خبر إسرائيل.. إذ تفقدُ مكانتها كملاذٍ آمن لليهود—صالح النعامي

الساعة 05:44 م|21 سبتمبر 2010

إسرائيل.. إذ تفقدُ مكانتها كملاذٍ آمن لليهودصالح النعامي

تُدلِّل الكثير من المؤشِّرات على أن إسرائيل لم تعدْ مكانًا جاذبًا لليهود في أرجاء العالم؛ فحسب المعطيات التي كشف عنها المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل فقد تدنَّت معدلات الهجرة اليهوديَّة لإسرائيل بشكلٍ كبير، لتصل إلى 18.129 مهاجر يهودي في العام، وهو أقلّ عدد منذ العام 1988.

 

فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تضمُّ أكبر تجمع لليهود في العالم، فإن متوسط من يهاجرون من اليهود الأمريكيين لا يتجاوز 2600 مهاجر في العام، في حين أن عدد اليهود في الدول التي كانت تشكِّل الاتحاد السوفيتي الذين يهاجرون لإسرائيل قد انخفضَ إلى 6600 مهاجر، مع العلم أنه كان يعول على هؤلاء تحديدًا كمصدر لتعزيز الواقع الديموغرافي اليهودي في أرض فلسطين، ومما فاقَمَ خطورة هذا الواقع أن هناك مؤشرات على تدني مكانة إسرائيل في نظر يهود العالم، وتحديدًا في الولايات المتحدة الأمريكية، فحسب نتائج دراسة أجريت لصالح ديوان رئاسة الوزراء في إسرائيل فقد تبيَّن أن 50% من الشباب اليهودي الأمريكي لا يهمهم إذا كفت إسرائيل عن الوجود، في حين أن 20% فقط من اليهود في الدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفيتي يتعرضون لمضامين يهوديَّة.

 

وقد دفعتْ هذه المعطيات الوكالة اليهوديَّة المسئولة بشكلٍ مباشر عن تهجير اليهود في العالم إلى إسرائيل إلى اتخاذ قرار غير مسبوق وتاريخي يتمثَّل بتعديل سلم أولياتها، حيث أن مجلس إدارة الوكالة الذي انعقد في كييف عاصمة أوكرانيا مؤخرًا قرَّر أن يكون على رأس أوليَّات الوكالة العمل على تعزيز العلاقة بين اليهود في العالم وإسرائيل، بعد أن كان تهجير اليهود لإسرائيل على رأس هذه الأولويَّات.

 

وتأتي هذه التطورات في ظلّ حدوث تحوُّلات واضحةٍ على العلاقات بين إسرائيل ويهود العالم في الأعوام الخمس الماضية، حيث تنذرُ هذه التحوُّلات بحدوث تغيرات جوهريَّة على مكانة إسرائيل العالميَّة ومنعتها، وترسم علامات استفهام كبيرة حول مجرد بقاء هذا الكيان في هذه البقعة من العالم؛ حيث أن جزءًا من هذه التحوُّلات تعزى إلى تغير ظروف حياة اليهود في أرجاء العالم مقارنةً بإسرائيل، في حين يعزى الجزء الآخر إلى أنماط سلوك النخبة السياسية الحاكمة في إسرائيل، والتي باتت تبدي استعدادًا للتفريط بعلاقات الكيان الصهيوني مع الجاليات اليهوديَّة في أرجاء العالم لدواعٍ سياسيَّة داخليَّة ضيِّقة.

 

