خبر استهداف المساجد في فلسطين.. بقلم علي بدوان

الساعة 08:16 ص|13 أكتوبر 2010

استهداف المساجد في فلسطين.. بقلم علي بدوان

صحيفة الوطن القطرية

جاءت الجريمة الصهيونية الجديدة التي نفذتها مجموعات من قطعان المستوطنين الصهاينة الذين أقدموا على إحراق مسجد الأنبياء في قرية (بيت فجار) المجاورة لمدينة بيت لحم يوم الثاني من أكتوبر الجاري، في سياق المسلسل المتتالي من الاعتداءات اليومية التي تقوم بها عصابات المستوطنين على مساجد عموم مناطق القدس والضفة الغربية، وحتى داخل المناطق المحتلة عام 1948 حيث امتدت يد الاحتلال لتطال المقدسات الإسلامية والمسيحية هناك، خصوصاً في القرى الـ (450) المدمرة منذ عام النكبة، حيث تحول العدد الأكبر من المساجد فيها وعلى أنقاضها الى (حانات وبارات) تديرها مجموعات سياحية حكومية صهيونية، أو الى كنس يهودية في أحسن الأحوال.

أمثلة ونماذج حية

ففي مدينة صفد شمال في فلسطين على سبيل المثال، فقد كان فيها قبل النكبة ( 14) مسجداً، تم تدميرمعظمها بالكامل، أما ما تبقى منها وعددها خمسة مساجد فقط، فكان مصيرها الزوال أو التحوير، ومنها (المسجد الأحمر) الذي بناه الظاهر بيبرس وهو معلم اثري وديني، وقد تم بيعه من قبل سلطات الاحتلال لجمعية يهودية حولته الى مرقص وناد ليلي. أما (مسجد اليونس) ويقع وسط مدينة صفد، فقد بات بعد النكبة معرضاً للرسوم والتماثيل. أما مسجد (الغار) وكان من اشهر المساجد في مدينة صفد فقد تحول الى كنيس يهودي، كما ان (مسجد حارة الجورة) هو الآخر تحول الى كنيس يهودي.

وفي مدينة حيفا وقضائها كان في قرية (طيرة الكرمل) مسجدان الأول هدم بالكامل والثاني تحول الى كنيس. أما قرية عين حوض التي تحولت بأكملها الى قرية للفنانين اليهود فقد ضاع مسجدها ولم يبق له اثر. وفي بلدة قيساريا فقد تحول مسجدها الى مطعم وخمارة تدل عليها مئذنة ما زالت تدل على قبح الجريمة.

وفي مدينة عكا مازال مسجد (الجزار) مغلقًا ومهملاً ويتعرض منذ عام النكبة لاعتداءات الصهاينة خصوصاً المتطرفين منهم. بينما تحول (مسجد البرج) تحول الى مؤسسة للطلبة الجامعيين اليهود.

وفي مدينة طبريا بقي مسجدان (المسجد الزيداني) الذي يعتبر روعة فنية جمالية وهندسية فما زال هو الآخر مغلقًا ومهملًا، وهو كحال ( مسجد البحر) الذي حولته سلطات الاحتلال الى متحف. أما في مدينة يافا فهناك (مسجد روبين) حيث قام متطرفون يهود بتفجير مئذنته مما أدى إلى زعزعة جدرانه حتى بات مهجورًا.

كما أن مساجد قرى قضاء القدس لم تسلم بدورها من سياسات الاحتلال، ومنها مسجد عمر بن الخطاب، ومسجد دير ياسين، ومسجد عكاشة في القدس الغربية الذي حولته سلطات الاحتلال الى مخزن وتعرض للإهمال وأصبح محيطه المكان الأنسب لليهود لإلقاء القمامة.

وكان قرار حكومة نتانياهو الصادر قبل عدة أشهر، والمتعلق بالحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل ومسجد بلال بن رباح في مدينة بيت لحم، وقبر يوسف في نابلس، بضمها لقائمة مايسمى بـ «المواقع التراثية للشعب اليهودي»، ورصد أكثر من (300) مليون دولار من أجل ما يسمى «تطويرها حفاظاً على التراث اليهودي» قراراً عميقاً، يحمل في طياته ماهو مخفي في سيرة الدولة العبرية الصهيونية، التي باتت تشعر بأمس الحاجة لإنتاج «تراث يهودي، وهوية يهودية»، على أرض فلسطين، ولو من باب الاصطناع، وان اقتضى الأمر ممارسة لعبة تزييف التاريخ، ومحو الحقيقة القائمة على الأرض، وتغيير معالمها.

