خبر عباس ووهم المراهنة على مجلس الأمن الدولي ..جواد البشيتي

الساعة 09:10 ص|16 أكتوبر 2010

عباس ووهم المراهنة على مجلس الأمن الدولي ..جواد البشيتي

إنَّ أخشى ما خشيه ويخشاه الفلسطينيون الآن هو أن يستأنفوا المفاوضات المباشرة (غير المُجْدية والعبثية والمَضْيعة للوقت) ليظلُّوا أسرى لها، وفيها، زمناً طويلاً، فلا يحصدون في آخر المطاف إلاَّ اكتسابهم لصفة «الحماقة التفاوضية»، ومضاعفة مخاطِر الاستيطان عليهم.

 

الرئيس عباس هو الآن قاب قوسين أو أدنى من أنْ يَفْقِد ثقته نهائياً (والتي لم يكن لها من أساس واقعي وموضوعي) بقدرة الرئيس أوباما ليس على «تليين» نتانياهو، وإنَّما على الاحتفاظ بـ «صلابته» هو، أو بما أظهر من «صلابة» من قبل، ولو جزئياً، فما رآه وسمعه أقْنَعَه، أو كاد أن يُقْنِعه، بأنَّ وزن نتانياهو في داخل الولايات المتحدة يفوق كثيراً وزنه في داخل "إسرائيل"، فصورة الرئيس أوباما في رأس الرئيس عباس هي الآن صورة مَنْ لا يمكن التعويل عليه ضدَّ الاستيطان، وضدَّ سياسة "إسرائيل" لإفراغ المفاوضات من كل ما يجعلها، حقَّاً، طريقاً إلى السلام وإلى حلٍّ نهائي.

 

ومن رحم هذا اليأس الفلسطيني الكبير من قدرة إدارة الرئيس أوباما على أن تكون وسيطاً أقل انحيازاً إلى حكومة نتانياهو ضدَّ الفلسطينيين والرئيس عباس نفسه، وُلِدَت الآن فكرة التوجُّه (الفلسطيني المدعوم عربياً ومن أطراف وقوى أخرى) إلى مجلس الأمن الدولي لحمله على إصدار قرار «واضحٍ مُلْزِم»، يعترف فيه بدولة فلسطينية مستقلة، تكون عاصمتها القدس الشرقية، ويشمل إقليمها كل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها "إسرائيل" في خلال حرب يونيو 1967؛ ولحمله، على ما يَقْتَرِح قادة فلسطينيون، على «ترسيم الحدود النهائية للدولة الفلسطينية».

 

الغريق، غير المجيد للسباحة أيضاً، يعلِّل نفسه بوهم أنْ يُنْقِذ نفسه من خلال تشبُّثه بقشَّة، هي، في حال الفلسطينيين الآن، كناية عن تحويل تلك الفكرة إلى قرار من مجلس الأمن، مع أنَّ هذا التحويل لن يصبح حقيقة واقعة إلاَّ إذا قبلت الولايات المتحدة الامتناع عن التصويت على الأقل.

 

إنَّه الوهم بعينه أن يظن الفلسطينيون، إذا ما ظنوا فعلاً، أنَّ إدارة الرئيس أوباما، التي أقنعت حتى «الحجر» بعجزها عن «تليين» نتانياهو استيطانياً، مرتضيةً لنفسها أن «يُليِّنها» نتانياهو، يمكن أن تستمدَّ من «سقوطها أرضاً» قوَّةً، فتجرؤ، بالتالي، على إبقاء «سيف الفيتو» في غمده، فيَصْدر القرار، الذي لو صَدَر لظَهَر لنا على أنَّه «أحجية» من الوجهة العملية.

 

هل تَصِل «الفكرة»، ومتى تَصِل، إلى مجلس الأمن على هيئة مشروع قرار؟

 

إذا وَصَلَت، هل ينجو مشروع القرار هذا من مخاطِر «التغيير والتعديل»، والذي إنْ سَمَحت «المرونة» الفلسطينية والعربية بتعريضه لها يمكن أن يُقرَّ؛ ولكن بصفة كونه قراراً ضدَّ جوهر ما أراده الفلسطينيون وتوقَّعوه؟

 

هل يُسْتعاض عن مشروع القرار هذا بمشروع قرار آخر، لا يُحْدِث إقراره فرقاً نوعياً في الحال الفلسطينية نفسها، والتي بما أنتجته وراكمته من يأس في نفوس الفلسطينيين زيَّنت لهم تلك الفكرة.. فكرة التوجُّه إلى مجلس الأمن؟

 

إنَّ التحدِّي الأكبر الذي سيواجهه الفلسطينيون، ومعهم العرب، هو الذي سيظهر بعد، وبفضل، إحباط الولايات المتحدة، عبر استعمالها سلاح «الفيتو»، لسعيهم هذا في مجلس الأمن؛ فهل تأتي استجابتهم له على شكل قرار يعلنون فيه قيام الدولة الفلسطينية من جانب واحد؟

 

وهل تحظى هذه الدولة بما يكفي من الاعتراف الدولي (مُفْتَرضين أنَّ الدول العربية جميعاً ستعترف بها، وأنَّ الدول الإسلامية غير العربية ستعترف كلها، أو معظمها، بها)؟

 

عن هذا السؤال، سنجيب بـ «نعم»؛ ولكنَّ الأسئلة التي ستنبثق من إجابة «نعم» هذه هي التي ستظل إجاباتها من الصعوبة بمكان.

