خبر فلسطين.. بين أوسلو عرفات وأوسلو أبو مازن— د.عبد الله الأشعل

الساعة 03:42 م|13 سبتمبر 2010

فلسطين.. بين أوسلو عرفات وأوسلو أبو مازن— د.عبد الله الأشعل

أُعلن في واشنطن يوم الثاني من سبتمبر عن انطلاق المفاوضات بين الكيان الصهيوني والسلطة، في مشهد أقرب إلى نفس المشهد منذ 17 عامًا، عندما التقى ياسر عرفات مع رابين بحضور الرئيس مبارك والملك حسين والرئيس الروسي والرئيس كلينتون.

 

وقد بدأ تنفيذ اتفاق أوسلو الذي جلب إلى فلسطين ياسر عرفات، فلما أصبح عرفات عقبة في سبيل تنفيذ الاتفاق كما تريده تل أبيب كمحطة في مشروعها لابتلاع فلسطين دبَّرت نهاية عرفات بعد الحجر عليه على مرأًى ومسمع من العالم، وخاصة العالم العربي؛ لكي يظهر في الكواليس البديل الجاهز (أبو مازن) المتطلِّع إلى الدور الذي رفضه عرفات.

 

ولم يخيب الرجل ظنّ الكيان الصهيوني، كما لم يخفِ مقاصدَه وإن غلفها ببعض العبارات المألوفة كأوراق السلوفان في هذه المناسبات.

 

في أوسلو اتَّفق على إدارة محلية للأراضي الفلسطينية وخلال 17 عامًا تمكَّن الصهاينة من ضمّ معظم الأراضي الفلسطينية، وألحقوا بالشعب الفلسطيني أضرارًا لا يمكن تصوُّرُها، كما تمكَّنوا من جنْي ثمار السلام الذي دفع ثمنه الشعب الفلسطيني.

 

وفي مفاوضات واشنطن جديد، وهو أن نتنياهو يريد أن يُنهي الحقبة الصهيونيَّة بالضربة القاضية؛ بعد أن جهز الكنيست الترسانة التشريعية اللازمة لدفن القضية الفلسطينية، ولا مانع من أن يظلَّ أبو مازن يردِّد- وهو ينزل القضية إلى مثواها الأخير- نفس العبارات التي تردد كل يوم في طقوس الدفن والعزاء مثل الثوابت الفلسطينية، والقدس، واللاجئين، والحدود، والمياه، وغيرها.

 

ومن الواضح أن نتنياهو -بطل المرحلة- قد وضع النقاط على الحروف عندما أكَّد أن جوهر السلام (الصهيوني بالطبع) ومفتاحه الحقيقي هو القضاء على المقاومة.

 

تحت عنوان الترتيبات الأمنيَّة تم الاعتراف الفلسطيني بـ (إسرائيل) كدولة يهودية وهي موضوعات التفاوض، ومن العَبَث الحديث بعد ذلك عن دولة فلسطينية منزوعة السلاح؛ لأن جسد الدولة المزعومة يلتهمه الكيان الصهيوني كل يوم في حمى الاستيطان والأقصى يستجير ولا مجير.

 

والطريف أن نفس العبارات وهي سلام الشجعان وإزالة العائق النفسي وتقديم تنازلات مؤلمة وحلّ الدولتين ومفاوضات الوضع النهائي التي تشمل القضايا الأساسيَّة، ولكن النتيجة هي تقدُّم المشروع الصهيوني وسط كل هذه العبارات وتراجع القضية الفلسطينية، ولكن الجديد في واشنطن هذه المرَّة هو جني حصيلة 17 عامًا من الصعود الصهيوني والاندحار الفلسطيني.

 

في أوسلو كان عرفات بمباركة عربية يمثِّل كل الفلسطينيين، وفي واشنطن هذه المرة أبو مازن لا يمثِّل إلا نفسه ومن معه.

 

وتلك أهم النقاط التي لم تفت على الصحف الأمريكيَّة والصهيونيَّة وهي تعلق على الحدث، ولذلك حاولت واشنطن أن تداعب حماس التي تملك الشرعية ومفتاح الحق شعبيًّا وسياسيًّا عندما أعلن أوباما أنه لا يمانع في أن تشارك حماس بلا عنف، أي بعد تخليها عن المقاومة؛ مما يعني أن حماس المقاومة إذا انفصلت عنها لم تعد حماسًا وإنما أصبحت أبو مازن آخر.

 

الفرق الآخر بين أوسلو 1993م وواشنطن 2010م فرق بين المقدمة والخاتمة؛ ففي أوسلو التي وقعت في واشنطن حدث أول لقاء مباشر بين الغريمَيْن: الفلسطيني المهزوم والمنكسر والذي يظن أنه يترجم الانتفاضة الأولى وأن يلحق ببعض ذيولها قبل الأفول، فيما عرف بتسوية اللحظة الأخيرة، وبين المغتصب الصهيوني الذي تسلَّح بأهم الأوراق وهو جلب عدوه التاريخي إلى واشنطن, الحصن الحصين للصهيونيَّة.

 

وكان لا بدّ أن يفهم عرفات بغريزته التاريخية أنه قدم رأسه ورأس كل فلسطيني عندما ترك بندقيته وذهب يصافح المتربِّص بشعبه منذ عشرات السنين، وأن الاتفاق بين الذئب والحمل لا يعني إلا الاتفاق على أن يلتهم الذئب الحمل، فلم يحدثْ في التاريخ أن اقتسم الذئب والحمل صيدًا أو غنيمة؛ وهو ما يستدعي حكمة أمير الشعراء عن الثعلب والديك عندما أكّد في نهاية قصيدته بأنه "مخطئ" من ظن يومًا أن للثعلب دينًا.

 

وإذا كان عرفات يمثِّل كل الشعب الفلسطيني ومع ذلك بقي الكثيرون خارج أوسلو فإن أبو مازن الذي لا يمثِّل أحدًا سواه يوقع على وثيقة الختام؛ مما يعكس التناقض الفادح بين تواضع مكانته وخطورة مهمَّتِه، وهذه الحقيقة هي التي تقلِّل من سعادة الصهاينة بهذه الاحتفالية، ولكن أبو مازن على كل حال هو شريك نتنياهو الأسمى برغم أنه لا يملك شرعيَّة التنازل، ما دام لا يملك شرعيَّة التمثيل، وهو تناقض آخر لا يقدر أبو مازن على مواجهته.

 

ولهذه الأسباب جميعًا أجمع المراقبون على أن مصير هذه الصفقة هو الفشل؛ بسبب افتقارها إلى الواقعيَّة والإخلاص في تطويع الطرف الأساسي وعدم رغبته في التسوية، وهو الكيان الصهيوني.