وقد جاء القرار الاسرائيلي المشار اليه في سياقات معلومة من سياسات الاحتلال التي مورست عملياً على امتداد ارض فلسطين منذ عام النكبة، في مسار المساعي الصهيوني لخلق «تاريخ وتراث يهودي» على أنقاض التاريخ العربي والإسلامي في فلسطين، يبرر ويقرر ويعزز الرواية الصهيونية، فتم الاستيلاء على المواقع الإسلامية كالمساجد والمزارات والأوابد الإسلامية، وحتى المقابر في كافة مدن وقرى فلسطين المحتلة عام 1948، وتم تحويلها غالبيتها إما لمواقع استيطانية تهويدية، أو لمواقع وكنس يهودية، وحتى تم تحويل بعضها الى «مراقص وملاعب وحانات»، وإلغاء وطمس بعضها من كتب التاريخ والذاكرة الفلسطينية والعربية والإسلامية مثل مقبرة (مأمن الله) في مدينة القدس، ومزارات حيفا وطبريا ويافا وقيسارية ومساجدها العريقة.

استهداف مساجد قرى الضفة الغربية

وعليه، لم تكن عملية إحراق مسجد الأنبياء في قرية بيت فجار سوى عمل متوالي في سلسلة السياسات والممارسات الاسرائيلية الصهيونية التي تناولت ومست المقدسات الإسلامية والمسيحية على حد سواء.

فقد جاءت عملية إحراق مسجد الأنبياء في قرية بيت فجار لتصبح العملية الثامنة عشرة من نوعها، حسب إحصاءات المستوطنين خلال الشهور القليلة الماضية، وهو ما رأى فيه المتابعين مؤشراً على وجود عمل منظم ومؤسس لدى المستوطنين لاستهداف المساجد في مختلف مناطق القدس والضفة الغربية، خصوصاً في القرى القريبة من المستعمرات المقامة، وهو ماحصل بالفعل مع قيام عشرات المستوطنين من مستوطنة (مجدل عوس) قرب بيت لحم، باقتحام مسجد الأنبياء في قرية بيت فجار، وذلك في ساعات الفجر الأولى، وقاموا بإحراق قسماً من السجاد وعدداً من المصاحف فيه، وكتبوا عبارات وشعارات تحرض على قتل الفلسطينيين وتسيء إلى مشاعرهم الدينية.

وسبق العمل الهمجي الإسرائيلي الصهيوني الأخير بحق قرية بيت فجار، قيام المستوطنين بالاعتداء على مسجد بلدة اللبن الشرقية جنوب مدينة نابلس صباح الرابع من مايو الماضي، ليعيد الى الأذهان مسلسل التعديات وعمليات إرهاب الناس والمواطنين الفلسطينيين، والمس بالمقدسات التي تقوم بها وتنفذها عصابات المستوطنين. حيث جاءت جريمة إحراق مسجد اللبن الشرقية بعد أقل من شهرين من إحراق مسجد حسن الخضر الكبير في بلدة ياسوف قرب مدينة نابلس في الضفة الغربية، حين استهدفته مجموعة من عصابات المستوطنين التي قامت بإحراق أجزاء كبيرة منه ، بعدما حطمت الباب الرئيسي للمسجد وسكبت مادة البنزين داخله، وقد التهمت النيران مكتبة المسجد الخاصة بالمصاحف بالكامل، وأجزاء من السجاد، قبل أن يهب أهالي القرية بإطفاء النار.

كما جاءت جريمة إحراق مسجد بلدة اللبن الشرقية بعد إحراق مسجد بلدة ياسوف في هذا التوقيت بالذات، كرسالة واضحة وفصيحة وإضافية الى المتفاوضين في إطار المفاوضات المباشرة، فضلاً عن كونها رسالة للمبعوث الأمريكي السيناتور جورج ميتشل المتواجد بشكل متتال في المنطقة.

وكان مستوطنون قد أحرقوا في أوقات سابقة مساجد في قرى اللبن وبورين بشمال الضفة الغربية، وقبل ذلك الاعتداء على (مسجد الراس) في مدينة الخليل بكتابة الشعارات العنصرية، في مسلسل بدأ في الأراضي الفلسطينية بهدم المساجد عام 1948، وحرق المسجد الأقصى عام 1969 كما أطلق المستوطنون اليهود حملة جديدة لهدم مسجد سلمان الفارسي في قرية بورين جنوب مدينة نابلس في شمال الضفة الغربية، وشارك المئات منهم في مسيرات بمحيط المسجد للمطالبة بهدمه.

