خبر إسرائيل والجولان: نتانياهو يتقدم بخريطة وهمية .. بقلم علي بدوان

الساعة 09:40 ص|06 أكتوبر 2010

 

إسرائيل والجولان: نتانياهو يتقدم بخريطة وهمية .. بقلم علي بدوان

يوم السبت الماضي الثاني من اكتوبر 2010، وفي جولة ميدانية مباشرة على امتداد مناطق القطاع الشمالي من هضبة الجولان السورية من الجانب غير المحتل منها، وبالقرب من بلدتي (جباتا الخشب، وحضر) المقابلتين لبلدة (مجدل شمس) المحتلة والواقعة على منحدرات سفوح جبل الشيخ، قيض لي أن أرى بنفسي ومن جديد وللمرة الألف، الموقع الفريد للجولان بالنسبة لفلسطين ولقضايا الصراع مع دولة الاحتلال الصهيوني.

فهضبة الجولان التي تطل على شمال فلسطين مباشرة، ويفصلها عنها الحفرة الانهدامية الكبيرة التي تعتبر المصرف المائي للأمطار والمياه المنحدرة من سفوح الجولان، تشكل موقعاً جيوستراتيجياً فريداً من نوعه، كما تشكل بخيراتها المادية الزراعية والمائية خزاناً لاينضب. فضلاً عن وجود جبل الشيخ في زاويتها الشمالية الغربية، ومايشكله هذا الجبل وتلاله المختلفة، من عين راصدة تستطيع أن تراقب مساحات كبيرة ومسافات بعيدة في كافة الاتجـــاهات من لبـــنــان وســـوريا وفلسطين.

هذا الحديث عن الجولان، وعن رحلتي الجولانية التي تمت يوم السبت الماضي، وهي ليست بالرحلة الأولى، تدفعني للحديث عن التسريبات المتتالية التي بدأت تروج لها بعض الدوائر في الولايات المتحدة، ومن داخل إسرائيل بشأن إمكانية إقلاع قاطرة المفاوضات المتوقفة على المسار التفاوضي السوري ـ الإسرائيلي. بالرغم من كونها ليست بالتسريبات التي تتم للمرة الأولى، لكن الجديد فيها أن الولايات المتحدة تريد من خلال التسريبات إياها، إعادة إنتاج (لعبة المسارات) التي طالما مارستها الإدارتان الأميركيتان السابقتان (إدارة ببل كلينتون، وادارة بوش الابن) أثناء السنوات الماضية من عمر المفاوضات في المنطقة.

حيث من المعروف أن المفاوضات التي ترافقت على المسارين الفلسطيني والسوري مع إسرائيل خلال النصف الثاني من عقد التسعينيات من القرن الماضي، شهدت ألاعيب تكتيكية إسرائيلية تحت غطاء أميركي، وقد مورست لأغراض الضغط على الجانب الفلسطيني عبر إيهامه بوجود تسارعات وانجازات على المسار السوري، لدفعه للقبول بما كان مطروحاً عليه من الجانب الإسرائيلي، وتخويــفه من بقـــائه معزولاً خارج اللعبة التفاوضية في ظل انجاز حلول ملموسة على المسار السوري.

وبالفعل نجحت التكتيكات والألاعيب الإسرائيلية الأميركية المشار إليها في توليد (لهفة) الاستعجال و(السلق) عند الطرف الفلسطيني في لحظات معينة.

ومع هذا، فإن التكتيكات والألاعيب الإسرائيلية في لعبة المسارات، والتغطية الأميركية لها، سرعان ما انكشفت بعد انهيار المفاوضات السورية الإسرائيلية في شبيزداون نهاية عام 2000م. التي لم تقم لها قائمة من حينها إلا بعد إقلاع القناة الخلفية التركية، التي أثبتت الوقائع بأنها لم تكن سوى قناة (إشغال وتعبئة فراغ) سياسي لا أكثر ولا أقل.