 

وعلى سبيل التوقُّع، الذي قد تذهب به حقائق الواقع الجديد، أقول إنَّ حكومة نتانياهو ستردُّ، مُعْلِنةً إلغاء كل ما وقَّعته "إسرائيل" من اتفاقيات مع الفلسطينيين، وإخراج الجنود والمستوطنين الإسرائيليين إلى ما وراء غرب «الجدار الأمني» على الأكثر، وتسريع استكمال بنائه، وإطلاق النشاط الاستيطاني غرب «الجدار»، وفي القدس الشرقية على وجه الخصوص، من كل قيد وعقال، وتشديد قبضتها العسكرية والأمنية على كل حدود الضفة الغربية مع الأردن، والإبقاء على الفصل الجغرافي بين الضفة والقطاع، وتَرْك الفلسطينيين في الضفة يتدبَّرون أمورهم بأنفسهم، أي جعلهم يعيشون تجربة الحصار نفسها التي عاشها ويعيشها أشقاؤهم في القطاع، مع احتفاظ "إسرائيل" بما تسميه حقَّها المشروع في الدفاع عن النفس، فتَرُد على كل عمل عسكري فلسطيني ضدَّها بضربات عسكرية مشابهة لتلك التي نفَّذتها ضدَّ قطاع غزة.

 

وفي مناخ كهذا، يمكن أن تتولَّى الولايات المتَّحِدة وساطة بين الطرفين (أو الدولتين) توصُّلاً إلى اتفاقيات (أمنية واقتصادية..) انتقالية، طويلة الأجل، يمكن أن تشتمل على اتفاقية (مؤقَّتة) لتشغيل وإدارة المعابر الحدودية بين الضفة والأردن، مشابهة لتلك الخاصة بمعبر رفح.

 

إذا حَدَثَ ذلك فسوف يتأكِّد، عندئذٍ، أنَّ هذا «الحلُّ» هو وحده الممكن واقعياً الآن، والذي، بحُكم منطقه، لا يحتاج لا إلى مفاوضات سلام، ولا إلى اتِّفاق على حلٍّ نهائي لمشكلات «اللاجئين» و«القدس الشرقية» و«الحدود»..

 

وعندئذٍ، أيضاً، ستشتد لدى الفلسطينيين الحاجة إلى مزيدٍ من «التحرير» لدولتهم من خلال عقد مزيدٍ من الاتفاقيات الانتقالية بينها وبين "إسرائيل" عبر وساطة الولايات المتحدة وغيرها.

 

في هذا الحل، وبه، تأخذ "إسرائيل" كل ما لها مصلحة حقيقية في أخذه، معطيةً الفلسطينيين كل ما تحتاج إلى التخلُّص منه!

 

لقد حرص قادة فلسطينيون رسميون (من السلطة والمنظمة) على تأكيد وتوضيح أنَّ فكرة إعلان قيام دولة فلسطينية (في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة) من طرف واحد (أي من جانب منظمة التحرير الفلسطينية) ليست بفكرة فلسطينية؛ بل هي تشويه إسرائيلي متعمَّد لحقيقة المساعي الفلسطينية الجديدة، والتي تستهدف، فحسب، إنقاذ ودعم «حل الدولتين» من خلال قرار جديد يُصْدِره مجلس الأمن الدولي، ويُعْلِن فيه اعترافه بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، عاصمتها القدس الشرقية، وإقليمها يشمل كل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها "إسرائيل" في حرب يونيو 1967.

 

ويمكن أن يضيف الفلسطينيون سبباً آخر لصدق قولهم إنَّهم لا يعتزمون إعلان قيام دولة فلسطينية من طرف واحد، هو أنَّ المنظمة قد أعلنت قيام تلك الدولة من قبل (في الجزائر سنة 1988).