ان مسلسل الاعتداء على المساجد في قرى الضفة الغربية والقدس، يكشف حقيقة عن وجود مخطط متواصل لاقتراف أعمال كهذه، فالمستوطنون دنسوا عدة مساجد في المنطقة خلال الشهور الماضية، في مؤشرات تشي بوجود منظمة إرهابية يهودية تستهدف المساجد خصوصا في محافظة نابلس. فيما الموقف الرسمي لحكومة نتنياهو لا يتعدى التحقيق والاستنكار، ومع أنها قامت أحيانا باعتقالات في صفوف المستوطنين فإنها تتساهل معهم.

وبالتأكيد فان السلوك الأخير لعصابات المستوطنين الصهاينة، يشكل الآن حالة من التحدي للمفاوضات المباشرة وللساعي الأمريكي العاجز عن اتخاذ موقف جدي بشأن عمليات التهويد والاستيطان، كما يشكل حالة تحدي إضافية للجنة المتابعة العربية ولقمة سرت الاستثنائية التي يفترض بها أن تقف أمام وقائع ماجرى خلال الفترة القليلة الماضية من عمر المفاوضات المباشرة وغير المباشرة على مسارها الفلسطيني ــ الإسرائيلي.

تغطية ورعاية رسمية

وبالتأكيد وكما تشير الوقائع الملموسة، فان إرهاب المستوطنين الصهاينة ليس بعيداً عن رعاية ومتابعة مصادر القرار العليا في الدولة العبرية الصهيونية، وليس بعيداً عن حماية جيش الاحتلال، خصوصاً وأن هناك مايزيد على نصف مليون مستعمر منهم فوق الأرض المحتلة عام 1967، وبيدهم أكثر من نصف مليون قطعة سلاح آلية فردية.

إن الشواهد والدلائل كثيرة، التي تشير لقيام جيش الاحتلال بتوفير الحماية والغطاء لممارسات عصابات المستوطنين ضد أبناء الشعب الفلسطيني ومقدساته في عموم فلسطين، ولنا أكثر من مثال حي على ذلك، منها مايحدث في قلب مدينة الخليل على سبيل المثال من خلال قيام أربعمائة مستوطن يقيمون داخل احد إحياء المدينة بتنكيد حياة واستقرار أكثر من مائتي ألف مواطن فلسطيني من سكان المدينة، وذلك تحت رعاية وحماية وإسناد جيش الاحتلال.

في هذا السياق، لا بد من القول أن مواجهة المخاطر اليومية التي تصيب الإنسان والأرض والمقدسات في فلسطين، يجب أن تواجه بسياسة عربية وإسلامية مغايرة للسياسات الرسمية العربية المعلنة والمستندة لبيانات التنديد والشجب والاستنكار فقط، سياسة تضمن اتخاذ خطوات فعالة لكسر وشل يد الإرهاب الفاشي الصهيوني، وتفضي باتجاه اتخاذ خطوات عملية جادة انتصارًا لله ولبيوت الله التي تُدنَّس وتُحرَق تحت سمع العالم وبصره.

وعليه، فان المواقف العملية تنتظر منظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية وعموم الهيئات والمؤسسات العربية والدولية، لإعلاء الصوت والتحرك والتضامن مع الشعب الفلسطيني في الدفاع عن مقدساته الوطنية، ومن اجل دفع المجتمع الدولي للتدخل من أجل توفير الحماية للشعب الفلسطيني ولمقدساته الإسلامية والمسيحية. إن بيانات الاستنكار والشجب لم تعد هي الحل ولا الوسيلة الناجعة في مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر، وردع الاستيطان والمستوطنين، وإنما الحاجة ماسة إلى تعبئة ميدانية فلسطينية واسعة النطاق تعامل المستوطنين بالمثل تحت غطاء سياسي يضع الكرة بكل قوة في ملعب المجتمع الدولي ليقوم هو أيضاً بتحمل مسؤولياته القانونية في حماية الفلسطينيين الذي يعيشون تحت الاحتلال، وفي ظل شعب واحد وموحد وقد تجاوز محنة الانشقاق وما ترتب عليها من انتهاكات لأبسط الحقوق الفلسطينية الفردية والجماعية وبأيد فلسطينية، الأمر الذي جرأ قطعان المستوطنين على ارتكاب جرائمهم الشنيعة.