قانون مثير للأعصاب

ولعلَّ أحد أهم التطورات التي سرَّعت من وتيرة الفرقة بين إسرائيل ويهود العالم، وتحديدًا في الولايات المتحدة وكندا هي تمرير قانون "التهوُّد" في الكنيست، وهو القانون الذي ينظِّم عمليَّة تحوُّل غير اليهود لليهودية، فقد قابل اليهود الأمريكيُّون الذين يشكلون أغلبية اليهود في العالم تمرير هذا القانون بردَّة فعل غاضبة وقاسية، وصلتْ إلى حد تهديد الكثير من النخب اليهودية الأمريكية بالتخلي عن دعم إسرائيل والتوقف عن إبداء الحرص على مصالحها، وقد أثار هذا القانون ردة الفعل الغاضبة هذه لأنه منح مؤسَّسة الحاخامية الكبرى -وهي المؤسسة الدينية الرسمية في إسرائيل- الحق الحصري في تحديد الشروط الواجب استيفاؤها في الشخص الذي يرغب في التحوُّل لليهوديَّة، وتعود حساسية النُّخَب اليهوديَّة الأمريكيَّة لهذا التطور لأن الحاخامية الكبرى تقع تحت تأثير المرجعيات الدينية اليهودية المتزمتة المعروفة بـ "الحريدية"، والتي تتبنَّى الاجتهادات الفقهية الأكثر تطرفًا في تحديد "مَن هو اليهودي"، بالإضافة لتوسعها في فرض القيود على الراغبين في التحوُّل لليهودية؛ علاوةً على ذلك فإنه بالنسبة للمرجعيات الدينية الحريديَّة فإنه لا يمكن الاعترافُ بيهودية أي شخص تحول لليهودية عن طريق حاخامات إصلاحيين أو محافظين، مع العلم بأن الإصلاحيين والمحافظين يشكِّلون الأغلبية الساحقة من يهود الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وبالتالي فإن الحاخاميَّة الكبرى في إسرائيل تخرج عمليًّا يهود الولايات المتحدة عن دائرة اليهودية، ففي الوقت الذي تعتبر المرجعيات الدينية الحريدية أن اليهودي هو الذي ولد لأم يهودية، فإن نتائج آخر دراسة أُجريت في الولايات المتحدة تبيَّن أن 50% من اليهود الأمريكيين يتزوجون زواجًا مختلطًا، وهو ما يجعل هؤلاء خارج إطار اليهوديَّة في نظر المرجعيات الحريديَّة.

 

ويرى الكثيرُ من قادة اليهود الأمريكيين أن سنّ القانون يمثِّل طعنة في ظهرهم، وهم الذين يلعبون دورًا مركزيًّا في تأمين مصالح إسرائيل الاستراتيجية، وما يثيرُ سخط هؤلاء القادة أن سنّ القانون جاء فقط من أجل ضمان استرضاء الأحزاب الحريديَّة المشاركة في الائتلاف الحاكم في تلّ أبيب، وهي الأحزابُ التي لا يخدم أنصارها في الجيش وتميل للانعزالِ عن المجتمع الإسرائيلي.

 

مؤتمرٌ لافت

ومما لا شكَّ فيه أن أوضح دلالة على مظاهر فكّ الارتباط بين اليهود وإسرائيل هو المؤتمر الذي عُقد في موسكو في نيسان الماضي، والذي نظَّمَه المئاتُ من الشباب اليهود الروس الذين سبق لهم أن هاجروا لإسرائيل أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وقرَّروا بعد ذلك مغادرتَها والعودة مجددًا إلى روسيا بعد تحسُّن الأوضاع الاقتصادية والأمنية فيها، وقد كان من اللافت أن أهمَّ استنتاج صدر عن المؤتمرين هو أنه بإمكان اليهود في أرجاء العالم العَيْش بدون إسرائيل، وذلك بعد أن عددوا مظاهر خيبات الأمل الشخصية التي صدموا بها خلال تجربة وجودهم في إسرائيل، ومن المفارقة أن عددًا من الشخصيَّات الإسرائيليَّة البارزة قد لبَّت الدعوة وحضرت المؤتمر رغم إدراكها اتجاه النقاشات فيه، حيث حضرت النائب السابق داليا رابين، ابنة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، والنائب ياعيل ديان ابنة وزير الدفاع والجنرال الإسرائيلي موشيه ديان.

 

الشباب اليهودي الأمريكي والاتجاهات الليبراليَّة

 