عود على بدء والقناة التركية

عند الكشف عن المفاوضات غير المباشرة والرسمية بين إسرائيل وسوريا بوساطة تركية، تصاعد النقاش لدى المستوى السياسي داخل الدولة العبرية الصهيونية، حيث انقسم طرفا النقاش بين من يعتقد بأن المفاوضات مع دمشق جادة وتشكل شق طريق نحو سلام مع سوريا، وبين من شكك بذلك، خصوصاً وأن المعارضة الإسرائيلية في حينها وعلى رأسها بنيامين نتانياهو كانت لاترى بالمفاوضات مع سوريا سوى محاولة من رئيس الوزراء السابق ايهود أولمرت للتغطية على فضائح الرشاوى التي لوحق بها، وأن سوريا أرادت المفاوضات أيضاً للوصول إلى الولايات المتحدة وإغلاق الملفات السياسية المثارة بوجهها من لبنان إلى العراق، معتبرةً بأن سوريا ليست ناضجة بعد للدخول في عملية سلام حقيقية، وهي ترغب في أقصى الأحوال بزاوية دافئة فقط على كتف أميركية.

وبالفعل، ففي تلك الأثناء كان ايهود أولمرت مصراً على مواصلة المفاوضات بشكل مترافق على المسارين الفلسطيني والسوري لأسباب داخلية استعمالية بالدرجة الأولى، حيث واجه عاصفة من الاتهامات والملفات المرفوعة ضده بشبهة حصوله على رشاوى مالية.

ونتيجة للضباب الذي خيم على مجرى ومسار المفاوضات غير المباشرة السورية الإسرائيلية عبر القناة التركية في استانبول، ومع أن ما كان متوافراً من معلومات عن درجة التقدم فيها كان شحيحاً، باستثناء الانطباعات الايجابية التركية، فان المصادر الإسرائيلية المعنية بالقضايا الأمنية عملت ناشطة بدورها في وقتها على تقديم معلومات مشوشة أحياناً، ومغلوطة في آن واحد، كما عملت على إثارة مناخات من الالتباس تجعل من الصعوبة بمكان إعطاء التقديرات الصحيحة لمدى النجاحات حال تم انجاز تقدم ما بالنسبة للعناوين المطروحة على طاولة المفاوضات غير المباشرة، خصوصاً منها المسائل التي باتت منذ فترة طويلة تشكل عقبة كأداء على طريق المفاوضات بين الطرفين منذ اصطدامها بالجدار السميك في مفاوضات شبيرزداون في الولايات المتحدة نهاية العام 2000، وتحديداً بالنسبة لمستوجبات قرارات الشرعية الدولية، ولمبدأ الانسحاب الشامل، وضرورة الإقرار الإسرائيلي بوديعة رابين كما تطالب سوريا.

ومن بين الضباب والتعتيم، صدرت في حينها تقديرات متضاربة لشعبة المخابرات العسكرية الإسرائيلية المسماة بـ (أمان)، ومن بين تقديراتها الأكثر تواتراً، كان تأكيدها بأن احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل ضئيلة جداً، وأن سوريا تلعب بورقة المفاوضات لتحقيق جملة من الأغراض دفعة واحدة، خصوصاً وأن سوريا نفسها تعلم بأن الإدارة الحالية في الولايات المتحدة مؤيدة بقوة لإسرائيل.

ومع ذلك، فعلى الرغم من التقديرات المتشائمة لشعبة الاستخبارات العسكرية بخصوص احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي سوري عبر القناة التركية، فإن قيادة الجيش الإسرائيلي، وفي مقدمها رئيس أركانه غابي أشكينازي، أيدت من وقتها ومازالت تؤيد بصورة مطلقة إجراء مفاوضات مع سوريا لأن من شأنها وفق وجهة نظرها أن تخفف التوتر عند الحدود بين الجانبين وبين إسرائيل ولبنان كما أشار الجنرال غابي أشكينازي أكثر من مرة، معتبراً أن مجرد إجراء اتصالات مع سوريا سيأتي إسرائيل بفائدة اكبر من دونها حيث ستفضي قبل كل شيء إلى تقليل التوتر في الجبهة الشمالية.

