خبر نتنياهو.. ماذا جنى من استئناف المفاوضات المباشرة؟! صالح النعامي

الساعة 03:24 م|27 أغسطس 2010

نتنياهو.. ماذا جنى من استئناف المفاوضات المباشرة؟! صالح النعامي

 

في الوقت الذي كانتْ فيه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون مساء الجمعة الماضي تعلن من واشنطن عن استئناف المفاوضات المباشِرة بين إسرائيل وسلطة رام الله "بدون أي شروط مسبَقَة"، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتباهى أمام مجموعة من وزرائِه بأن الفلسطينيين والعرب وأعضاء اللجنة الرباعيَّة قد خضعوا تمامًا للمواقف التي عبَّر عنها وأن "الجميع باتوا يُدركون أنه ليس بالإمكان ليّ ذراع إسرائيل"، على حدِّ تعبيرِه، من دون أن يرهق نتنياهو نفسه في تعداد إنجازات إسرائيل الكبيرة في إعلان كلينتون فإنه يمكن الإشارة إلى عددٍ منها.

 

أولًا: نَجَح نتنياهو في إملاء موقفِه على السلطة التي عادت للمفاوضات في ظلِّ ليس فقط عدم استعداد إسرائيل لتجميد الاستيطان في الضفة الغربية، بل أيضًا في ظلّ تشديد كبار المسئولين الإسرائيليين أن تلّ أبيب تستعدُّ للشُّروع في طَفْرَة هائلة وغير مسبوقة في البناء في المستوطنات، وهذا ما يسمعُه الفلسطينيون صباح مساء من وزير الخارجية الصهيوني أفيغدور ليبرمان ونائبي رئيس الوزراء موشيه يعلون وبني بيغن وغيرهم، وهكذا فقد دلَّل إعلان كلينتون عن استئناف المفاوضاتِ مرةً أخرى على افتقاد ممثلي السلطة والنظام الرسمي العربي لأيّ قدرٍ من المصداقيَّة؛ فمن على شاشَة "الجزيرة" كرَّرَ مسئول دائرة المفاوضات في السلطة صائب عريقات تشديدَه على أن السلطة لن تعودَ للمفاوضات بدون التزامٍ صريح بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، وصَدَر الموقف نفسه مراتٍ كثيرةً عن أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى.

 

اللافتُ أن استئناف المفاوضات في ظلّ تواصل الاستيطان ينطوي على خطورة هائلة، فهو إقرارٌ عمليّ من قِبل ممثلي السلطة بحق إسرائيل في تواصل الاستيطان، ومن ناحيةٍ ثانية فإنه يفرغُ المفاوضات من مضامينها، فإن كانت المفاوضات تستهدفُ الحفاظ على الحقوق الفلسطينية وعلى رأسها الأرض، كما يزعم مشايعوها، فإن المفاوضات تتحول إلى مظلَّة يتم تحتها قضْم هذه الأرض وحسْم مصيرِها.

 

ثانيًا: بعكس ما روَّج له الناطقون باسم السُّلطة، فقد وافق محمود عباس على استئناف المفاوضات بدون تحديد مرجعية أو أجندة لها، علاوة على عدم اتفاق على مآلِها، فقد نجحت الضغوط التي مارسها نتنياهو على إجبار اللجنة الرباعيَّة على شطْب فقرة من بيانِها يدعو إلى إنهاء المفاوضات بشأن الدولة الفلسطينية في غضون فترةٍ محدَّدة، كما أنه لم تتمّ الإشارة إلى قراراتِ مجلس الأمن ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية، وهذا ما يسمحُ لإسرائيل بهامش حريَّة هائل في التسويف والمماطلة والتفسير كما يحلو لها وينسجم مع مصالِحِها، في الوقت الذي تواصلُ فيه الاستيطان على الأرض، وسيتمُّ استئنافُ المفاوضات دون الاتفاق على جدول القضايا فيها، فقد وافَق عباس على ألا تبحثَ المفاوضات مركباتِ القضية الفلسطينية الرئيسة وتحديدًا قضية اللاجئين والأرض، واشترط بدلًا من ذلك أن تتناول المفاوضاتُ قضيتي الحدود والأمن، وإن كانت إثارة قضية الأمن تأتي أساسًا لخدمة المصالح الإسرائيلية، فإنه لا طائلَ من بحْث قضية الحدود، في الوقت الذي تستأنفُ فيه المفاوضات في ظلّ التسليم بتواصل الاستيطان.

 

ثالثًا: لا يمكنُ فصل استئناف المفاوضات المباشرة مع السلطة عن مخططاتِ إسرائيل تجاه المنشآت النوويَّة الإيرانية؛ فمن الواضح أن إسرائيل معنيَّة بسيادة مناخٍ إقليمي يسمح لها بتنفيذ مثل هذه العمليَّات ذات التأثير الاستراتيجي بعيد الأمد، وهناك سوابقُ تدلِّل على كيفية توظيف إسرائيل المفاوضات مع أطراف عربيَّة لتنفيذ أجنداتٍ سريَّة، فقد جاء قرارُ رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن بقصف المفاعل الذري العراقي عام 1981 بعد سلسلة لقاءاتٍ مكثَّفة بينَه وبيْنَ الرئيس المصري السابق أنور السادات، وأمر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت بقصْف المنشأة البحثيَّة السوريَّة في ديسمبر 2008 مباشرةً بعد انتهاء أعمال مؤتمر أنابوليس الذي جَمَعه وكلًّا من محمود عباس والرئيس الأمريكي جورج بوش.

