خبر العلاقات العربية الصينية من خلال ملتقى التعاون..علي عقلة عرسان

الساعة 06:55 م|01 أكتوبر 2010

العلاقات العربية الصينية من خلال ملتقى التعاون..علي عقلة عرسان

 

العلاقات العربية الصينية تتقدم وتتطور، عبر منتدى التعاون العربي ـ الصيني الذي تأسس في نيسان/ إبريل 2004، وهي تقطع هذا العام شوطاً على طريق تحقيق بعض أهدافها، بعد أن اتخذ آخر اجتماع للوزراء في تيانجين يومي 13 و14 مايو/ أيار 2010 حيث أعلنا بصورة رسمية، إقامة علاقات تعاون استراتيجي بينهما تقوم على التعاون الشامل الوطيد والتنمية المشتركة، في إطار المنتدى، وهذا قرار له مغزاه وتبعاته ويلقي على كل منهما مسؤوليات كبيرة، إذا ما تحول القول إلى عمل، وانتقلت مجالات التعاون والتبادل إلى التقنيات العالية، والموارد البشرية، وقطاعات التنمية كافة. وهناك ما يشير إلى رغبة صادقة في تطوير التعاون وتبادل المنافع، وتلك الرغبة تترجم الآن في مجالات تجارية واقتصادية بالدرجة الأولى، وثقافية ثانياً أو ثالثاً، أما في السياسة فهناك حسابات مختلفة، وعلاقات متعددة لأطراف الكتلتين لا يمكن القفز فوق وقائعها. والسياسة حاكمة في مجالات.

إن هذا التعاون شيء مهم وجيد ومفيد، وهناك مؤشرات إيجابية جداً على تطوير العلاقات بأشكال وصيغ متعددة مع بعض الأقطار العربية على الخصوص، فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين الطرفين، من 36 مليار دولار عام 2004 عند تأسيس المنتدى إلى 132،8 مليار دولار في نهاية عام 2009. وخلال المدة من26 ـ إلى 28 من شهر أيلول/ سبتمبر 2010 عقد المؤتمر الاقتصادي التجاري الأول، مرافقاً بمعرض تجاري يتجدد سنوياً، وندوة حول الموارد البشرية، وتبادل الكفاءات والخبرات، والتبادل والتعاون في مجالات كثيرة. وكان عقد هذه النشاطات في مدينة يون شوان عاصمة مقطعة نينغيشا ذات الحكم الذاتي، حيث أقلية قومية هوي المسلمة، تحتل أحد مركز الاهتمام في لوقت الراهن.. وينطلق منها توجه صيني خاص نحو العرب والمسلمين في العالم بتخطيط من جمهورية الصين الشعبية التي قررت إقامة معرض دولي إسلامي دائم في المنطقة يكون فيه موقع لكل دولة، تستطيع أن تبني فيه ما يساعد على تقديم نفسها وخصوصياتها ونشاطاتها وإمكانيات التعاون والتبادل بينها وبين الدول الأخرى.

  ومنطقة نينغيشا هذه تقع في شمال الصين، على الحدود مع منغوليا.. وتفصلها عنها إلى جانب سور الصين سلسلة تمتد  من الشمال إلى الجنوب ، على عكس السلاسل الجبلية الصينية التي تمتد من الغرب إلى الشرق أو العكس. وهي سلسلة تحمي المنطقة من زحف الصحراء وزحف الأعداء.. جهتها المفتوحة على نينغيشا قاحلة، والجهة الأخرى مكسوة بالأشجار.. ومجرى النهر الأصفر لا يغذيها بالماء.. أما نينغيشا فيمر فيها فرع أو رافد يعطيها الماء ويجعلها واحة خضراء، فيها الكثير من البحيرات التي أعطت للمدينة " يونشوان اسمها أي أرض البحيرات الفضية.

لفت نظري في تلك المنطقة موقعان:

*المتحف الحجري العالمي في يون شوان، حيث كتابة الإنسان القديم ونقشه ورسومه على الصخور، جمعها الصينيون من معظم أنحاء العالم ليكون هناك معرض فريد، في موقع فريد ما زالت فيه رسوم الإنسان ونقوشه وكتاباته على صخور الجبال تلك التي تسمى " خه لان". كنا نعرف عن الرسوم التي خلفها البشر على جدران كهوف لا سكو، ويتبين لنا في هذا المتحف أن ما قام به الإنسان من رسم على الصخور أقدم من تلك الكهوف بكثير. يقع الموقع على الحدود بين الصين ومنغوليا.

