خبر سيادة الرئيس:امتنع عن التفاوض فما زال في الوقت متسع..للدكتور/ أيوب عثمان

الساعة 09:37 ص|06 سبتمبر 2010

سيادة الرئيس:امتنع عن التفاوض فما زال في الوقت متسع..للدكتور/ أيوب عثمان

كاتب وأكاديمي فلسطيني – جامعة الأزهر بغزة

سيادة الرئيس: سلام من الله على من حفظ الأمانة فحماها، وحمل الرسالة فأداها، وذاد عن الحق واتبع نوره، فكان له سراجا، وبعد:

 

فلأنها محكومة بالبطلان كل الذرائع التي يتسلح بها ويدافع عنها وينطلق منها أنصار التفاوض كتذرعهم بـ:

أن التفاوض خيار سيء لكنه ليس الأسوأ، وعلى نحو أكثر تحديداً، فهو الخيار الأقل سوءاً من الامتناع عن التفاوض، لاسيما وإننا لا نملك عن التفاوض بديلاً.. وعليه، فلم يبق أمامنا من خيار إلا الاستمرار في التحرك من خلال ما يسمى الشرعية الدولية، على الرغم من انعدام (وليس انحسار) فرص التوصل من خلالها إلى حل. باختصار شديد ومفيد، فإن أنصار التفاوض لا يرون إلا ما تراه أنت من خلال  آخر خطاباتك المتلفزة التي قلت فيها: "إذا توصلنا إلى حل جيد نكون قد أنجزنا، وإذا فشلت المفاوضات تتحمل إسرائيل المسؤولية"،

أن الاستيطان لن يتوقف، بل سيتصاعد، سواء ذهبنا إلى المفاوضات أم امتنعنا عنه. وعليه، فإننا خاسرون في كل حال. ولأننا كذلك – أي خاسرون – فإننا لن نخسر شيئاً جديداً إذا ذهبنا إلى المفاوضات، لكننا إن لم نذهب فسنخسر الدعم الدولي وستصاب بالخلل العلاقات الفلسطيينية مع القوى المؤثرة في القرارات الدولية.

أن غياب البديل للتفاوض هو الدافع الأكبر لكل الذرائع التي تدافع عن التفاوض. يحاول أنصار التفاوض والمدافعون عن اعتبار غياب البديل سبباً مقنعاً للتفاوض كضرورة وكحتمية لا محيص عنها. ولعلنا لا ننسى، في هذا السياق، أنك كنت يا سيادة الرئيس تعلن دوماً عن لازمتك، قائلاً: "البديل عن المفاوضات وعن فشل المفاوضات هو المزيد من المفاوضات". ولعلنا لا ننسى، أيضاً، أن التفاوض حينما توقفت عنه يا سيادة الرئيس عام 2008 وظل حتى اليوم متوقفاً، لم تسعَ إلى خلق بديل عن التفاوض، فظلت جهودك منصبة على معاودة التفاوض مع محاولة تحسين شروط انطلاقه، غير أنه لدى فشل الجهود المبذولة لاستئناف التفاوض، ما كان لك إلا أن وافقت على العودة إلى المفاوضات المباشرة بلا أي ضمانات، فيتم استئناف التفاوض هكذا... إن نجحنا كان بها، وإن لم ننجح فنحن (خسرانين خسرانين) ليس لدينا أو أمامنا ما نربحه!!

