خبر لست متفائلا: أهي « مصالحة » بالابتسام والكلام والمصافحة؟! .. الدكتور/ أيوب عثمان

الساعة 08:05 م|27 سبتمبر 2010

لست متفائلا: أهي "مصالحة" بالابتسام والكلام والمصافحة؟! .. الدكتور/ أيوب عثمان

بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان

كاتب وأكاديمي فلسطيني – جامعة الأزهر بغزة

 

على الرغم من أنني أعشق الذهاب إلى التفاؤل دوماً، مؤمناً  ومستهدياً بقول الطغرائي في قصيدته الشهيرة بـ "لامية العجم":

        أعلل النفس بالآمال أرقبها         ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

إلا أنني لا أجدني الآن متفائلاً – كما أشتهي – حيال مصالحة باتت أمنية عزيزة ننام عليها ونصحو، دون أن يتحقق شيء منها، على الرغم من أن جميعنا يعلم أن البدائل عنها خطيرة ومدمرة. فبعد أن كثر الحديث عن المصالحة على طول سنوات الانقسام وعرضها، دون جدوى، وبعد أن باتت المصالحة، في أكثر من مرة، قاب قوسين أو أدنى، ثم سرعان ما انقلبت أمورها أو قُلِّبَتْ أو تقلبت نوايا أصحابها، فقد بت اليوم عن طبيعتي المتفائلة أبعد، أو لأقل، بت محصناً ضد الأمل الكثير والتفاؤل الطافح، ذلك ألا يكون للمرء أمل بالمرة فهو أفضل ألف مرة من أن يعيش على أمل ثم يراه ينطفئ ويتهاوى. أما عدم تفاؤلي اليوم من "المصالحة" التي قفزت إلى السطح فجأة، هكذا، ليجري الحديث عنها هذه الساعات وهذه الأيام، على النحو غير المقنع، كما أراه، فمرده للآتي:

1)  أن اللقاء الفتحاوي الحمساوي الذي التأم قبل ثلاثة أيام على البلاط الدمشقي قد جاء مفاجئاً، وإن كان بعد الاجتماع الذي ضم مدير المخابرات المصرية عمرو سليمان ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في مكة المكرمة، دون إعطاء فرصة مناسبة تستطيع حركتا فتح وحماس من خلالها أن تتبادلا الرؤى والأفكار والأوراق والمقترحات بهدف تحقيق مصالحة حقيقية.

2)  أن حملة الاعتقالات التي تشنها السلطة في رام الله ضد حركة حماس قد بلغت مبلغاً يتعاكس مع أمل تحقيق المصالحة ومع روحها.

3)  أن الرئس عباس أعلن أمام قادة 50 منظمة يهودية أمريكية، في نيويورك، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن مواقف سياسية مستهجنة ومستشنعة كقوله: "إن المفاوضات مستمرة حتى لو لم توقف إسرائيل الاستيطان"، وقوله: "إذا سألتموني لماذا لم تقع حتى الآن على مدى ثلاث أو أربع سنوات هجمات من الضفة الغربية؟ فإنني سأقول لكم إن السبب هو قرارنا التعاون مع الجانب الإسرائيلي، ونحن نمنع أي طرف من القيام بأي شيء ضد إسرائيل لأن أمن إسرائيل هو أمننا.."، وقوله: "إذا أراد الشعب الإسرائيلي أن يسمي نفسه بما يشاء (دولة يهودية للشعب اليهودي) فهو حر في ذلك"، وقوله رداً على سؤال نصه: "إذا قام الكنيست الإسرائيلي بتبني تسمية دولة إسرائيل اليهودية، كما هو الحال مع جمهورية إيران الإسلامية أو جمهورية مصر العربية، فهل يعترف الفلسطينيون بإسرائيل بهذه الصفة؟" حيث أجاب قائلاً: "نعم"، وهو ما اعتبره زفيكا كريجر، نائب رئيس مكتب دانييل أبراهام للسلام في الشرق الأوسط بأنه "تطور مثير في موقف عباس أو توضيح لموقفه بشأن الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية"، وقوله: "إذا لم يقم الإسرائيليون بتمديد تجميد  الاستيطان فلن أقوم بالضرورة بمغادرة الطاولة".

4)    أن الإدارة الأمريكية وإسرائيل تقفان ضد المصالحة وتضعان كل العراقيل أمامها.

5)  أن الرفض المصري لإعادة فتح الورقة المصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية ما يزال على حاله، حيث الموقف المصري من المصالحة هو موقفه من الورقة المصرية التي يرى فيها أن الباطل لا يأتيها، من بين يديها، ولا من خلفها.

6)  أما حركة فتح فغائبة أو مغيبة عما يجري على الساحة الفلسطينية، ذلك أن قرارها قد بات في يد قراصنة سيحاسبهم الشعب الفلسطيني، ولو بعد حين.