*مقابر أسرة شيا التي تقع في حضن سلسلة جبلية مفتوحة إلى الشرق، حيث مشرق الشمس ومنبعث النور. وهي على شكل قباب مغلقة بشكل تام، ويصل ارتفاعها إلى أكثر من سبعة أمتار، ويسمونها أهرامات الصين. وهذه الأسرة من الملوك كان قد قضى عليها وعلى القومية التي شكلتها أو تشكلت منها : جنكيز خان" حين اجتاحها مع ما اجتاح من أراض وممالك وحضارات.

وفي إطار هذه الفعاليات المكثفة، شارك مسؤولون ومثقفون وأساتذة جامعات ومتخصصون في موضوعات الندوة من الجانبين العربي والصيني، وعُقدت اتفاقيات تعاون، وتبادل الجانبان العربي والصيني الخبرة والرأي، وأبدا كل منهما الحرص على الصداقة وتعميق التفاهم والتعاون ليشمل الثقافة إلى جانب الاقتصاد والتجارة والاستثمار في مشاريع حيوية تفيد الطرفين. وقد وجدت في تأسيس دار نشر طموحة هناك باسم النهر الأصفر، تعمل على ترجمة أمهات الفكر العربي والإسلامي إلى اللغة الصينية، ومن ثم أعمال أدبية في الاتجاهين العربي والصيني.. وجدت فيه جدية وبعد نظر، وفهماً لحقيقة أن التعاون الذي لا يقوم على المعرفة العميقة، والحوار الثقافي الجاد، والفهم الصحيح للآخر.. يبقى قلقاً ومحصوراً في دائرة المصالح العابرة.

   وقد كان الموضوع الرئيس للندوة الثقافية هو الموارد البشرية. وفي القرن الواحد والعشرين، قرن التنافس الاقتصادي، والأزمات الطاحنة، والمعرفة التي أصبحت من أهم عوامل الإنتاج، حيث تدخل في حساب فضل القيمة مضافة إلى المادة الخام وطاقة العمل والآلة، في هذا العصر عصر التنمية بأنواعها.. من الأهمية بمكان إدارة رأس المال البشري ورأس المال الفكري المعرفي، عبر الموارد البشرية المتمكنة، لأن اقتصاد المعرفة أصبح هو الأساس في سباق التنافس وتحقيق جدوى وأمل للمتنافسين من جهة، والعامل الأهم في استمرارية المؤسسات والشركات من جهة أخرى، وكل ذلك يعتمد على نوعية الموارد البشرية وقدراتها، وعلى امتلاكها للمعارف والمهارات وتنميتها لها، وعلى الخبرة والذكاء والقدرة على تطوير الذات، ومن ثم دخول ميدان الابتكار والاختراع والإبداع والمبادرات الخلاقة، وتحقيق التفوق من خلال استيعاب العلوم والتقنيات الحديثة ونظم المعلوماتية وأساليب الحصول على المعلومات وتبادلها وتمثلها. فالثقافة عامل رئيس في تحقيق هذه الأهداف التي تهم الفرد والمجموع والمنظمات والعاملين فيها، ولها دور في إدارة البشر وتنمية طاقاتهم، لا سيما في أوساط عمل منظمات وشركات " تتحلى فيها الأطر بمنطق الفاعلية وغير الأطر بمنطق الاحتجاج" كما يقول غيرت هوفستيد. وفي مثل هذه الأوساط تحتاج المؤسسات وقياداتها إلى سلطة المعرفة، وسمو القدوة، وحسن السلوك، والإبداع في الإدارة، لكي تتمكن من قيادة العمل والاستثمار بنجاح في محال الموارد بشرية التي خير ما ينمي طاقاتها ويستثمر تلك الطاقات: تدريب، وتنمية، ووعي بالمسؤولية، وشعور بالانتماء، وحوافز ترتد على الموارد البشرية العاملة بشيء مادي ملموس، " ففي أي مجتمع لا يمكن للمشاركين تصور أي حافز إلا المحقق لمصالحهم الخاصة"، وإحساس صادق لدى المجموع بالأمن من جوع وخوف. ومن مصلحة المؤسسات ومن واجبها أيضاً أن توفر ذلك بإنسانية وكرامة واحترام، خدمة لمصالح وقيم خُلقية ووطنية وقومية، حيث يكون للمعرفة النافعة مردود مباشر على الأطراف المعنية بالعمل والإنتاج والتنافس والربح.. وقديماً قال العلامة العربي ابن خلدون" لا بارك الله في علم لا ينفع الناس". والعلم النافع يتجلى هنا في تدريب وبرامج تنمية مدروسة، ويرتد على المنظمات والشركات استمرارية وجودة وربحاً وآفاق تنافس. وذلك بعض مردود التثقيف والثقافة الجماعية التي يراها بعض علماء الاجتماع " برمجة عقلية جماعية.".