ولأن من خطأ الزعيم أن يرتهن إلى الذرائع مثل: شيء أفضل من لاشيء/ ليس لدينا خيار أو بديل/ العرب باعوا أنفسهم/ العرب موتى/ العرب محكومون لأمريكا وإسرائيل/ أوباما تراجع عن وعوده..إلخ

ولأنكم أكدتم غير مرة على أنه لا تفاوض مع الاستيطان،

ولأنكم كنتم قد توقفتم عن المفاوضات حيث أعلنتم عدم عودتكم إليها إلا إذا أوقف الاستيطان في القدس أولاً ثم في الضفة ثانياً، الأمر الذي لم يتم، بل إن ما تم وما هو حاصل بالفعل هو الأمر المعاكس تماماً،

 

ولأنكم كنتم قد طالبتم الرئيس الأمريكي  أن يصدر بياناً يحدد مرجعية التفاوض ولم يجب طلبكم، وطلبتم عقد لقاء ثلاثي يضم السلطة وإسرائيل والولايات المتحدة لتحديد مبادئ التفاوض ولم يجب طلبكم، كما طلبتم إصدار بيان من الرباعية لتحديد مرجعية للتفاوض ولم يجب طلبكم أيضاً،

ولأنكم كنتم قد أعلنتم – وبلسانكم –  عن فشلكم في الحصول على التزام إسرائيلي أو حتى مجرد وعد أمريكي بوقف النشاط الاستيطاني، كما أعلنتم عن فشلكم في معرفة مرجعية محددة للتفاوض،

ولأنكم قلتم "إن الرباعية إذا أصدرت بياناً تدعو فيه إلى وقف النشاط الاستيطاني، حينئذ أنا ذاهب رأساً إلى المفاوضات المباشرة"، فيما الرباعية لم تشر إلى الاستيطان لا من بعيد أو قريب، متراجعة في ذلك عن موقفها في اجتماع موسكو في 19 مارس الماضي والذي أكدت فيه على الوقف الكامل للاستيطان،

ولأنه ينبغي لسيادتكم – وأنتم الرئيس – أن تعملوا دوماً جاهدين لتتبعوا أقوالكم أفعالكم،

ولأنه ينبغي لكم أن تعلموا يقيناً أنه لا جدوى من التفاوض مع من يضع شرط التسليم والاعتراف بـ " يهودية الدولة"،

ولأن زعماء إسرائيل – ونتنياهو في صدارتهم بحكم موقعه رئيساً للحكومة – يؤكدون على ضرورة التسليم بـ "يهودية الدولة"، الأمر الذي من خلاله يتم التسليم بأنه لا حق للفلسطينيين بالعودة،

ولأن عودتكم إلى التفاوض من جديد استندت على مجرد دعوة من الرباعية الدولية ودعوة من وزيرة الخارجية الأمريكية للعودة إلى المفاوضات المباشرة – ودون شروط مسبقة – وذلك ليس إلا استجابة لشروط نتنياهو الذي لم يستجب هو لمطالبة الرباعية المنعقدة في موسكو في 19 مارس بوقف الاستيطان، ولو لحساب تيسير عملية التفاوض،

ولأن استراتيجية سيادتكم هي استراتيجية التفاوض التي تؤمن بألا بديل عن التفاوض إلا التفاوض والتفاوض ثم التفاوض، مهما كانت النتائج، دونما استدلال منكم على خطأ استراتيجيتكم هذه حتى بعد انقضاء 19 عاماً من تفاوض سرقت فيه إسرائيل الأرض وهودت القدس والمقدسات،

ولأن النتيجة الحتمية للتفاوض في ظل الأوضاع الحالية لن تكون إلا واحدة من اثنتين: إما فشل التفاوض وانهياره، وإما التوقيع على اتفاق يدفعنا إلى الترحم على اتفاق أوسلو الذي كنا قد كرهناه ولعنا لحظة وساعة ويوم وساعة إبرامه، حيث لم يكن إلا وبالاً على شعبنا وقضيته،

ولأن ذهابكم إلى التفاوض وفقاً لشروط نتنياهو يشكل دعماً حقيقياً له، ويضيف قوة إلى موقف حكومته، ويعينها على الاستفراد بشعبنا وإيهام العالم أنها تتفاوض من أجل السلام وتسعى له، محاوِلة بذلك التغطية على كل ما تأتي عليه من جرائم وما تفرضه من وقائع سواء على مستوى سرقة الأرض أو تهويد القدس والمقدسات.