 

رابعًا: ولا جدالَ في أن استئناف المفاوضاتِ المباشِرة بين السلطة وإسرائيل يعني بشكل مؤكَّد أنه لا أملَ في استئناف جلساتِ الحوار بين حركتي فتح وحماس بشكل جدي، صحيح أن كل المؤشرات تدلِّل على أن فرصَ نجاح الحوار تئول إلى الصفر حتى قبل أن تُستأنفَ المفاوضاتُ المباشرة، لكن ومع ذلك فإن استئنافَها يوجِد بيئةً سياسية يجعل الجهود التي تبذل من بعض الأطراف العربية والفلسطينية حاليًا لاستئناف الحوار والتوصُّل لحلول بشأْن الخلافات حول الورقة المصرية تؤول إلى الصفر، فالفيتو الأمريكي الإسرائيلي على الحوار الوطني واضح وجليّ، ولا يحتاج المرء أن يعدِّد الاقتباسات الصادرة عن المسئولين الإسرائيليين في هذا الشأن.

 

خامسًا: تدرك قيادة السلطة أن تراجعها الواضح عن شروط الحدّ الأدنى التي وضعتْها لاستئناف المفاوضات سيعملُ على إضعافِها أمام الجمهور الفلسطيني، لذا فقد لجأَ عباس وأركان حكومة فياض للأسطوانة المشروخة ذاتها التي عادةً ما يلجئون إليها في مثل هذه الحالات، وهي الشكوى من أنَّ السلطة تعاني من أزمة اقتصادية خانِقة تهدِّد قدرتها على تسديد رواتب الموظفين والعاملين، وأن رفضَها الموافقة على استئناف المفاوضات سيعمل على مُفاقمة الأزمة، ويهدِّد فرص تسلُّم الموظفين رواتبَهم، حيث لن يلتزم المانحون الأوروبيون بدفع الرواتب، من الواضح أن الهدفَ من افتعال الحديث عن أزمة ماليَّة هو توفير مظلَّة للتراجع عن الشروط التي قدَّمتها سلطة رام الله.

 

سادسًا: يتيحُ الواقع القائم حاليًا لإسرائيل هامش المناوَرَة بين المسارات التفاوضيَّة العربيَّة، وتحديدًا بين المسارَيْن السوري والفلسطيني، ومن الواضح أن الأفضليَّة ستكونُ للمسار السوري، فلم تشهد الساحةُ الإسرائيليَّة في يومٍ من الأيام ذلك الحماس الذي تشهدُه حاليًا لإبرام تسويةٍ مع سوريا تحديدًا، حيث تدلُّ كافَّة الدلائل على أن نتنياهو يتعرَّض لضغوطٍ هائلة من قادة الأجهزة الأمنيَّة الصهيونيَّة للشروع في مفاوضاتٍ جادَّة مع دمشق، بغيةَ التوصُّل لتسوية سياسية معها، ويؤكِّد كبارُ المعلِّقين الإسرائيليين الذين هم على دراية كبيرة بما يجري داخل أَرْوقة صنع القرار في إسرائيل أنه لم يحدث إن كان قادة الأجهزة الأمنيَّة في إسرائيل مُجمعين على رأيٍ في يوم من الأيَّام كما هم مجمِعون حاليًا على ضرورة بذْل أقصى جهدٍ من أجل التوصُّل لتسوية سياسية للصراع مع سوريا وبأسرع وقت ممكن، وحتى يوفال ديسكين رئيس جهاز المخابرات الداخلية " الشاباك " الذي يعتبرُ الملفّ السوري خارج نطاق اهتمامات جهازِه يمارس ضغطًا كبيرًا على نتنياهو للإسراع في التفاوُض مع السوريين، وتجاهل المسار التفاوضيّ مع الجانب الفلسطيني، وحسب المسوّغات التي يسوقُها قادة الأجهزة الأمنيَّة الإسرائيلية لتبرير حماسِهم للتسوية مع سوريا فإن إنجاز هذه الخطوة يمثِّل تغييرًا هائلًا وغيرَ مسبوقٍ في البيئة الاستراتيجيَّة لإسرائيل، في حين أن إبقاءَ الوضْع القائم على حالِه لفترة أطول يحملُ في طياتِه مخاطرَ ذات طابع وجودي على إسرائيل، فلا خلافَ بين قادةِ الأجهزة الأمنيَّة في إسرائيل على أن تسويةَ مع سوريا تضمن تقليصَ المخاطر الناجِمة عن المواجهة مع حزب الله، وتحرمُه القدرةَ على مواصلةِ تهديد إسرائيل، لذا فإن التنازلاتِ التي قدَّمَها عباس قد تؤدي فقط إلى تحسين ظروف التفاوُض لبشار الأسد فقط.

 

قصارى القول، موافقة السلطة على استئناف المفاوضات يعني -ضمن أمور أخرى- أن اللجنةَ التنفيذية لمنظمة التحرير والفصائل المشارِكة فيها وضمنها فصائل يسار النفاق قد منحتْ إسرائيل وعدَ بلفور جديدًا، لكنه هذه المرة وعد فلسطيني!