وخير ما يحقق الأمن للمنظمات والمؤسسات والشركات والعاملين فيها، ويخفف من القلق الفردي والجماعي، قلق المؤسسة وقلق العاملين فيها: القدرة على الدفاع بامتلاك " التكنولوجيا" المتقدمة، واستقطاب الموارد البشرية النادرة والمحافظة عليها، وسَن القوانين والأنظمة وحسن تطبيقها، والعناية بشؤون الموارد البشرية وكل ما يتصل بها، والدين بقيمه وتعاليمه وأحكامه التي تحفز وتردع، ذلك لأن الشرطي الخارجي الذي يمثل الإدارة والرقابة والقانون قد يسهو أو ينام أو يرتشي، بينما الشرطي الداخلي، الضمير المتقد بالإيمان، لا ينام ولا يسهو لا يرتشي، ويحاسب النفس من الداخل على سلامة العمل وسلامة القيم. 

إن مصادر دخل المؤسسات والشركات هي مواردها المالية والبشرية والتقنية وما تحققه من تفوق ينعكس جودة مواصفات ومعايير، ومن ثم اكتساحاً للأسواق. وأهم ما يميز الموارد البشرية تحمل المسؤولية والمرونة والتعلّم والمبادرة والأفكار الخلاقة والإبداع.. ولكي يتحقق لها ذلك لا بد من توافر الثقة والضمان والأجر المناسب والحوافز أو المكافآت للمبدعين والمتفوقين، والاحترام، ومناخ العمل الصحي الذي يحقق راحة نفسية، والتدريب، والتنمية الشخصية والمهنية بنوعيها، الذاتي والمؤسساتي، أي التي يقوم بها الفرد تلقائياً وتلك التي تقوم بها المنظمة أو المؤسسة أو الشركة.

والتدريب والتنمية هما أساس التجدد والابتكار والتطور والمنافسة، وأفضل ما يتحقق للموارد البشرية، بالدرجة الأولى:

1 ـ والتدريب كما يقول العارفون، هو: " عمل مخطط يتكون من مجموعة برامج مصممة من أجل تعليم الموارد البشرية كيف تؤدي أعمالها الحالية بمستوى عالٍ من الكفاءة، من خلال تطوير أدائها وتحسينه.".

2 ـ أما التنمية: " فعمل مخطط يتكون من مجموعة من البرامج مصممة من أجل تعليم الموارد البشرية وإكسابها معارف جديدة، يتوقع أن تحتاج إليها في أداء مهام أو وظائف جديدة في المستقبل، التأقلم والتعايش مع أية مستجدات أو تغيرات تحدث في البيئة وتؤثر في نشاط المنظمة". ويُشيرُ مصطلح تنمية الموارد البشرية حسب هوفستيد "إلى النهوض بالمعرفةِ، والمهاراتِ، والكفاءاتِ، وتحسين سلوك الأفراد داخل المنظمة، لفائدتهم الشخصية والمهنية على حد سواء، و هو مجرد مُكوِّن في طيف واسع مِنْ التطوُّرِ الإنساني.".. ونحن نتكلم عن التنمية الثقافية ولكن تنقصنا ثقافة التنمية، وهي ثقافة تخصصية إلى جانب الثقافة العامة لا نوليها الاهتمام الكافي. وقد ـ لاحظ ج . هـ . كونكل J.H. KUNKEL أن " المسألة الأكثر أهمية للنمو الاقتصادي ليست في تغيير المواقف والقيم، بل في تغيير بيئة الإنسان التي تخلق سلوكاً جديداً".. وفي هذا المجال يجب أن نركز التفكير وندقق كثيراً، حيث الكثير من قطاعات العمل والإنتاج في الصين والبلدان العربية لا تؤمِّن للعاملين الضمان الاجتماعي الشامل.

إن من مصلحة المنظمات والمؤسسات والشركات أن تكتشف الثروات الفكرية والإبداعية والمهارات وأنواع الابتكار الموجودة في رصيدها من الموارد البشرية، وأن تستثمر تلك الثروة وتحافظ عليها، وتدربها وترفع مستوى خبراتها ومهاراتها بكل الطرق الممكنة، ومنها الدورات الخاصة، فتلك الموارد البشرية النوعية هي رأس مال بشري يفوق رأس المال المادي قدرة على تحقيق القيم وإحراز قصب السبق في مجال التنافس الدولي.