ومن التحوُّلات التي تقلقُ صنَّاع القرار في إسرائيل الاتجاهات الليبرالية التي باتت طاغيةً على ميول الشباب اليهودي في الولايات المتحدة، والتي تقلِّص من حدود تضامن اليهود مع إسرائيل، ويقول الأكاديمي اليهودي جاي باخور المحاضر في جامعة "هارفارد" أن معظم الشباب اليهودي في الولايات المتحدة هم من ذوي التوجُّهات الليبرالية، حيث باتوا يرفضون بشكلٍ مبدئيّ السياسات الإسرائيليَّة العدوانيَّة ضدّ الفلسطينيين، بل ويوافقون على العمل ضدَّها داخل الولايات المتحدة، وفي مقالٍ نشَرَه على النسخة العبريَّة لموقع "جي بلانت" التابعة لإحدى المنظَّمات اليهوديَّة الأمريكيَّة، يقول باخور أن الحرب الإسرائيليَّة على غزة أواخر عام 2008 وما تخلَّلها من جرائم ارتُكِبت ضدّ المدنيين الفلسطينيين مثَّلت نقطة تحوُّل فارقة بالنسبة لمعظم الشباب اليهودي الأمريكي، ويجزم باخور بأن معظم الشباب اليهودي في الولايات المتحدة "يخجلُ من ذِكْر إسرائيل، ويتمنى لو لم تجرِ هذه الكلمة على لسانه".

 

وفي مقالٍ نشراه مؤخرًا في مجلة "ذي نيشن"، يرجع الباحثان اليهوديان الأمريكيان آدام هورفيتش وفيلفي فايس هذه التحوُّلات التي طرأتْ على موقف الشباب الأمريكي بشكلٍ عام، وتحديدًا الطلاب الجامعيين من القضيَّة الفلسطينية وتحديدًا بعد الحرب على غزة، حيث كتبا أن "كل طالب في أي حرم جامعي في الولايات المتحدة لا يعرف نفسه كمتضامن مع الفلسطينيين يتم توصيفه بأنه عنصري، مما جعل الطلاب اليهود "تواقين للتخلص من العار الذي تُلحِقُه بهم إسرائيل كيهود".

 

تهاوي فكرة الملاذ الآمن

 

إن أحد المسوِّغات التي عزَّزت مطالبة الحركة الصهيونيَّة بإقامة "وطن قومي" لليهود تتمثَّل في أن هذا "الوطن" سيكون ملاذًا آمنًا لليهود في أعقاب ما تعرَّض له اليهود في أوروبا، وبشكلٍ خاص على أيدي النازيين، وفي أعقاب تعاظم مظاهر ما يُعرف بـ "اللاسامية" ومما لا شك فيه أن تهاوي معدلات الهجرة اليهوديَّة لإسرائيل وتزايد معدلات الهجرة العكسيَّة منها يدلِّل ضمن أمور أخرى على تهاوي هذه الفكرة، ويفسر أبراهام تيروش -سكرتير الحكومة الإسرائيليَّة سابقًا- هذا التحوُّل قائلًا: إن إسرائيل باتتْ في نظر معظم اليهود في العالم "دولة في خطر، ووجودها موضع شك، وهي تخيف اليهود أكثر بكثير من اللاسامية في دولهم" ويروي تيروش ما سمعه كثيرًا من بعض قادة اليهود في الولايات المتحدة أن "إسرائيل باتت تحتاج اليهود في "الشتات" أكثر مما يحتاج هؤلاء اليهود إسرائيل" ويقرُّ المحامي دوف فايسغلاس الذي شغلَ منصب رئيس ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرئيل شارون بتراجع مكانة إسرائيل في نَظَر اليهود الأمريكيين بشكلٍ واضح، حيث يشيرُ إلى أن مظاهر الوَهَن أصبحتْ باديةً على العلاقة بين إسرائيل ويهود الولايات المتحدة، حيث أن الشباب اليهودي الأمريكي لم يعدْ يرى في إسرائيل مكانًا لعيشه، ولا تمثِّل بالنسبة لهم مركزًا روحيًّا وأيديولوجيًّا، ولم تعد حتى هدفًا للزيارة.

 

إسرائيل لم تعدْ ملاذًا آمنًا حتى لعدد كبير من الإسرائيليين الذين وُلدوا وعاشوا فيها؛ فحسب المعطيات الإسرائيليَّة الرسميَّة فإن 750 ألف إسرائيلي غادروا إسرائيل ويعيشون في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، لكن الظاهرة الأكثر دلالةً على تهاوي فكرة الملاذ الآمن تتمثَّل في تهافت الإسرائيليين حاليًا على الحصول على جوازات سفر أجنبية لاستخدامها وقت الضائقة، وقد تعاظمتْ هذه الظاهرة مؤخرًا لدرجة دفعتْ رئيس الكنيست روفي ريفلين لأن يكتب مقالًا لاذعًا حول الظاهرة وخطورتها وتداعياتها "المأساويَّة" على إسرائيل.