خبر التفكير « من خارج العلبة »..معارف

الساعة 08:59 ص|03 سبتمبر 2010

بقلم: الون بنكاس

الاختبار الحقيقي والمقرر ليومي "قمة واشنطن" ليس جودة الخطابات الوردية، المفعمة بالعطف والعبء التاريخي بل كيف سيفسر الرئيس اوباما ما رآه وسمعه. اوباما بحث فوجد انجازا سياسيا تكتيكيا: اطلاق المفاوضات المباشرة الاسرائيلية – الفلسطينية. ولكن بعد جولتين – ثلاث جولات من المحادثات سيستخلص اوباما الاستنتاجات والسؤال الاكبر هو أي سياسة امريكية سيرسمها وفقا لما يراه ويحلله. وهو كفيل بالوصول الى الاستنتاج بان المفاوضات المباشرة الاسرائيلية – الفلسطينية تعكس واقعا مليئا بكثير جدا من التناقضات الداخلية والجوهرية، في المواضيع الجوهرية غير القابلة للجسر السياسي رغم ان لها حلولا عملية وبانعدام الشجاعة القيادية. واقع أسير في يد فكرتين قوميتين لا تستويان، مفعم بعدم الثقة ومليء بالشكوك لدرجة أن هناك حاجة الى تفكير ابداعي "من خارج العلبة". بتعبير آخر، سيفهم اوباما بان المسيرة السياسية، كما نعرفها، استنفدت نفسها واذا لم يكن الاسرائيليون والفلسطينيون قادرين على تغيير انماط التفكير، فلعل الولايات المتحدة ملزمة بان تفعل ذلك.

        نقطة منطلق اوباما هي أن نموذج "الدولتين" يوجد على حافة الانهيار من حيث الاحتمالية وان تفككه يمس بمصالح امريكية اكثر اتساعا وعمقا في الشرق الاوسط. ولهذا فقد جعل اوباما دور الولايات المتحدة اولوية عليا في سياسته الخارجية وعليه فقد بدأ ينشغل في ذلك منذ سنته الاولى والثانية ولم ينتظر سنته السابعة – الثامنة، مثلما فعل بيل كلينتون وجورج بوش في 1999 – 2000 وفي 2007 – 2008 على التوالي. ليس لدى الرئيس ميزة سياسية او قدرة جمع لرصيد سياسي من التدخل النشط في المسيرة. كما أن التفسير بان لذلك صلة ما بانتخابات الكونغرس في تشرين الثاني ليس له سند في الواقع. اسهل بكثير الامتناع عن الانشغال في النزاع وتكليف وزيرة الخارجية بمهمة متابعة الطرفين. اوباما يبدو ويسمع ويتصرف كمن يعتقد بانه يجب محاولة الحل او على الاقل الادارة بحكمة وبتواضع للنزاع لانه يبث أثره على المصلحة الامريكية، وليس لان عضو الكونغرس سميث من ميشيغن متعلق بهذا لاعادة انتخابه او لان عضو الكونغرس براون من بنسلفانيا سيتضرر جراء ذلك. الولايات المتحدة تفترض بانه يوجد اخيرا نضج متبادل لقبول فكرة التقسيم، منذ لجنة بيل في 1937، عبر قرار 181 للامم المتحدة (قرار التقسيم) في 1947 وحتى اليوم. نضج واعتراف موجودان. اما القدرة السياسية على التسوية الدائمة فلا. أما النهج السياسي الاساس لاسرائيل في المسيرة السياسية بسيط: اسرائيل لا تريد البقاء في اراضي الضفة الغربية (وحتى 2005 في غزة)، ولكن الفلسطينيين غير قادرين على الحكم. على مدى 17 سنة من المسيرة السياسية المباشرة، منذ اتفاق اوسلو، ترافقت هذه الفرضية والفهم بان للفلسطينيين مصلحة استراتيجية مماثلة: تقسيم البلاد الى دولتين سياديتين وتحقيق حق تقرير المصير، وقبول وجود اسرائيل، حتى وان كان مع شد على الاسنان.

        تغييرات في الواقع في الشرق الاوسط، ميول جديدة، قوى جديدة وراديكالية، تعاظم القوة السياسية لمحور "المقاومة" (ايران، سوريا، حماس، حزب الله وباقي الاقمار المرافقة) وفشل المسيرة الاسرائيلية – الفلسطينية خلقت واقعا راهنا جديدا يطوي في داخله على مثابة انعكاس للمهمات للادوار والميول. ليس للطرفين حافز ايجابي او احساس بالالحاح للوصول الى تسوية دائمة، كل واحد لدوافعه ولفهمه، الاستراتيجي. للفلسطينيين – ولمحور المقاومة – توجد مصلحة بمواصلة احتفاظ اسرائيل بالمناطق. هذا يقرر ويعزز نوعا من "التوتر الزائد" سياسيا – عسكريا – حزبيا – صوريا بحيث يهزم اسرائيل في الرأي العام العالمي. مسيرة سياسية نهايتها انطواء اسرائيل داخل حدود الخط الاخضر ستسمح لاسرائيل بالانقطاع عن النزاع ومن ذات شكل الحياة المسمى "المسيرة". الفلسطينيون رفضوا "صيغة كلينتون" التي عرضت على عرفات في كامب ديفيد في تموز 2000 ونشرت بعد بضعة اشهر من ذلك. فلماذا يدخلون في مسيرة سياسية تضمن لهم ظاهرا أقل من ذلك؟

        من ناحية اسرائيل، المفاوضات التي جرت مع السلطة الفلسطينية في 2000 لا تشبه المفاوضات التي تجري منذ سيطرة حماس على غزة. الثمن الذي تدفعه اسرائيل على انعدام وجود تسوية دائمة يعتبر محتملا بينما ثمن الاتفاق حسب صيغة كلينتون او باراك في 2010 يعتبر كخطير. وجود "مسيرة" هو في أبعد الاحوال ضريبة تدفع الى الولايات المتحدة. اذا اقتنع اوباما بنفاد مفعول نموذج "المفاوضات المباشرة" فمفتوحة امامه امكانيتان اساسيتان: سحب يده الى ما بعد انتخابات 2012، البديل الذي يقف في تناقض مع تعريفه المسيرة كمصلحة امريكية، وكبديل، طرح خطة امريكية تقوم على اساس صيغة كلينتون ومغلفة بشرعية دولية، لجمع الطرفين والمطالبة بموقف فوري وواضح. هذه ليست تسوية مفروضة – لا يوجد شيء كهذا – بل تغيير فكري. مرحلة الخطابات انتهت، مرحلة الاتهامات لا تعني اوباما. المرحلة المقررة ستبدأ في اليوم الذي يفهم فيه اوباما بان لا أمل واقعي في التسوية النابعة من المفاوضات المباشرة.