشتراطات بنيامين نتنياهو بشأن الإقرار بيهودية الدولة كمقابل لتجميد جزئي ومشروط للاستيطان في الضفة الغربية، بعيداً عن القدس، إلا حلقة واحدة في سلسلة طويلة. والواقع أن الغطرسة الإسرائيلية في قراءة الواقع والاستعداد لإظهار قدر لا يوصف من الفظاظة في التعامل مع المواقف الدولية، كما يحدث مع مواقف أفيغدور ليبرمان ووزرائه يمكن أن تعبر عن أمرين متناقضين: غرور يمكن أن تدفع إسرائيل ثمنه لاحقاً أو تخوّف مرضيّ من العرب.

ورغم كل التحليلات والتبريرات حول خلافات بين ليبرمان ونتنياهو فإن المؤكد هو أنهما على توافق تام. فالرجلان ينتميان إلى المدرسة ذاتها التي ترى في اليهودي طينة تختلف عن الآخرين وتتفوق عليهم. وحتى عندما يتجنّب نتنياهو تأييد مواقف ليبرمان فإن ذلك لا يعني بالضبط عدم رضى عنها. هناك من يعتقد أنه يستغل صورة «ليبرمان الرهيب» للإيحاء بأن العوائق الداخلية هائلة وقاتلة من ناحية ولإظهار أن البديل الآخر له في إسرائيل أسوأ.

ولكن هنا وهناك تجد دلائل قاطعة على أن كل ما يُقال عن الخلاف ليس أكثر من تظاهر وأن الوحدة في الرأي عميقة. هذا ما تبدّى على وجه الخصوص أساساً في قرار الحكومة الإسرائيلية حول تصريح الولاء للدولة اليهودية بأغلبية 22 وزيراً ضد ثمانية. والواقع أن الأغلبية كانت أكبر من ذلك. فزعيم حزب العمل، إيهود باراك صوت ضد القرار فقط بعد أن تأكد له أن رفاقه في الحزب سيستغلون تصويته من أجل الإطاحة به عن زعامة الحزب.

وفي كل حال يظهر اليوم أكثر من أي وقت مضى أن تركيز اليمين الإسرائيلي على فلسطينيي الـ 48 هو نوع من الضربة الاستباقية لتحركات العرب الآخرين. فنزع الشرعية عن العرب في الحلبة الداخلية الإسرائيلية أو إسكاتهم يخلد سيطرة اليمين في الحكم لأجيال قادمة. وقد كتب ألوف بن في «هآرتس» أن المساعي التي تبذلها حكومة نتنياهو لقمع المطامح السياسية للأقلية العربية في إسرائيل أكبر من تلك التي تبذل للتقدّم في العملية السياسية. وليس صدفة أنه يلتقي في هذا التوجه «خصوم» الأمس واليوم، ليبرمان ويشاي ونتنياهو، الذين يؤمنون بأن بقاء الفلسطينيين في مناطق 48 يشكل الخطر الأكبر على الطابع اليهودي للدولة. ولهذا السبب فإن العنصرية والفاشية في إسرائيل ليستا ظاهرة عابرة أو أنها لا تستند إلى فكر عميق.

ويشدد بن على أن الدافع السياسي لهذه العنصرية لا يستهان به. «إن احتمال عودة اليسار الى الحكم يكمن في تجنيد مصوتين عرب لتأييد احزاب يهودية أو خليطة. ماذا نفعل، هذه هي الديموغرافية: فزيادة السكان في اسرائيل محصورة في الحريديين والعرب، وهو الشيء الذي يزود اليمين باحتياطي كبير من المصوتين، ويُضعف احتياطي اصوات اليسار بين اليهود. كلما دُفعت الجماعة العربية خارج الملعب السياسي، وامتنعت من المشاركة في الانتخابات وصوّتت لأحزاب فئوية فقط، سيبتعد اليسار عن إمكانية إحراز أكثرية، ويُخلد حكم اليمين أجيالاً. هذا هو المعنى البعيد الأمد للصراع الداخلي الذي تقوده حكومة نتنياهو».

ويذهب المفكر زئيف شترنهل أبعد من ذلك فيشدّد على أن اليمين في إسرائيل بحاجة إلى الحرب الأبدية لصياغة هويته و«منع التفكك من الداخل. ويرى أن «التفاوض في تقاسم البلاد خطر وجودي، لأنه يعترف بحقوق الفلسطينيين المساوية، وبهذا يسعى الى تقويض مكانة اليهود المتميزة في أرضهم».

وبعد كل ذلك أظهر استطلاع نشرته «يديعوت أحرنوت» الجمعة الفائت أن أكثر من ثلثي الإسرائيليين (حوالى 70 في المئة) يعتبرون تصريح الولاء للدولة اليهودية مبرراً. ويؤيد أكثر من ثلث الإسرائيليين, وفق هذا الاستطلاع، سحب حق الاقتراع من العرب المواطنين في الدولة الإسرائيلية. وإذا كان ذلك لا يشير إلى شيء فإن الرد على السؤال حول تقييد حرية التعبير إذا كان في ذلك ما يمسّ بمصالح إسرائيل غير الأمنية يوفر أساساً للاعتقاد بأن إسرائيل تتجه بسرعة نحو الفاشية. فقد أعرب حوالى 58 في المئة من اليهود عن إيمانهم بأن هذا مبرر. وربما أن هذا يفسر قول عضو كنيست من الاتحاد الوطني لمتظاهرين يهود وعرب في تل أبيب ضد تصريح الولاء بأن القانون يجب أن يسري على اليهود أيضاً. وفي ذلك إشارة إلى أن التوجّهات الفاشية لن تتوقف عند حدود العرب بل ستعمد إلى تقليص هامش الحريات حتى لليهود غير المتماثلين مع النزعات الفاشية أيضاً.

ولإظهار التناقض الفظ في أداء واعتقاد الإسرائيليين فإن حوالى الثلثين يبدون قلقهم من الفاشية وكأنها تنمو وتتعزز بعيداً عنهم. ولا يخفون تقديرهم بأن القوى السياسية بأشكال مختلفة تعزز هذا الميل وفي المقدمة زعماؤها على التوالي: أفيغدور ليبرمان، إيلي يشاي، بنيامين نتنياهو وإيهود باراك.