خبر مشاهد من مسرح المفاوضات بين السلطة و« إسرائيل » ..عبدالله الأشعل*

الساعة 08:54 ص|20 سبتمبر 2010

مشاهد من مسرح المفاوضات بين السلطة و"إسرائيل" ..عبدالله الأشعل*

 

المسرح الراهن للمفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين و"إسرائيل" يتطلب وقفة طويلة لتحليله وتظهر أمامنا على الفور ثمانية مشاهد. ومن المحقق أن هذه المفاوضات التي بدأت في واشنطن في 2 أيلول (سبتمبر) تيمناً بأوسلو لا مفاجأة فيها ويستطيع أي مراقب يمتلك حواسه أن يقطع بنتائجها ولذلك نقدم المشاهد الثمانية في هذا المسرح.

 

المشهد الأول: أن "إسرائيل" هي التي طلبت المفاوضات، وهي التي ابتدعت تقسيمها إلى مباشرة وغير مباشرة فكانت المفاوضات غير المباشرة تتصل نظرياً بالمسائل التكتيكية أو المعيشية للفلسطينيين ولم يتحقق منها شيء ولم تحرر إلا على الورق ولم يفهمها أحد، كما أن الجميع (إسرائيل وأميركا والعرب) متفاهمون على السير في هذه المسرحية من دون أن يتوقف أحد للسؤال وتظاهر الجميع أن المفاوضات غير المباشرة انتهت مهمتها ولا بد من الإسراع بالدخول في المفاوضات المباشرة. استسلم الجميع أيضاً لانطباع مفتعل مفاده أن المفاوضات المباشرة هي استئناف للمفاوضات المنتظمة التي تمت بين الجانبين منذ ما قبل أنابوليس التي حضرها الجميع أيضاً وبشروا بعدها بعصر جديد من السلام الوارف لتظهر إحصائيات الاستيطان حصيلة نجاح إسرائيل ودفع مشروعها بهمة بعد أنابوليس. ثم تظاهر الجميع بأن المفاوضات المباشرة مخصصة لبحث الوضع النهائي وأنه نظراً لصعوبة هذه المواضيع يتم الاتفاق على مبادئ عامة مثل أوسلو ثم ينخرط المفاوضون في استيفاء فراغات العناوين، بعد أن يتم التوقيع على هذا الإطار العام على انه معاهدة السلام بين "إسرائيل" والفلسطينيين وليس فلسطين، لأن "إسرائيل" تميز بين الشعب والأرض، وهي تريد الأرض وتسعى للتخلص من الشعب.

 

المشهد الثاني: هو أن الجميع تظاهر بتصديق أن قرار تجميد الاستيطان صحيح وأن نتانياهو يقبض على الشوك لأن شركاءه في الحكم يصرون على العودة إلى الاستيطان، الذي لم يتوقف يوماً، وأن فكرة تجميده موقتاً هي مؤشر لامتثال "إسرائيل" للضغط الأميركي.

 

المشهد الثالث: هو تمنع أبو مازن عن الدخول في أي مفاوضات وقبل وضوح المرجعية والوقف الكامل للاستيطان وتكراره للثوابت الفلسطينية حتى يبيع الوهم لشعبه ثم يفوضه وزراء الخارجية العرب ويتركوا له الوقت المناسب لاستخدام التفويض حتى لا يتهمه أحد من العرب مثلما اتهموا عرفات بأنه يفرط في حقوق الشعب، وحتى يظهر معارضة المقاومة بكل أسلحتها على أنه صراع سياسي معه على السلطة، وأنه هو الأدرى بمصالح شعبه و«ضرورات المرحلة» حتى لا تفلت الفرصة من يديه.