وعليه، فقد قيل إسرائيليا أثناء تلك المفاوضات غير المباشرة عبر القناة التركية، بأن العملية السياسية بين إسرائيل وسوريا تهدف إلى إخراج دمشق من دائرة القتال عند الجبهة الشمالية لإسرائيل ودفعها إلى قطع علاقاتها مع إيران وحزب الله، كذلك قيل ان المفاوضات ستزيل التخوفات السورية من أن إسرائيل تستعد لمهاجمتها، وستقلص احتمالات قيام سوريا بالرد بطريقة ما على الغارة الإسرائيلية وتدمير منشأة دير الزور السورية في سبتمبر 2008، أو على اغتيال القيادي في حزب الله، عماد مغنية، في قلب دمشق في فبراير 2008. بينما قدر جهاز الأمن الإسرائيلي المسمى بـ (الشاباك) وهو الذراع الثانية في أجهزة الأمن الإسرائيلية بعد الاستخبارات العسكرية (أمان) بأن عملية تفاوض متواصلة مع سوريا ستساعد على إخراج سوريا من محور الشرّ وفك ارتباطها بإيران .

ومن الواضح أن تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، تبلورت خلال مداولات ومشاورات، ومستندة إلى الرأي الذي يقول : ان سوريا مهتمة بمواصلة المفاوضات لأسباب تتعلق بملفات ثانية تعمل على حلحلتها، وصولاً إلى إدخال الولايات المتحدة إلى قلب العملية التفاوضية بينها وبين إسرائيل بعد شطب اسمها من قائمة (الدول المارقة) والحصول على مكاسب اقتصادية .

جديد الولايات المتحدة والحديث عن خرائط نتانياهو

في هذا السياق، ان بعض مواقع القرار في الولايات المتحدة، ترى الآن في الوقت الراهن، أن هناك أهمية كبرى لإعادة إقلاع وتنشيط المسار التفاوضي بين الدولة العبرية وسوريا، منطلقة من أنه دون اتفاق إسرائيلي ـ سوري لا يمكن التوصل الى السلام بين إسرائيل والدول العربية. وان عودة عملية المفاوضات الى المسار إياه ستؤدي الى إضعاف محور التطرف على حد زعمها، وتقليص التأييد السوري لـحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وحزب الله اللبناني، و يساعد في تعزيز السيادة اللبنانية، ويضمن الأمن على الحدود السورية ـ العراقية. والأهم من هذا كله أن هذا الحوار سيساهم في إبعاد سوريا عن أحضان إيران.

وعليه، تشير بعض المصادر المطلعة الى أن الولايات المتحدة تعمل على (تحسس) إمكانية دفع مفاوضات التسوية على المسار التفاوضي السوري ـ الإسرائيلي، وبأنها (أي الولايات المتحدة) أوفدت بالفعل رسولاً من طرفها (تبين أنه فريدريك هوف مساعد جورج ميتشل) حاملاً مقترحات جديدة بشأن تسوية النقاط الشائكة مع سوريا، وتستند المقترحات على حل يقوم على مرحلتين في الجولان، تبدأ المرحلة الأولى بانسحاب إسرائيلي محدود، مترافقاً مع بناء الثقة من خلال استخدام مشترك للمتنزهات والمحميات الطبيعية ومصادر المياه في الجولان، فيما تقضي المرحلة الثانية بانسحاب إسرائيل إلى الخط الحدودي المقترح بحيث يتيح لإسرائيل الوصول إلى الحدود الشرقية لبحيرة طبرية مثلما كانت تطالب بذلك إسرائيل في مفوضات شبيرزداون التي اصطدمت بالحائط المسدود عام 2000م.

