خبر مرونة شكلية مقابل محطة ذرية ..علي عقلة عرسان

الساعة 06:45 م|03 سبتمبر 2010

مرونة شكلية مقابل محطة ذرية ..علي عقلة عرسان

 

انطلقت في الثاني من شهر أيلول/ سبتمبر 2010 مفاوضات مباشرة بين نتنياهو وعباس هذه المرة، برعاية أميركية وحضور مصري أردني ذي مغزى، أفقها الزمني عام واحد كما قيل، وتجري بتكتم، وتتناول كل ما يتصل بالحل النهائي من مواضيع، حسب مرجعيات مختلفة يقول بها كل طرف، ليتم في حال نجاحها انسحاب " إسرائيلي" شكلي مما يتفق على الانسحاب منه مما بقي من فلسطين التاريخية وهو بنسبة 22%، يستوطن فيه مئات آلاف اليهود، ويوسعون الاستيطان في كل مكان من الضفة الغربية، والقدس بوصفها "عاصم أبدية" لهم كما يدعون.

لا أظن أن أحداً من الساسة المشاركين في كل من طرفي المفاوضات المباشرة، وفي الجانب الأميركي الراعي لها، والمشاركين في عرسها، يتوقع لها النجاح ويُعلق أهمية فعلية على ذلك، أو يسعى إليه بجدية وإخلاص.. فكل يعرف ويدرك ويقرأ الحاضر في ضوء الماضي.. ولكنه مع ذلك يضع على وجهه قناع الأمل الباسم، ويحضر الاحتفال، ويتكلم بحماسة، ويصرح ويتمنى ويتغنى بالمتفاوضين وشجاعتهم.. وهو يضمر في نفسه شيئاً غير ما يبدي، وينظر إلى هدفه الخاص من وراء المشاركة في هذا " الكرنفال" ولا يعنيه سواه، ويتحين الفرص الملائمة له لتحقيق أغراضه الخاصة من وراء مشاركته العامة، ويعيش حالة اعتيادية من النفاق السياسي أدمنها.

ستفضي هذه المفاوضات إلى ما أفضت إليه سابقاتها: تنازل فلسطيني عن حق وأرض يضاف إلى سلسلة التنازلات المستمرة عن أراض وحقوق، ومكاسب صهيونية، مادية ومعنوية، على رأسها تخفيض سقف المطالب الفلسطينية، وتقريب المتفائلين من الشعب الفلسطيني من دوائر اليأس، وضرب الفلسطينيين بعضهم ببعض، وشق الصف العربي بين مؤيد للمفاوضات ورافض لها، والاستمرار في التهويد والاستيطان وطرد الفلسطينيين من القدس.. ثم يأتي الوقت الذي يلقي فيه الجانب الإسرائيلي باتفاق المبادئ الذي يعد بالوصول إليه في هذه المفاوضات ـ وليس الوصول إلى حل نهائي، هذا إن حدث وتم التوصل إلى ذلك الاتفاق بعد عام كما يقولون ـ  يلقيه في سلة المهملات، محمِّلاً الفلسطينيين مسؤولية الإخفاق، مدعياً أنه لا يوجد شريك فلسطيني في السلام الذي يرغب هو فيه ويسعى إليه، ويقدم تنازلات مؤلمة من أجله، ويبذل أقصى جهوده للتوصل إليه.. ولكن.. " ما باليد حيلة، فالآخر الفلسطيني لا يريد.. ويصر على ممارسة الإرهاب، وتدمير دولة إسرائيل".!؟ هكذا.. هكذا.. المعزوفة قديمة، مألوفة بل غدت أكثر من مملة وسقيمة، ومع ذلك يوجد من يستمع إليها، ويهلل ويكبر طالباً إعادتها.

في مفاوضات هذه المرحلة سوف يصل طرف واحد فقط إلى هدفه الاستراتيجي الكبير المنشود، هو الطرف الإسرائيلي، في مقابل مرونة شكلية لأهداف أخرى غير ما يتصل بالمفاوضات والحلول، أما الآخرون، بمن فيهم الراعي الأميركي، فسيصلون إلى أهداف تكتيكية صغيرة، اختاروها بأنفسهم مسبقاً، وهم يدركون أنهم لن يصلوا إلى أبعد منها في أفضل الحالات.

1 ـ الطرف الإسرائيلي سوف يحصل، في مقابل مرونة شكلية من نتنياهو كما قلت، على:

أ ـ مساعدة أميركية بقيمة مليار دولار على الأقل، يُبنى لإسرائيل بقيمتها مفاعل ذري لأغراض توليد الكهرباء في منطقة " حالوتسا" في النقب، وهي منطقة حسب، التقديرات الجيولوجية، بعيدة عن احتمالات حدوث الزلازل فيها.. وستقدم أميركا أوباما للإسرائيليين كل ما يلزم من موافقات وخبرات وتسهيلات وتمويل لبناء هذه المحطة الذرية، على الرغم من أن الكيان الصهيوني ليس عضواً في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويملك كفاعلات نووية للأغراض الحربية ورؤوساً نووية، ويتبع في ذلك سياسة غموض متفق عليها مع الغرب والدول النافذة القرار في مجلس الأمن الدولي. وسيكون هذا من طرف الولايات المتحدة الأميركية نسجاً على منوال ما قدمته للهند التي قدمت لها ذلك النوع من التسهيلات لبناء مفاعلات نووية، وليس تمويلاً مالياً، على الرغم من أنها ليست عضواً في الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وخلال عام المفاوضات، ومع التقدم خطوة خطوة على طريق " إعلان المبادئ" الذي سيؤول في نهاية المطاف إلى سلة المهملات كما أسلفت، سيكون نتنياهو مرناً نسبياً يبتسم بخبث وتربص لعباس، وسيقدم للرئيس أوباما ما يقنعه بأنه جاد، ويبذل أقصى جهوده مع عباس للوصول إلى تفاهم.. وهذا تكتيك متفق عليه للوصول إلى إنجاز نوعي لمصلحة إسرائيل يقدمه رئيس أميركي يتلوى على السفود الصهيوني، ليثبت أنه ليس باراك حسين أوباما، بالمعنى الإسلامي الذي يروجونه، وإنما هو صديق لإسرائيل يهمه أمنها ورفاه شعبها وبقاؤها متفوقة عسكرياً عل جيرانها مجتمعين، تماماً كما فعل أصدقاء إسرائيل من الرؤساء الأميركيين السابقين.