7)  أن اللقاء الحمساوي الفتحاوي على السجاد الدمشقي قد تصادف مع حميمية تفاوضية بين عباس ونتنياهو وسط هجوم انتقادي فصائلي على حركة فتح وعباس يتزايد يوماً بعد يوم، حتى أن الجبهة الشعبية قد أعلنت يوم أمس الأحد 26/9/2010 عن موقفها بتعليق مشاركاتها في اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، "احتجاجاً على مشاركة المنظمة في المفاوضات المباشرة مع دولة الاحتلال الصهيونية"، وذلك بعد تداول أعضائها في داخل السجون والوطن المحتل وفي خارجه"، محذرة في مؤتمر صحفي عقدته في رام الله بحضور كل من نائب الأمين العام للجبهة الشعبية، عبد الرحيم ملوح، وعضوي المكتب السياسي، خالدة جرار وعمر شحاتة من التداعيات والنتائج الخطيرة لسياسة التنازلات والعودة للمفاوضات في ظل الشروط الأمريكية الإسرائيلية.

8)  أن هناك خشية من القيام بإجراءات وعمل ترتيبات تكون أقصى أهدافها وأبعد غاياتها تنشيط دور سلطة رام الله للتأثير المباشر أو غير المباشر على قطاع غزة، وذلك من خلال المعابر والعمل على تنسيق التجارة والسيطرة عليها والتحكم في دخول الأشخاص ومغادرتهم وإدخال البضائع، تحقيقا لتواجد فعال وهيمنة حقيقية في الشطر المصري من مدينة رفح.

9)  أن قطاع غزة (أي حركة حماس بالمعنى السياسي والعسكري) يقف في مواجهة الإدارة الأمريكية المنحازة مع إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، لاسيما بعد التقارير الكثيرة والخطيرة التي تتحدث عن ترتيبات عسكرية حمساوية في قطاع غزة، حيث كشفت قوات الأمن المصرية الشهر الماضي مجموعة كبيرة من الصواريخ المضادة للطائرات، كما كانت صحيفة "معاريف" قد كشفت النقاب عن تجربة صاروخية بحرية اقترب مداها من حدود تل آبيب، الأمر الذي دفع قائد الجبهة الجنوبية في جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى التحذير من حرب دموية قاسية ضد غزة يكون إسقاط حكم حماس فيها هو أحد أهم أهدافها.

 

وبعد، فإن كان الالتئام الحمساوي الفتحاوي في المركز الدمشقي مبعثه الحرص الحقيقي على مغادرة القطيعة والانقسام، تمهيداً لخلق جبهة مقاومة فلسطينية، فإن هذا ما نريد وهذا ما يضمن تحقيق المصالحة،  وأما إن كانت المصالحة التي يغيب الحديث عنها ثم سرعان ما نعود إليها ليست إلا متطلباً من متطلبات إثبات نجاح سلطة رام الله في الامتحانات الأمريكية – الإسرائيلية، ومن متطلبات إثبات الكفاة والقدرة الفلسطينية الرسمية لإنجاح الخط الصهيو أمريكي، فإن هذا ما لا نريد، وما لا يسمح شعبنا له أن يكون.

 

أما آخر الكلام، فإن المصالحة الفلسطينية الحقيقية التي تخلق البشر والحبور والتفاؤل فينا هي المصالحة التي تسبقها وتشير إليها إجراءات وتصرفات وترتيبات من بينها:

1)    وقف السب والتحريض والشتم والتخوين على المستوى الإعلامي، وإطلاق حرية الرأي والفكر والتعبير.

2)    وقف الاعتقال السياسي، وهذا يتضمن الإفراج الفوري عن كل من تم اعتقاله على خلفية سياسية

3)  المغادرة الفورية الحازمة والحاسمة لسياسة الفصل الوظيفي وقطع الرواتب على خلفية سياسية أو نتيجة لتقارير كيدية.

4)    تطوير التفاهم الإيجابي على كهرباء غزة

5)    التفاهم الفوري البناء على جوازات سفر أهل قطاع غزة

6)    التفاهم الفوري على إعادة ترتيب الوضع الإنساني في قطاع غزة.

7)  التوافق على برامج عمل يستطيع الناس من خلال الانشغال فيها والتعامل معها أن يغادروا حالة التوتر العامة التيي تغذيها الاتهامات المتبادلة.

8)    الوقف الفوري للمفاوضات المباشرة إلى أن يتم التوافق على رؤية سياسية فلسطينية واحدة.

9)    الوقف الفوري للتنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي.

10)      المطالبة الفلسطينية الرسمية بإعادة فتح الورقة المصرية لاستيعاب ملاحظات واقتراحات جميع الفصائل والقوى الفلسطينية، بعيداً عن الفئوية الفصائلية.