خبر عمليَّة الخليل.. معانٍ ودلالات—صالح النعامي

الساعة 08:35 م|08 سبتمبر 2010

عمليَّة الخليل.. معانٍ ودلالات—صالح النعامي

عبثًا حاولتْ سلطة رام الله التشكيك في دوافع منفِّذي عملية الخليل البطولية وباءت هذه المحاولات بالفشل الذريع؛ فشنّ مثل هذه العمليات هو الأصل في ظلّ تعاظم المشروع الاستيطاني في الضفة الغربيَّة الذي يقضم الأرض الفلسطينيَّة.

 

إن أكثر ما يثيرُ السخريَة والمرارة في آنٍ معًا هو ادِّعاء بعض متنفِّذي السلطة بأن هذه العمليَّة قد أحرَجَت السلطة وقلّصت من قدرتها على المناورة مع بدْء المفاوضات المباشِرة في واشنطن؛ وهذا يتناقضُ مع ما حرص المتحدثون باسم السلطة على ترديدِه طوال الوقت، وهو أنهم يؤمنون بأن هذه المفاوضات مضيعةٌ للوقت، وأنه لا يوجد هناك أي احتمال للتوصل لتسوية سياسية مع حكومة بنيامين نتنياهو، وأن ما دفعهم للذهاب للمفاوضات هو الضغوط الدوليَّة فقط.

 

فإذا كانت الأمور على هذا النحو، فإن المنطق السليم يقول أن عملية الخليل كان يفترض أن تشكِّل مصدر قوةٍ لمفاوضي السلطة، هذا لو افترضنا أنهم يبحثون حقًّا عن مصادر قوة، والسؤال القديم الجديد الذي يطرحُ نفسه: هل يعقل أن يلقي الفلسطينيون سلاحَهم لمجرد أن هناك مفاوضات مباشرة وغير مباشرة؟

 

المفارقة الغريبة العجيبة أن السيناتور جورج ميتشل المبعوث الأمريكي للمنطقة، والذي يقوم بالتوسط بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، هو نفسه الذي كان الوسيط الذي نجحَ في تحقيق تسوية سياسية للصراع الدامي بين الحكومة البريطانية والجيش الجمهوري الأيرلندي، وقد كان ميتشل حينَها يؤمن بمنطق آخر يختلف عن منطق سلطة رام الله، فقد تبنَّى ميتشل في حينه منطق الجيش الجمهوري الأيرلندي القائل بأنه لن يتمَّ إلقاء السلاح إلا في حالِ تَمَّ التوقيع على اتفاق سلام شامل ينهي الصراع بين الجانبين.

 

وعلى الرغْم من أن مظاهر الظلْم التي تعرَّض لها الفلسطينيون أكبر بكثير من تلك التي تعرَّض لها الكاثوليك الذين مثلهم الجيش الجمهوري الأيرلندي، إلا أن المفارقة تكمنُ في أن السلطة تحديدًا تتبنَّى الموقف الإسرائيلي الذي يحظر على الضحيَّة الفلسطينية الدفاع عن نفسِها إلى حين التوصُّل لتسوية سياسية للصراع، هذا في الوقت الذي تعلن فيه إسرائيل أن التسوية الوحيدة التي يمكن أن توافق عليها هي تلك التسوية التي يتنازل الفلسطينيون ضمنها عن مرتكزات قضيتهم الوطنيَّة، القدس واللاجئين والسيادة والأرض، وغيرها.

 

لماذا لا يقبل محمود عباس وسلام فياض بما قاله إيهود باراك بعيد تسريحه من الجيش الإسرائيلي عندما قال في مقابلة تليفزيونية أجراها معه الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي في قناة التلفزة 33 بالحرف الواحد: " لو كنتُ فلسطينيًّا لكان من الطبيعي أن أنضمَّ للحركات الفلسطينية التي تقاتل إسرائيل".

 