وعلى الأرض أيضاً ستهوَّد القدس أو معظمها، ويطرد الكيان الصهيوني ومستوطنوه من سكانها من يستطيعون طردهم، وتستكمل " إسرائيل" التمدد الاستيطاني من دون قيود، وتنجز بناء سور الفصل إلى نهايته، وتزيد عدد المستوطنين ونوعيتهم، حيث تركز على توطين شباب وطلاب وعائلات شابة في القدس والضفة الغربية، لتقول للفلسطينيين في نهاية المطاف لدينا يهود في الضفة ولديكم عرب في إسرائيل،" تعالوا نقايض نحن وأنتم"، ولكن ليس في مستوطنات محيط القدس واليهود المتوطنين هناك في " أرض الآباء والأجداد هناك" فذاك لنا أصلاً، ولكن في مناطق أخرى، "فهناك ما يزيد على مليون من غير اليهود يعيشون في إسرائيل موطن اليهود"، كما قال نتنياهو.

أما ما ستحصل عليه إسرائيل من الفلسطينيين في هذه الجولة، وترسخه لتقفز إلى ما سواه في جولات استنزافية قادمة، فهو:     

ـ اعتراف فلسطيني بيهودية دولة إسرائيل. ولا يتم الحديث عما سيعنيه ذلك ويمهد له، فتلك أمور لها مكانها في مفاوضات قادمة، وحسب جدول زمني تقرره المصلحة الصهيونية العليا.

ـ موافقة على ضم المستوطنات المحيطة بالقدس إليها، وإعطاء الفلسطينيين في مقابل ذلك أرضاً في النقب.

ـ موافقة على ضم حائط البراق والسيطرة يهودياً عليه، وتأمين الوصول إليه في حال أعطي للفلسطينيين المسجد الأقصى.

ـ موافقة على أن الدولة الفلسطينية التي يجري الحديث عنها، منزوعة السلاح، ولإسرائيل أن تضع على حدودها مع الأردن قوة للمحافظة على أمنها، فأمنها يستدعي الهيمنة على كل التفاصيل من دون استثناء.

ـ موافقة على التنقيب عن المياه الجوفية في الضفة الغربية وتقاسمها مع الفلسطينيين، أما مخزون مياه الضفة والمستثمر منها إسرائيلياً حتى الآن فهو لإسرائيل التي تفاوض على ما بأيدي الفلسطينيين وليس على ما و في يدها.

ذلك لأن المفاوضات تجري على ما تبقى بأيدي الفلسطينيين من أرض وحقوق، ويطلب إليهم تقديم تنازلات بمرونة ملحوظة في المفاوضات من أجل الوصول إلى حل، وإلا..

أما الطرف الفلسطيني المفاوض فيضمن بقاء الرتب والرواتب والحماية والجلوس في المواقع الحالية، إذا بقي ملتزماً بالتنسيق الأمني الممتاز الآن، وبقواعد اللعبة المرسومة إسرائيلياً والمنفذة أميركياً.

والرئيس أوباما سيحصل لحزبه الديمقراطي على مناخ وشروط أفضل في الانتخابات البرلمانية النصفية المقبلة، ويخفف الضغط عنه قليلاً حيث توضع ورقة " التعريض بإسلاميته " على الرف مؤقتاً، وسيظهر بنظر عرب ومسلمين على أنه قدم جهداً من أجل قضية فلسطين، وأنه ملتزم ببذل هذا الجهد، فيعيد ترتيب أمور بلاده في العراق وأفغانستان وباكستان براحة أكثر، وربما بتعاطف أو " تفهم شعبي عربي إسلامي " خلال عام المفاوضات هذا، وربما يخفف من حدة أشكال الهجوم على بلاده وجيوشه المحتلة وإدارته المنحازة كلياً للصهيونية.

أما ضيوف الشرف فلكل منهم قطعة صغيرة ملء الفم من كعكة البيت الأبيض الرمضانية في يوم الاحتفال بإطلاق المفاوضات، حيث يطمئن كل منهم على مستقبله ومستقبل أسرته وحكمه، وما تكلم بشأنه في الكواليس ولمح إليه من مطالب صغيرة، لا يقرها شعبه، ولا تنسجم مع القوانين والأعراف النافذة في بلده، ولكنه يريدها ويتمسك بها، وهي على كل حال مما لا يحرج الولايات المتحدة الأميركية علناً، ويبقى رقبته في قبضتها عملاً وإلى ما شاء الله.       

وكان الله بالسر عليما.