ولأن أقصى ما كان للمفاوض الفلسطيني أن يحققه ربما كان سيكون ممكناً تحقيقه قبل العودة إلى التفاوض، وليس بعدها، ذلك أن المفاوض لن يكون بعد الموافقة على العودة إلى التفاوض إلا ضعيفاً ومنكسراً، بل أضعف من أي وقت مضى وأكثر انكساراً. فالبديل عن التفاوض ليس موجوداً، حيث لم تبذل أي محاولة لإيجاده أو ابتكاره، لأنكم – كقيادة فلسطينية – ظللتم على الدوام مؤمنين بأن التفاوض هو الحل، فظللتم مقتنعين دوماً بعدم وجود البديل وعدم وجود أي ضرورة للتفتيش عنه وإيجاده، وسبب ذلك هو انعدام الإرادة السياسية لديكم للتفتيش عن البديل وخلقه. وحيث إنكم لم تؤمنوا بالبديل أصلا، فلم تبذلوا في اتجاه إيجاده جهداً، فقد كان بنبغي لكم أن تعلموا أن الذي لا يملك البديل، إنما يتحتم عليه أن يقبل ما يفرض عليه صاغراً، سواء اليوم أو غداً أو بعد غد، وأن من يملك البديل يوظفه ويجيد في استخدامه فلا يندفع إلى الاستسلام لما يملى عليه بسبب انعدام البديل لديه،

ولأن ذهابكم إلى التفاوض إنما يقتل كل إمكانية وأي محاولة لابتكار البديل، ويوفر للاحتلال الإسرائيلي كل ما يلزم من وقت لاستكمال التوسع وابتلاع الأرض وتهويدها، الأمر الذي يؤكد على أن ذهابكم للتفاوض في السياق الماثل أمامنا ليس إلا خسارة لنا وضياعاً لقضيتنا وتدميراً لمستقبل شعبنا.

ولأن ذهابكم إلى التفاوض الآن لن يحفز المجتمع الدولي على دعمنا والانتصار لقضيتنا، بل سيحيده عنا في وقت نحن الأحوج فيه إلى دور دولي حاسم وحازم، ذلك أن نجاح التفاوض من عدمه يظل رهناً بمركز انبثاقه من – وقوة ارتباطه بـ  –  إرادة ومشاركة وضمانه ومرجعية دولية، ذلك أن ذهابكم يا سيادة الرئيس إلى التفاوض، استناداً إلى بيان كذلك الذي كان في أنابوليس، أو إلى خارطة الطريق، أو إلى بيان للرباعية، أو إلى الدعوة الموجهة مؤخراً من الإدارة الأمريكية عبر وزيرة الخارجية أمر آخر مختلف تماماً، فالحالة الأول ملزمة، أما الثانية فلا،

ولأن قراركم بالعودة إلى التفاوض لا يسوغه سوى استمراركم على رأس هذه السلطة، فيما الأصل أن تجعلوا من أنفسكم خادماً لشعبكم، ومدافعاً عن أرضه وحقوقه ومكتسباته،

ولأنه لا مقايضة بين قضية وطنية عادلة وسلطة حكم صورية هزيلة زائفة وزائلة،

ولأن الفصائل كلها – المتمثلة في م ت ف وغير الممثلة فيها – وجميع مؤسسات المجتمع المدني وقواه تقول للمفاوضات: "لا"،

ولأن قراركم بالعودة إلى التفاوض هو انتهاك فاضح وواضح للقانون حيث "تمت موافقة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية" – كما يقول حنا عميرة عضو اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف. – " على المفاوضات المباشرة في اجتماع لم يكتمل فيه النصاب القانوني..."

