خبر السؤال الفلسطيني ــ العربي: من يرث فتح؟..ابراهيم الأمين

الساعة 06:33 ص|24 سبتمبر 2010

ابراهيم الأمين

في أفق النقاش الفلسطيني غير الرسمي، لا تبدو الأفكار معقدة. فالانقسام قائم كما هو في صف القيادات الرسمية المتولية لمهمات تنفيذية في التفاوض أو في المقاومة. لكن المبادرات التي تقوم بين الوقت والآخر، تكشف عن النقص الحاد لدى مجموعات كبيرة إزاء القيام بجهود وأنشطة وأعمال وأقوال من شأنها أن تعكس حجم الرغبة لدى هؤلاء في تقديم ما يفترضون أنه واجب لدعم قضية ستظل تشغل بال العرب إلى أن تعود فلسطين لأهلها.

لكن الجمهور تعود كثيراً من الأنشطة والمؤتمرات والمبادرات التي تهدف إلى تأطير الجهد، وإلى تنظيمه، وإلى تركيز الجهد بغية الوصول إلى نتائج عملية، والوصول إلى وضعية تحوّل الجهد من فكرة ورأي إلى واقعة تفرض نفسها حقيقة على اللاعبين السياسيين، وهو بالضبط الجزء المفقود في معظم المبادرات.

في حالة المبادرة التي تنعقد في بيروت بمشاركة عربية لحماية الثوابت الفلسطينية، ما يلفت إلى أنه في ظل الانقسام السياسي، سواء بين الفلسطينيين أنفسهم أو بين العرب، بشأن أي طريق يجب أن نسلكها لاستعادة الحقوق، فإن ثمة قوى قادرة على الأرض تبادر إلى ترجمة اقتناعاتها. حيث تذهب أقلية مدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل نحو مفاوضات لا تثمر سوى تنازلات وتراجعات، فيما تقوم أقلية أخرى، لكنها ذات وزن شعبي أكبر، بإدارة مقاومة مسلحة فرضت نتائج حقيقية ونوعية في لبنان وفلسطين والعراق، كما في أفغانستان. وهي مقاومات متصل بعضها ببعض ربطاً بالترابط غير القابل للفكاك بين الاحتلالين الأميركي والإسرائيلي. وبين الفئتين، أقلية ثالثة، تملك موقفاً يتراوح بين حالة انتظارية لا تبدي معارضة لمفاوضات، وإن كانت آمالها قد خابت مراراً، وبين حالة رافضة للتنازل عن ثوابت القضية باسم الحاجة إلى أي حل.

في هذه الحالة، تظهر إلى السطح الحالة التي يعكس لقاء بيروت إحدى صورها، أي تلك الحالة التي تعتقد أنه يجب عليها الصراخ ورفع الصوت رفضاً لمبدأ التنازلات وآليتها ونتائجها، وتعكس كذلك الحاجة إلى إطار منخرط في حركة المقاومة بكل وجوهها، من دون الحاجة إلى انضواء فكري أو عقائدي داخل البيئة الأكثر فاعلية في المقاومة، أي التيار الإسلامي بوجهه الحركي الجديد.

بناءً على ذلك، فإن المعنى الأولي لاجتماع بيروت، هو الإشارة إلى أن في مختلف مستويات الشارع الفسطيني والعربي، من يحتاج إلى إطار أو لقاء يتيح التعبير عن هذه المواقف، ومن يبدي الاستعداد للذهاب إلى أبعد من ذلك. وهنا يفترض أن يقوم النقاش اللاحق، إذ إن الحقيقة القائمة بوجود مناخ وفاعلية على مستويات عدة يتيح الانخراط بفاعلية أكبر ضمن حركة المقاومة، لا تكفي لنقل النشاط نفسه إلى المستوى الأفعل. بل هناك حاجة إلى التوقف عند أمور وملاحظات لا يمكن تجاهلها كي لا نقع أخيراً في فخ الإنشاد عن بعد، ومن هذه الملاحظات:

أولاً: إن أي إطار لا يمكنه جذب تيّار شبابي فاعل، لا يمكنه أن يعيش ويتحول إلى حركة فعالة، ولو أن الوجوه والأسماء المشاركة تملك من الحيثية ما يعطي صدقية قوية وكبيرة لما هو قائم حتى الآن.

ثانياً: إن جذب الشباب إلى حركة أو نشاط من هذا النوع، لا يقوم على المناداة فقط، أو على إتاحة الفرصة لملاقاتهم عبر خطب وبيانات ووثائق؛ لأن التجربة علمت أن هذه أرضية قوية وضرورية، لكنها لا تعيش إن لم تكن معطوفة على مبادرة عملية تفرض على المنخرطين التفكير بآليات عمل تتيح نقل التجربة من مرحلة التنظير والتشخيص إلى مرحلة الفعل المباشر.

ثالثاً: إن أي مبادرة يجب أن تترافق مع نشاط من نوع مختلف تماماً على مستوى المتابعة. صحيح أن مؤتمراً كالمنعقد في بيروت، له أثره وله حاجته، لكن اقتصار الأمر على هذا النوع من اللقاءات يجعله يموت يوماً بعد يوم، ويحوله من عنصر تحفيز إلى عنصر إحباط وشلل. وهذا الاستنتاج مرتبط بتجارب تخوضها القوى القومية.

رابعاً: إن القدرة على جذب عناصر متنوعة فكرياً وعقائدياً وطائفياً ومناطقياً، أو على مستوى الهوية الوطنية، تعني أن هناك قدرة على جعل الحركة الجديدة في صلب العمل الوطني والقومي لكل القوى التي أتت منها هذه الشخصيات أو هذه الفاعليات، باعتبار أن مهمة تحرير فلسطين ليست مهمة ثانوية أو فرعية، أو تقع في مرتبة متدنية على مستوى الأولويات. وبالتالي، فإن الأفق الفعلي لنجاح مبادرة بيروت، يفرض أو سيفرض ـــــ ولو تدريجاً ـــــ على هؤلاء الناس، إما تحويل أطرهم إلى جزء من عمل الإطار الأعم، أو الخروج من هذه الأطر الضيقة نحو تثبيت الإطار الأعم كمركز للنشاط.

أخيراً، ليس من باب النكد، ولا من باب إحباط من لديه رغبة في الأفضل في مواجهة العدو، بل من باب عدم الذهاب بعيداً في التوقعات أو ما هو مأمول من هذا التجمع، فإن اللطف بأهل فلسطين يفترض أن نتوقع مزيداً من المواقف، لكننا لسنا في وارد توقع مبادرات ذات بعد تفعيلي يقود إلى الرد على السؤال الأبرز الموجّه إلى الحركة الوطنية الفلسطينية وإلى الجهات العربية المعنية: من يرث حركة فتح؟