خبر سلطة رام الله: القبل... والضحك الاصفر وكثير من العبث ..عبد الله المساوي

الساعة 10:33 م|07 سبتمبر 2010

سلطة رام الله: القبل... والضحك الاصفر وكثير من العبث ..عبد الله المساوي

مع الإعلان عن استئناف المفاوضات 'العبثية' بين فريق السلطة الفلسطينية ودولة إسرائيل، ومع إعلان اللجنة الرباعية مباركتها للاتفاق، مع كل هذه التطورات وغيرها لا يتوقع المراقبون حصول تطور يذكر. فعندما ينبش المرء في ذاكرة هذا الصراع يتبين له بجلاء أن الذين يشرفون على المفاوضات هم نفس الوجوه المعروفة والذين أصبحوا وكأنهم شخصيات من مسرح صامويل بيكيت العبثي. فـغودو (godot)، الذي طال انتظاره، لم يأت ولن يأتي... أما هم، فهم واعون أنهم ينتظرون لكن ينتظرون ماذا؟.. الانتظار والعبث...

هذا هو حالنا نحن أمة العرب احترف دبلوماسيونا مهنة الانتظار والجري وراء العبث، حتى وهم مخذولون من تصرفات إسرائيل الرعناء، حتى وان سبهم ودعا عليهم رعديد حزب ' شاس' بالطاعون. تراهم على الرغم من كل هذا يطلعون على شاشات الفضائيات. فهذا يقول: 'نتنياهو لم ينضج بعد..'، وهذا يقول: 'أمريكا لم تعط بعد الضوء الأخضر...'، وذاك يقول: 'الرباعية لم تجتمع بعد...'، مغالطات سياسية لا تعد ولا تحصى وتهنا وتاهت القضية في دهاليز الانتظار، وسط نفاق إعلامي لا مثيل له في التاريخ. وما يثير السخرية، هو التصفيق والتهليل الذي استقبل به قرار إسرائيل الموافقة على المفاوضات المباشرة من طرف فريق سلطة رام الله وهنا يحضرني مثل مغربي شهير 'رضينا بالويل والويل لم يرض بنا إلا بمشقة الأنفس'. وعلى ما يبدو، فذاكرة مفاوضي السلطة ضعيفة، فالصراع مع العدو الإسرائيلي وموقع أمريكا خاصة لم يتبدل ولن يتبدل، والمراهنة على حياد هذه الأخيرة ضرب من الخيال ليس إلا... أتذكر جيدا في شهر ايلول/سبتمبر1993 حفل التوقيع على اتفاقية - حلا لكثير من المطبعين آنذاك أن ينعتوها بالتاريخية - بين منظمة التحرير وإسرائيل، وأتذكر كذلك أن بني جيلي أجبروا على الاقتناع بأن رفض عملية السلام شيء غير معقول، ولم نجد بدا آنذاك من القول يجب التريث حتى نرى طحين هذه الجعجعة، ومع مرور الوقت تبين للجميع بما لا يدع مجالا للشك أن 'الحكم الذاتي' الموعود كان سرابا إسرائيليا. وقد صدر آنذاك كتاب للأستاذ مصطفى بكري تحت عنوان 'غزة - أريحا: الأوراق السرية'، كتاب ذو أهمية قصوى لأنه عرى عن حقيقة ما جرى في لقاءات أوسلو السرية. وقد أثار انتباهي نصان مهمان جدا: الأول حول مشكل 'الولاية الجغرافية' التي أقصيت من الاتفاق، رغم أنها الأساس الجوهري للحكم الذاتي، فبدونها لا معنى له ولا أمل في المستقبل في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. والنص الثاني حول الحالة المادية والمعنوية للجيش الإسرائيلي تحت ضربات الانتفاضة، ودور الاتفاق في الخروج منها خدمة لإسرائيل.

من حقنا أن نسهر على ألا يكون سلام الشجعان سلام الأغبياء. فالطابع التاريخي ورمزية وقدسية القضية الفلسطينية لا يجادل فيهما أحد، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تختزل إلى العدم بظهور إعلامي تفرق فيه القبل والضحك الأصفر بين وفد سلطة رام الله والوفود الأخرى، كما جرت العادة.

إن هدف إسرائيل الاستراتيجي لم يتغير منذ بداية الصراع قيد أنملة: التحكم في المنطقة الممتدة بين النيل والفرات. وإذا ما حصل تطبيع شامل فان تل أبيب ستتحول إلى أضخم قاعدة اقتصادية محمية عسكريا في الشرق الأوسط تتحكم في اقتصاديات وأسواق أمة العرب.

لقد تعلمنا من مأثور الأجداد أن 'القرد، قرد، حتى ولو لبس الحرير'. فإسرائيل هي إسرائيل وأمريكا هي أمريكا، ومواقفهما لم تتجزأ عبر تاريخ الصراع. أما دعاة التطبيع المجاني فسيبقون على حالهم، لان ذاكرتهم ضعيفة استطاع نفاق 'الرباعية' الاستخفاف بعقولهم.

الطامة الكبرى، هي أن بعض وسائل إعلامنا العربية 'الوطنية' سارعت كعادتها إلى التطبيل والتزمير لهذا الحدث، وبعض مذيعيها تفتقت عبقريتهم واستبشروا خيرا من المفاوضات المباشرة! بل ذهب البعض منهم إلى اعتبارها 'خرقا' غير مسبوق! وتناسوا 'الرصاص المسكوب' الذي 'خرق' آلاف أجساد الشرفاء من إخواننا في غزة، وهدم بيوتهم، كل ذلك تحت أنظار العالم. صحيح، كما يقال 'صام دهرا وأفطر على ضفدع'.

هذا هو حال المطبعين وعلى رأسهم سلطة رام الله. إنها خاتمة لقيادات يائسة يعيش أفرادها 'نزيفا وجوديا' حادا، احترفت لغة الخشب، وربطات العنق 'الزرقاء' للظهور أمام الكاميرات ليسوقوا الأمة من هزيمة إلى هزيمة، ومن نكبة إلى نكبة.

إن هذه الصفقة الجديدة المراد انجازها هذا الشهر لا تعدو إلا أن تكون مؤشرا على تعب قيادة رام الله وعزلتها، وان دلت على شيء فإنما تدل كذلك على مكر ودهاء العدو الإسرائيلي، الذي مافتئ يبيع الوهم والانتظار لكل من يؤمن بالحوار معه. وأخيرا نقول لأعضاء الوفد 'استبشروا ببيعكم فان غدا لناظره قريب'. ونقول لأبناء فلسطين الأباة إن آباءكم وأجدادكم كانوا رماة، فاملأوا كل جيوبكم حجرا وانتظروا يوم الرجم...

 

' كاتب مغربي