 

ولكن، هل هذا يعني أنَّ المنظمة لن تُعْلِن قيام الدولة الفلسطينية إلاَّ بعد، ومن خلال، اتفاق تفاوضي، في هذا الشأن، تتوصَّل إليه مع "إسرائيل"؟

 

كلاَّ، لا يعني، فالمنظمة (وهنا يكمن الجديد المُحْتَمَل في الإستراتيجية الفلسطينية التي لم تكتمل وضوحاً بعد) ما عادت تَنْظُر إلى إعلانها قيام الدولة الفلسطينية على أنَّه أمر يجب أن يكون محل تَفاوُض واتِّفاق مع الإسرائيليين، معتبرةً، في الوقت نفسه، أنَّ إعلاناً كهذا لن يكون معادِلاً في معناه لإعلان قيام دولة فلسطينية من طرف واحد، فمجلس الأمن، وبحسب التوقُّع الكامن في المسعى الفلسطيني الجديد، والمدعوم عربياً على ما يقال فلسطينياً، سيُصْدِر قراراً يُعْلِن فيه اعترافه بدولة فلسطينية (كتلك التي يريدها الفلسطينيون) فتُعْلِن المنظمة، فوراً، أو بعد حين، قيام تلك الدولة، التي تتمتَّع بشرعية دولية، مُسْتَمَدة من هذا القرار الدولي الجديد.

 

وبهذا المعنى، يصبح «الإعلان الفلسطيني» بعيداً كل البعد عن «الأُحادية»، ولا يمكن تصويره على أنَّه إعلان لقيام دولة فلسطينية من طرف واحد.

 

إذا تحقَّق هذا الأمر الثاني، بعد تحقُّق ذاك الأمر الأوَّل، يصبح ممكناً بدء مفاوضات سلام جديدة بين الطرفين، تقوم على إستراتيجية تفاوضية جديدة، فإذا كانت «القديمة»، والتي انتهت إلى ما انتهت إليه من فشل وإخفاق، تقوم على مبدأ التفاوض المباشِر بين المنظمة والحكومة الإسرائيلية، توصُّلاً إلى اتِّفاقية سلام وحل نهائي، تقام بموجبها دولة فلسطينية، فإنَّ «الجديدة»، والتي لم ترَ النور بعد، إذا ما رأته، تقوم على مبدأ التفاوض المباشِر بين «الدولتين»، توصُّلاً إلى اتِّفاقية سلام وحل نهائي، تُرسَّم بموجبها الحدود الرسمية النهائية بين الدولتين (والتي يمكن أن تُعدَّل تعديلاً طفيفاً، وأن يشتمل الاتِّفاق الخاص بها على تبادل للأراضي). وبموجبها أيضاً تُسوِّى وتُحل قضايا النزاع المختلفة بين «الدولتين».

 

«المسار»، بحدِّ ذاته، جيِّد، فالإستراتيجية التفاوضية الفلسطينية يجب «تعريبها» أوَّلاً، ثمَّ يجب حشد القوى الدولية، توصُّلاً إلى إقناع، أو اقتناع، إدارة الرئيس أوباما بأنَّ لها مصلحة حقيقية في عدم استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار، وفي جعله، بالتالي، يَصْدُر عن مجلس الأمن، الذي سيصبح، بالتالي، مُلْزَماً بالعمل على جعل الدولة الفلسطينية حقيقة واقعة، من خلال رفع الاحتلال الإسرائيلي عن أراضيها، إنْ بمفاوضات جديدة، أو بضغوط دولية على "إسرائيل" لحملها على التفاوض في طريقة مجدية، أي في طريقة تسمح بتنفيذ القرار الدولي الجديد، وتوقيع معاهدة سلام بين الدولتين.

 

إذا نجح الفلسطينيون والعرب، ومعهم قوى دولية، في حَمْل إدارة الرئيس أوباما على أن تقف موقفاً إيجابياً (بما يكفي) من هذا المسار، ومن الجهود المبذولة لاستصدار القرار الدولي الجديد، فإنَّ انعطافة سياسية وإستراتيجية كبرى سيعرفها النزاع بين الفلسطينيين و"إسرائيل".

 

وأخشى ما يخشاه الفلسطينيون أنْ تأتي هذه الانعطافة بما يجعل الدولة الفلسطينية، إذا ما ارْتُكِب خطأ التسرُّع في إعلان قيامها، غير مختلفة جوهرياً، ومن الوجهة الواقعية، عن«الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقَّتة»، والتي يمكن أن يَعْرِف إقليمها في الضفة الغربية من الحصار ما عرفه، ويعرفه، إقليمها الآخر، أي قطاع غزة، ف"إسرائيل"، وفي ردٍّ منها «معتدل» العنف والشدة والحدَّة، يمكن أن تجعل إقليم الدولة الفلسطينية (المُعْلَنة) في الضفة الغربية محاصَراً من الغرب بـ «الجدار الأمني»، ومن الشرق باحتلالها العسكري لكل حدود الضفة الغربية مع الأردن، وكأنَّ هذا «المسار الجديد»، والجيِّد، من حيث المبدأ، لم يبدأ إلاَّ لينتهي (من الوجهة الواقعية) إلى «الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقَّتة»، والتي يكفي أن تظهر إلى حيِّز الوجود حتى لا يبقى لدى الفلسطينيين من خيار لاستكمالها، أرضاً، وعاصمةً، وسيادةً، واستقلالاً، وأمناً، إلاَّ خيار التفاوض المباشِر، مع وساطة وسطاء دوليين في مقدَّمهم الولايات المتحدة.

 

صحيفة الوطن القطرية