وهنا يجب الإشارة إلى ما نقله الشاعر الصهيوني حاييم غوري الذي نقل عن ديفيد بن جوريون مؤسس الكيان الصهيوني قوله أمام اللجنة التنفيذية لحزب "مباي" في اجتماعها في الثاني من ديسمبر عام 1935 بعدما أكدت الأنباء استشهاد الشيخ عز الدين القسام، حيث قال بن جوريون: "إنه لأمر خطير جدًّا، إنها المرة الأولى منذ أن تفجَّر الصراع بيننا وبين العرب أن يبرزَ زعيم عربي يحمل فكرة ومبدأ ويضحي بنفسه في سبيلهما، إن هذا التطوُّر ستكون له أبعاد عميقة، وذلك لأن كل الزعماء الذين واجهناهم حتى الآن لا يحظَوْن باحترام جماهيرهم، لمعرفة هذه الجماهير، أن هؤلاء الزعماء يبيعون شعوبَهم من أجل مصالِحهم الخاصة" ويضيف: "إن مقتل القسَّام يوفِّر بُعدًا أخلاقيًّا لنضال العرب ضد المشروع الصهيوني، وهذا ما كانوا يفتقدونه حتى مقتل القسام، أن الشباب العربي سينظرون إلى القسام كقدوةٍ يَرَوْن أنه من الضرورة الاقتداء بها، وهذا ما سيجعل وجودنا في هذه الأرض مرتبطًا باستمرار إراقة الدماء".

 

مفاجأة

 

على الرغمِ من أن المؤسَّسة الأمنيَّة الإسرائيليَّة قد أعطت انطباعًا بأن عملية الخليل أمر متوقع، وأنه كان لديها معطيات استخباريَّة تؤكِّد توجُّه حماس لتنفيذ مثل هذه العمليات، إلا أن كل المعطيات تؤكد أن هذه العملية تحديدًا مثلت مفاجأة كبرى للقيادتَيْن السياسيَّة والأمنيَّة الصهيونيَّة، وأن نجاحها وما تبعها من عمليات قد جاء بعكس نقطة الافتراض الإسرائيليَّة القائلة: إن مجموعة الاحتياطات والإجراءات الأمنيَّة التي قام بها الجيشُ الإسرائيلي بالتعاون مع الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة رام الله كفيلة بالحيلولة دون تنفيذ مثل هذه العمليات، فقد جاءت هذه العملية في ذروة حملات "تجفيف المنابع" التي تقوم بها أجهزة سلطة رام الله وإسرائيل؛ فالمخابرات الإسرائيلية الداخلية "الشاباك" تعكُفُ على اعتقال كلّ مَن له علاقة بحركة حماس، ويستثمر "الشاباك" طاقاتٍ هائلةً في التحقيق مع المعتقلين لتحويل عمليات الاعتقال إلى لوائح اتّهام، وفي حال فشل في ذلك يتم تحويل الكثير من هؤلاء المعتقلين إلى الاعتقال الإداري؛ في حين تقوم السلطة بدورِها باعتقال قادة وعناصر حركة حماس، حيث تؤكِّد منظمات حقوق الإنسان العاملة في الضفة الغربية أن المعتقلين يتعرَّضون لعمليات تعذيب وحشيَّة؛ بالإضافة إلى قيام أجهزة فياض الأمنية باستدعاء الآلاف من عناصر حركة حماس وتهديدهم والتضييق عليهم، ناهيك عن محاربتِهم في أرزاقِهم، حيث يتمُّ فصل كل من له أي علاقة بحماس من المؤسسات الرسمية في السلطة، وتحديدًا في قطاع التعليم وفي قطاع الخدمات الدينية، ولم يقتصرْ دور أجهزة فيَّاض الأمنية فقط على إحباط عمليَّات المقاومة، بل انضمَّت هذه الأجهزة للجهود اليومية التي يقوم بها جيش الاحتلال لإيجاد بيئة أمنيَّة تقلِّص من إمكانية نجاح المقاومين في تنفيذ عمليات، حيث أنه لم يعدْ سرًّا أن أجهزة رام الله الأمنيَّة تقوم بتسيير دوريَّات على الشوارع والطُّرُق القريبة من المستوطنات، حيث تقوم بتفتيش السيارات الفلسطينية وتقوم بإجراء تحقيقات ميدانيَّة مع ركابها للتأكُّد من أنه ليس لديهم نية للمسّ بالمستوطنين، وإذا أخذنا بعين الاعتبار القيود الهائلة التي تحدُّ من إمكانيَّات التسليح في الضفة الغربية والقدرة على الحصول على الوسائل القتاليَّة، فإن تنفيذ مثل هذه العمليَّات تبدو أمرًا يتاخم المستحيل.

 

قصارى القَوْل أن عمليَّة الخليل البطولية تدلِّل بشكل لا يقبل التأويل أن الإجراءات التي تقوم بها إسرائيل وسلطة رام الله لمواجهة المقاومة لن تنجح في إخضاع الشعب الفلسطيني وإجباره على التعايش مع واقع الاحتلال، وقد أثبتت العمليَّة ما بات مسلمةً وحقيقةً لا يختلف عليها اثنان، وهي أن سلطة رام الله هي النسخة المشوَّهَة لجيش أنطوان لحد.