 

المشهد الرابع: الجميع، عرباً ويهوداً وأميركيين، يتحدثون لغة متشابهة ولكن مضمونها مختلف لأن لكل حساباته ومفاهيمه، بخاصة أن "إسرائيل" تريد مع واشنطن تعديل المعادلة بحيث يتحد الجميع ضد مصدر الخطر وهو المقاومة ومن يساعدها ومن يتحدى الإرادة الإسرائيلية حتى لو لبس لباس شهداء «أسطول الحرية».

 

المشهد الخامس: عرض الرئيس مبارك استضافة جولات المفاوضات في منتجع شرم الشيخ لعل سحر الطبيعة يلهم المتفاوضين، ولا ندري هل كان العرض من مصر تعلقاً بالسلام وتعطشاً إليه وأملاً في أن ينعم الفلسطينيون به بعد المصريين والأردنيين، بما ينهي العدوان ويفتح باب الأخوة بين اليهود والعرب، أم كان استجابة لرغبة كريمة من "إسرائيل" أو الولايات المتحدة حتى لا يتعطل الدور المصري النشط في المنطقة بعد أن سدت «حماس» منفذ المصالحة وهو الملف الوحيد الذي بقي لدى مصر من ذيول هذا الصراع، أم أن شرم الشيخ مكان قريب ومحايد إلى أن يدرك الطرفان مزايا السلام فتتنقل المفاوضات منها في مراحل متقدمة إلى القدس التي حجزتها "إسرائيل" عاصمة أبدية لها.

 

المشهد السادس: هو أن الجميع يردد أن مفاوضات الوضع النهائي تتناول القضايا الخمس الكبرى المحجوزة مع اتفاق أوسلو حتى يتوهم «الأغيار» أن الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس قادمة لا محالة، على رغم أن "إسرائيل" تحدثت طويلاً عن موقفها من كل هذه القضايا.

 

المشهد السابع: هو أن "إسرائيل" تمكنت بالحديث عن الاستيطان والمستوطنات من الحصول على قبول مجاني بأن قرار الاستيطان بيدها وأنه جوهري لصيانة التحالف الحكومي ولم تصرح بأنه جوهري باعتباره أداة سياسية للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية من أهلها بعد أن انتهت مرحلة إرهابهم وتهجيرهم وطردهم لتخلي منازل الفلسطينيين بكل الذرائع حتى يحل محلهم اليهود. وما دام القرار بتأجيل الاستيطان واستئنافه بيد "إسرائيل"، فإنها بذلك تحقق نجاحاً عبقرياً وهو ألا يصبح الاستيطان عملاً غير مشروع في القانون الدولي ما دامت "إسرائيل" لا تعترف بأن الأراضي الفلسطينية أراض محتلة يحظر تغيير طبيعتها أو نقل مواطني الدولة المحتلة إليها، فاستبعدت "إسرائيل" تماماً القانون الدولي الذي يجب أن يحكم وضع الأراضي الفلسطينية بموافقة فلسطينية وعربية وأميركية وأوروبية. وما دام تأجيل الاستيطان قراراً مؤلماً فإن استئناف القرار يكون باتفاق الطرفين فيكتسب الشرعية الكاملة، أمام المكسب الآخر في هذه اللعبة وهو أن المستوطنات القائمة على الأراضي الفلسطينية تصبح كيانات شرعية كما يصبح طرد الفلسطينيين لإقامتها عملاً مشروعاً لا يمكن تحديه.

 

المشهد الثامن هو أن ينشغل الجميع بالمفاوضات وتصبح لها الأولوية بزعم أن أي تداخل بينها وبين غيرها يعطل السلام الواعد، ويصبح تلكؤ الجانب الفلسطيني والاعتراف بيهودية الدولة تعنتاً ونقصاً في أهلية الطرف الفلسطيني، كما تجوز الرشاوى والمكافآت للطرف الفلسطيني لتسهيل تعاونه مع "إسرائيل" على إنهاء الملف بحجة إعداد البنية التحتية للدولة الفلسطينية المزعومة.

 

* كاتب مصري