إن كلاً من الصين والبلدان العربية تدرك أهمية الموارد البشرية ودورها وضرورة تنميتها، ويسعى الطرفان إلى التعاون الجاد في هذا المجال، فالحزب الشيوعي الصيني، في مؤتمره الوطني السادس عشر " أفصح عن وجود اتجاه واضح لبناء نظام وطني للموارد البشرية، طبقا للمبدأ الذي يقول: "إن العمل ورأس المال والتكنولوجيا والخبرة الإدارية والمدخلات وعوامل الإنتاج الأخرى تسهم في توزيع الدخل طبقا لمساهماتها." كما قال الاقتصادي الصيني الشهير " تسوى وى جيانغ "، وهو يعتقد بحق: "أن هذا المبدأ سوف يساعد على تربية الموارد البشرية وتنميتها في البلاد، والحفاظ عليها في المستقبل.

إن مجال البحث في الموارد البشرية واسع ومتنوع، ولا يمكن أن نلامس في هذه العجالة إلا بعض معالمه وسطوحه.. ولكن شراكة الفكر ورأس المال، في كل من البلدان العربية والصين، كفيلة بأن ترتفع بمستوى الموارد البشرية في كل منهما، وتساهم في نهضة نوعية بالعلاقات، وفي التخطيط لاستيعاب القادم إلى سوق العمل من الموارد البشرية، وتوجد لها مجالات العمل والإبداع في الإنتاج، وتستثمر بنجاح في هذا المجال الحيوي الكبير، كما توجد مناخ العمل الإنساني الملائم، والضمانات الاجتماعية التي تحفظ حياة الإنسان وحقوقه وكرامته، وتجعله يعيش بعيداً عن الأزمات الاقتصادية الخانقة، والقلق المدمر للنفوس، المؤثر سلباً في ميادين العمل والإبداع، كما تجعله بأمن نسبي من جوع وخوف ليستقر ويبدع ويسعد، وهذه غاية إنسانية واجتماعية وسياسية سامية وكبيرة، ينشدها كل من يهتم بالإنسان وبناء الأفراد والمجتمعات والأوطان على أسس سليمة ومتينة، في ظل منظومات قيم ومعايير عدالة اجتماعية وإنسانية عالية المستوى. وهذه الشراكة المنتظّرة تساهم حتماً في جعل كل من الطرفين يدخل ميادين المنافسة العالمية، وخضم العولمة، من أوسع الأبواب، بثقة وأمل واقتدار.. هذا إذا حسنت النوايا، وصدقت العزائم، ووقفت وراء ذلك كله إرادة سياسية مسؤولة، بوعي وحكمة حنكة وتصميم وبعد نظر.. وأظن أن هذا يتوافر لدى طرفي المنتدى، وفي ظل هذا التوجه الاستراتيجي يمكن أن يستشرف كل من الجانبين، الصيني والعربي، آفاقاً مستقبلية واسعة تكمن في رأس المال البشري "الموارد البشرية" ورأس المال المعرفي والفكري والتقني والثقافي العام، الذي لدى كل منهما، في هذا المجال وسواه من مجالات التبادل والتعاون، الأمر الذي يعزز العلاقات والمصالح والصداقة بينهما، ويعود على كل منهما بالنفع، ويجعل المنتدى العتيد يحقق بعض أهم أهدافه الكبرى: خدمة الشعوب والبلدان، كما ينعش الذاكرة المشتركة، ويعزز الصداقة القديمة، والمثاقَفَة البناءة، ويمكِّن من استعادة الدور الحضاري التاريخي الفاعل، وتشكيل كتلة اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية عظيمة التأثير، تحول دون سيطرة قطب وحيد الطرف على مقدرات الأمم ومصالحها، قطب يقتلنا متى شاء وينهبنا متى شاء، ويريد أن يسيرنا كما يشاء، وهو لا يستحق هذا الموقع بحكم تاريخه وممارساته، فالولايات المتحدة الأميركية قامت على إبادة شعب " الهنود الحمر"، وعلى العبودية والتمييز العنصري " الزنوج الأفارقة، وأول من استخدم القنبلة النووية ضد هيروشيما وناغازاكي، وأل من استخدم الأسلحة الكيميائية " سلاح الأورانج" ضد فييتنام، وقد دمرت دولة هي العراق، وما زالت تشن الحروب من كل نوع، تحت مسمى مكافحة الإرهاب، وتشوه صورة أمم وبلدان وعقائد، من دون أي رادع.. إن العالم له بحاجة إلى كتلة تقف بقوة وثبات إلى جانب الحق والأمن والسلام العادل، وكل ما يحقق الاعتماد المتبادل والثقة والتعاون بين الدول والشعوب.. فليكن في تعاون العرب والصين نواة لهذه الكتلة الخيرة.

 

دمشق في 1/10/2010