ولأن هذا الذي قاله عميرة محزن ومؤسف ومخزٍ، حيث يكشف عن خلل كبير يينتج مخاطر أكبر،

ولأن قوله ليس إلا تأكيداً على أن القرار الفلسطيني ليس في يد الفلسطينيين الرسميين، وليس في يد اللجنة التنفيذية التي يرئسها عباس، حيث بات واضحاً تماماً أن القرار الفلسطيني إنما هو في قبضة أوباما وفي يد زعامات عربية تثبت في كل يوم لأوباما أنها الأكثر حرصاً على التئام المفاوضات غداً الخميس، الثاني من سبتمبر2010،

ولأنه بات واضحاً السبب في انعدام الحرص لديك –  يا سيادة الرئيس –  بتأجيل صدور قرار اللجنة التنفيذية إلى اجتماع آخر يكتمل فيه نصابه القانوني؟!

ولأن هذه الفعلة تمس بشرعية القرار باستئناف المفاوضات، وتدمر مصداقية منظمة التحرير الفلسطينية والمؤسسات المنبثقة عنها، وتجعلها شاهد زور، فيما هي في الأصل "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني"،

ولأن هذا الفعل غير القانوني وغير الشرعي يهدد بإنهاء ما تبقى لهذه المنظمة من دور واحترام ورصيد وكبرياء، فيما يضيف مادة جديدة تعزز القطيعة وتعمق الانقسام،

ولأن هذا الفعل يسوغ لحماس وسواها امتلاك مؤهلات جديدة تتسلح بها لتجاوز منظمة التحرير والقفز عنها، بل والمطالبة بإلغائها واستبدالها،

ولأن من يملك البديل لا يظل أسيراً لما هو مطروح أمامه، ولأن الحر الذي يرفض الانصياع للإملاءات لا يكون حراً إلا إذا خلق البديل الذي يستطيع باستخدامه أن يدير للإملاءات ظهره،

ولأن ما نراه في الساحة الدولية، هذه الأيام، من انتقادات واسعة وإدانات كثيرة لإسرائيل، يعد بديلاً جيداً له مقدمات على الأرض ومؤشرات،

ولأن المقاومة الشعبية – وهي حق للشعوب المحتلة أراضيها – تعد هي الأخرى بديلاً مفتوحاً وقابلاً للتمدد والاتساع والانتشار،

ولأن المقاطعة الاقتصادية المحلية والعربية لإسرائيل، وكذلك المقاطعة العلمية والأكاديمية على المستوى الدولي، والمباشرة بتفعيل التقارير الدولية المطالبة بمحاكمة قادة ورموز الاحتلال، تعد جميعها في حساب البدائل الممكنة أيضاً،

ولأن شعبنا لن يتنازل عن أرضه ووطنه وحقوقه، ولأنه جاهز دوماً للسير خلف قيادته المقاوِمة لا المستسلمة المساومة،

ولأنكم تعلمون – يا سيادة الرئيس – قبل غيركم وأكثر من سواكم، أن إسرائيل لم تلتزم بأي مطلب من مطالب الرباعية في موسكو في 19 مارس، وأقلها وقف الاستيطان،

ولأن محمود درويش الذي أحببتموه – وهو عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطنية الذي صاغ وثيقة الاستقلال الوطني الفلسطيني عام 1988 – هو الذي قال:

 

إنني عدت من الموت لأحيا، لأغني

إنني مندوب جرح لا يساوم

علمتني ضربة الجلاد أن أمشي على جرحي

وأمشي...

ثم أمشي...

وأقاوم!

 

فهل تقول أنت:

إنني عدت من المنفى لأزحف، وأفاوض

إنني مندوب جرح سيقايض

علمتني خزنة الجلاد أن أمشي على جنبي

وأمشي...

ثم أمشي...

وأفاوض!

وأفاوض!

وأفاوض!

 

أما آخر الكلام، فإنني أنصحك يا سيادة الرئيس بإعادة النظر، حيث الوقت – على ضيقه وعلى حراجته –  ما يزال فيه متسع.