خبر الساحة السياسية الجديدة وتدويل اسرائيل.. اسرائيل اليوم

الساعة 07:38 م|04 أكتوبر 2010

بقلم: دوري غولد

فور نهاية حرب الاستقلال تعرض دافيد بن غوريون لجملة ضغوط حول مستقبل القدس. قبل ذلك، في 1947، تبنت الجمعية العمومية للامم المتحدة قرار 181 الشهير بـ "مشروع التقسيم". هذا المشروع، اضافة الى دعوته اقامة دولتين في اراضي الانتداب البريطاني، اوصى ايضا بوضع القدس تحت سيطرة الامم المتحدة كـ "كيان منفصل" (Corpos Seperatum).

القرار لم يكن ملزما من ناحية قانونية، ورفضته الدول العربية. الامم المتحدة لم تنشىء ابدا نظاما خاصا في القدس ولكنها واصلت الاصرار على اقامته، وذلك، رغم انها لم تبعث بالقوات لانقاذ البلدة القديمة حين بدأت التقارير عن ان الكنس العتيقة تهدم بمنهاجية. في هذه المرحلة، ايدت حكومة الولايات المتحدة ايضا تدويل المدينة.

ومع ذلك، في خطاب في الكنيست في 5 كانون الاول 1949، رفض بن غوريون اقتراح التدويل رفضا باتا. واستعرض الاحداث في اثناء حرب الاستقلال وشرح كيف أن الامم المتحدة لم تحرك ساكنا عندما حاولت الجيوش العربية الغازية تدمير القدس. وكان هذا فقط بفضل جهود الجيش الاسرائيلي، الذي اقيم لتوه، أن ازيل الحصار عن القدس ونجا ما تبقى من السكان.

وأعلن بن غوريون بان اسرائيل لم تعد ترى في قرار 181 ساري المفعول اخلاقيا بالنسبة للقدس.

بعد أربعة ايام من ذلك ردت الجمعية العمومية للامم المتحدة بالاصرار على ان على القدس أن تكون تحت نظام دولي دائم. بن غوريون لم يخف وصرح في 13 كانون الاول 1949 بان الكنيست والحكومة ستنقلان مقريهما من تل ابيب الى القدس.

* * *

في منظور الستين سنة يمكن القول ان اقتراح التدويل فشل تماما. ومع ذلك، يبدو الان ان الاقتراح مرة اخرى على الطاولة. الاقتراح العلني قبل اسبوع لرئيس الوزراء السابق، ايهود اولمرت، بالنسبة للبلدة القديمة، بما في ذلك منطقة الحرم والمبكى تضمن "وصاية دولية".

حسب خطة اولمرت، التي لم تطرح على الاطلاق على البحث في الكنيست، فانه سيتعين على اسرائيل أن تتنازل عن سيادتها في الاماكن الاكثر قدسية للشعب اليهودي في المنطقة التي حظيت بقسم "الحوض المقدس" وتضمنت مناطق خارج البلدة القديمة، مثل المقبرة اليهودية العتيقة في جبل الزيتون.

كيف يمكن  أن تعود فجأة الفكرة التي أدت الى مصيبة منذ الايام الاولى للدولة الى جدول الاعمال السياسي بل وان يؤخذ بها في صيغ مختلفة في دوائر اخرى؟ ماذا حصل؟

هل هذا الاستعداد ينبع من نتيجة الاحساس بانه منذ حرب الايام الستة وتوحيد المدينة باتت اسرائيل اقل ثقة بحقوقها مما كانت في 1949؟

ليس لهذا الاحساس أي مبرر على الاطلاق. الاغلبية اليهودية عادت الى القدس منذ 1863، هكذا حسب القنصل البريطاني في القدس في تلك الايام. بعد 1967 اشار رجال قانون دوليون كبار، مثل ستيفن شوفل، الذي عين لاحقا رئيس المحكمة الدولية في لاهاي، الى حقيقة أنه بينما احتل الاردن واحتفظ بالقدس كنتيجة لعدوانه في 1948، فان اسرائيل احتلت تلك المناطق في حرب دفاعية، ولهذا فان حقها فيها اكبر من حق المطالبين الاخرين في تلك الفترة.

اسرائيل دافعت عن حرية العبادة للاديان الثلاثة في القدس، في خلاف واضح مع حكامها السابقين، وعززن بذلك حقها الاخلاقي في السيادة على الاماكن المقدسة وعلى المدينة الموحدة. وحتى وان كان بعض من النخب السياسية في اسرائيل نسيت ما كان واضحا من تلقاء نفسه بالنسبة لابا ايبان وحاييم هيرتسوغ فليس في ذلك ما يمس بالحقوق التاريخية لاسرائيل.

لا يوجد أي اساس في الواقع لفرضية من هذا النوع. في العشرين سنة الاخيرة الرقابة الدولية في مناطق النزاع انتهت غير مرة بمصيبة.

في 1994 قوة دولية في روندا تشكلت اساسا من المظليين البلجيكيين الذين رابطوا للتأكد من تطبيق اتفاق السلام، انسحبت وتركت قبيلة التوتسي لافعال قتل الشعب. مجلس الامن في الامم المتحدة عرقل كل محاولة لخطوة فاعلة كان يمكنها أن توقف القتل. بعد سنة من ذلك، قوات السلام التابعة للامم المتحدة في البوسنة هجرت السكان المسلمين الذين كان يفترض بها ان تحميهم وكنتيجة لذلك ذبح الجيش البوسني – الصربي 7 الاف بريء.

منذ 2003 لا تنجح الامم المتحدة في وضع حد لقتل الشعب الجاري في دارفور على يد النظام السوداني كنتيجة لمصالح الدول العربية والصين. لا يوجد أي تطور جديد في الساحة الدولية يمكن ان يؤدي الى الاستنتاج بان "الوصاية الدولية" يمكنها حقا أن تنجح في حماية القدس بدلا من اسرائيل.

* * *

كيف يمكن جسر الهوة بين بن غوريون والاقتراحات التي تبرز اليوم في صالح التدويل داخل القدس. دولة اسرائيل في زمن بن غوريون كانت اضعف بكثير من دولة اسرائيل اليوم.

عدد سكان اسرائيل في العام 1948 بلغ اكثر بقليل من 800 الف نسمة فقط، ولكن كان لها شيء لشدة الاسف ينقص في اوساط اولئك المستعدين للتنازل عن السيادة الاسرائيلية في البلدة القديمة: لاسرائيل 48 كان ايمان قوي بعدالة طريقها – وهي بضاعة نادرة جدا في دوائر النفوذ في اسرائيل. ومع ذلك، فان استطلاعا إثر استطلاع في العقد الاخير تشير الى أن شعب اسرائيل بالعموم غير مستعد لتنازلات في القدس وفي الخصوص في الاماكن المقدسة للشعب اليهودي.

مشكلة اسرائيل هي انه عندما يطرح احد زعمائها  نظاما دوليا، فان الاسرة الدبلوماسية تقترض بان اسرائيل ستوافق على مثل هذه المخططات في المستقبل ايضا. بن غوريون نجح في أن يقف متينا في وجه الجمعية العمومية للامم المتحدة في  1949، لان العالم فهم بان القدس تشكل خطا أحمر لن توافق على الانسحاب منه.

أما اليوم فعلى اسرائيل أن تعيد التعريف وبشكل واضح لخطوطها الحمراء، والا تترك مجالا للشك بالنسبة لاستعدادها للاصرار على احد مبادئها الاساسية منذ قيامها.