وكانت مصادر إعلامية إسرائيلية قد كشفت مؤخراً، واستناداً لمصادر سياسية، النقاب عن تلقي سوريا لمقترحات إسرائيلية جديدة عبر القناتين الأميركية والفرنسية، عندما زار دمشق كل من جورج ميتشل دمشق يوم السابع عشر من سبتمبر الماضي، والمبعوث الفرنسي جان كلود كوسران في الثالث عشر من الشهر نفسه، متضمنة خريطة جديدة للانسحاب الاسرائيلي من هضبة الجولان، أعدها وعمل على انجازها بنيامين نتانياهو بمعرفة الجنرال أيهود باراك.

ووفقاً لخريطة نتانياهو، ينسحب الجيش الإسرائيلي من الجولان حتى الخط المعروف بـ (خط التلال)، وينطوي الانسحاب حتى هذا الخط على مغزى إسرائيلي معين، إذ يُعتبر من الناحية السياسية انسحاباً كاملاً من الهضبة، ومن معظم مستوطنات الجولان، أما من الناحية العسكرية فيُبقي الانسحاب الإسرائيلي حتى هذه النقطة خياراً تكتيكياً في يد إسرائيل، وهو السيطرة العسكرية على الهضبة مجدداً بسرعة فائقة نسبياً، إذا انهارت التسويات السياسية والعسكرية، التي يتم تحديدها بين دمشق وتل أبيب. غير أن هذا الانسحاب لن يشمل في هذه المرحلة المنطقة، التي يقع بتا جبل الشيخ، حتى تتمكن إسرائيل عندئذ من السيطرة على نقاط المراقبة وآليات العمل الاستخباراتية، الممتدة من هضبة الجولان، حتى العاصمة السورية دمشق.

كما أن إسرائيل لن تنسحب في هذه المرحلة أيضاً من جنوب الهضبة، لتواصل السيطرة على منحدر خط التلال، من الشمال الشرقي وحتى الجنوب الغربي لهضبة الجولان، مما يحول دون عبور القوات السورية للموانع الطبيعية في تلك المنطقة، سيما في ظل وجود منحدرات صخرية حادة في الجزء الجنوبي من هضبة الجولان باتجاه الأردن غرباً، وباتجاه نهر اليرموك جنوباً.

وتشير المصادر ذاتها، الى أن بنيامين نتانياهو، ربط بين خريطته وبين قبول سوريا وضع حد لتحالفها السياسي والعسكري مع إيران، ووقف تأييده السياسي والعسكري أيضاً لحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، وبقية من وصفها نتانياهو بالتنظيمات الفلسطينية الارهابية، التي تمارس نشاطها السياسي في العاصمة السورية.

وبالفعل فقد فاجأ المبعوث الأميركي جورج ميتشل الجميع، عندما قال في تصريحات تلت زيارته الأخيرة لدمشق أن الفرصة سانحة أكثر من أي وقت مضى للتفاوض الإسرائيلي مع القيادة السورية مما أعطى انطباعاً لدى المراقبين في واشنطن، وربما في تل أبيب أيضاً، بوجود آليات جديدة قد يكون لها بالغ الأثر في دفع المفاوضات على المسار السوري ـ الإسرائيلي الى الأمام.

ومايهمنا من كل ذلك، إعادة التأكيد بأن خريطة نتانياهو التي يجري الآن (التهامس) بالحديث بشأنها، لاتحمل جديداً عل الإطلاق، فهي تعيد إنتاج البضاعة الإسرائيلية القديمة، وتحاول إعادة تسويق (وهم) الحل على مرحلتين في الجولان، وهي بضاعة سبق وأن رفضتها سوريا عشرات المرات، مادامت لاتحمل الجديد، الذي ينص صراحة على الانسحاب الإسرائيلي الشامل والتام من كامل الجولان السوري المحتل.

والى حينها، فان ملف المفاوضات السوري ـ الإسرائيلي، سيبقى في ثلاجة السبات العميق، ولن ينقذه من سباته سوى حدوث تحول حقيقي في الموقف الأميركي قبل الموقف الإسرائيلي استناداً لقرارات ومرجعية الشرعية الدولية.