خبر غورباتشوفنا؟..هآرتس

الساعة 10:59 ص|27 أغسطس 2010

بقلم: الوف بن

بدء المحادثات المباشرة مع الفلسطينيين تبعث من جديد السؤال من هو بنيامين نتنياهو والى اين يسير. هل رئيس الوزراء هو ميخائيل غورباتشوفنا، الاصلاحي الكبير الذي يؤدي الى انهاء السيطرة الاسرائيلية في المناطق؟ "ريتشارد نكسون الذي سافر الى الصين، رجل اليمين الذي تنكر لمواقفه السابقة وغير ميزان القوى بخطوة دبلوماسية لامعة؟ أم أنه ذات "بيبي القديم" الذي يصفه خصومه، الذي يذر الرماد في العيون ويخاف اباه بن تسيون وعقيلته سارة، الزعيم القابل للضغط الذي يخاف من القرارات ويمرر الوقت بتمريرات عابثة للكرة؟ مراجعة تصريحات وأفعال نتنياهو في الـ 17 شهرا التي مرت منذ عودته الى الحكم، تدعم الرواية الاولى. حكومة نتنياهو الحالية هي الحكومة الاكثر "حمائمية" التي تولت في اسرائيل الحكم منذ اغتيال اسحق رابين. زعيم اليمين يبدي ضبطا للنفس وكبحا للجماح في استخدام الجيش وفي توسيع الاستيطان، اكثر بكثير من اسلافه. وهو يؤيد اقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل، والان سيعود الى المفاوضات على التسوية الدائمة.

غورباتشوف اختير لرئاسة الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي كي ينقذ طريقة الحكم، التي اخذت في الصدأ. اما نتنياهو فعاد الى الحكم على رأس ائتلاف يميني كي "يحافظ على بلاد اسرائيل" بعد فك ارتباط ارئيل شارون عن قطاع غزة ومخططات انسحاب ايهود اولمرت. القرار الاول الذي اتخذه نتنياهو كان وقف مسيرة انابوليس (ما وصفته "بوليسي ريفيو"، مثابة سياسة). وها هو، مثلما اعاد غورباتشوف النظر في الطريقة السوفييتية وادخل تعديلات عليها الى أن انهارت، نتنياهو هو الاخر يجد نفسه في نقطة يرغب في الفرار منها: المفاوضات على "المسائل الجوهرية" – القدس، الحدود واللاجئين – برعاية ادارة امريكية تسعى الى انهاء الاحتلال الاسرائيلي في المناطق.

ولكن نتنياهو لا يتملص ولا يترد، بل العكس. فهو يدخل الى المفاوضات بحماسة، بتلهف بعد أن نفض عنه "محادثات التقارب" التي فرضها عليه الفلسطينيون، وجند تأييد اوباما والجامعة العربية لفرض المحادثات المباشرة على الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

نتنياهو لا يكتفي بذلك، ويعد في كل مكان بانه ملتزم بتحقيق تسوية معناها تقسيم البلاد الى دولتين، اسرائيل وفلسطين.

بالتأكيد جاء هذا الاعتدال تحت الضغط، وليس بسبب اتضاح مفاجىء لدى نتنياهو جعله اوري افنيري. غورباتشوف ونكسون هما ايضا احدثا انعطافة لانعدام البديل، انطلاقا من الاعتراف بضعفهما وليس لانههما تبنيا فجأة ايديولوجيا خصومهما. نكسون لم يقرأ الكتاب الاحمر لماو فتحمس له، وغورباتشون، على الاقل في بداية طريقه، لم يتوجه الى دروس الاقتصاد لدى مؤدلج السوق الحرة، ميلتون فريدمان. في اساس انعطافتيهما وقف تقويم للوضع، اشار الى موقف دوني من ناحية استراتيجية.

ليس مسحورا

وضع نتنياهو مركب. في الداخل هو قوي. في ظل غياب منافسين على كرسيه، يتمتع نتنياهو بقوة سياسية أكثر من أي رئيس وزراء في الجيش الاخير. ولكن في نظرة الى الخارج، يخشى من العزلة الدولية المتعاضمة لاسرائيل ومن تعزز قوة ايران التي تقترب من السلاح النووي. حيال هذه المخاطر، فان الخط الذي يقوده نتنياهو واضح: اسرائيل بحاجة الى دعم دولي، وللعلاقات مع الولايات المتحدة توجد اولوية عليا، اكثر بكثير من الايديولوجيا اليمينية. وعليه، في كل مرة يصطدم فيها نتنياهو بمطلب حازم من الرئيس الامريكي براك اوباما انصاع للتعليمات من البيت الابيض.

هذا مؤشر جيد. السياسة الناجحة تختبر في فهم ميزان القوى وتكييف المواقف مع الواقع، وليس برفع اعلام عنيدة. هكذا تصرف ايضا رؤساء الوزراء السابقون، من دافيد بن غوريون الذي انسحب من سيناء عشية اعلانه عن "مملكة اسرائيل الثالثة"، عبر اسحق شمير في حرب الخليج ومؤتمر مدريد وحتى شارون، الذي أخلى غوش قطيف وتنكر لتصريحه بان حكم نتساريم كحكم تل أبيب.

وسائل الاعلام العالمية تصف حكومة نتنياهو بانها "متصلبة الخط"، متطرفة، ولكن هذا الوصف عليل. يمينية الحكومة موجهة تجاه الداخل، الى داخل الخط الاخضر. وهذا يجد تعبيره في الصراعات ضد التطلعات السياسية للطائفة العربية وضد المحاضرين اليساريين في الجامعات. خلف جدار الفصل، نتنياهو يتصرف كيساري. وفقا لطبيعته، ومثلما تصرف في الولايات المتحدة، فانه شحيح في استخدام القوة العسكرية. ردود فعله على النار من خلف الحدود دقيق ومدروس. تورطه في قضية الاسطول الى غزة نبع من فهم عليل للوضعية، وليس من استخدام قوة مبالغ فيها في المعركة. شهادته أمام لجنة تيركل التي روى فيها كيف اتخذ القرار بوقف الاسطول التركي اظهرت بان نتنياهو يسأم من تفاصيل العمليات ولا ينصت لها. وهو يشعر بانه في بيته اكثر في "الامم المتحدة القفراء" مما في مناورة فرقة او في غرفة العمليات ويقلل من جولاته العسكرية. فضوله العسكري، في حاله وجوده، يتركز على الاجهزة الاستراتيجية في الجو وفي البحر وليس على "التفاصيل" الصغيرة.

موقفه من الفلسطينيين وسائلي. نتنياهو مغروس في الغرب. وهو ليس مسحورا بالتاريخ والثقافة العربيين وعالم الجيران غريب عليه ولا يثير اهتمامه؛ كما أنه لم يكره العرب كارئيل شارون. نتنياهو بحب ان يتجادل مع الفلسطينيين حول الرواية التاريخية، ان يكافح في سبيل الاعتراف بالصلة العميقة بالشعب اليهودي بارض اسرائيل بشكل عام وبالقدس بشكل خاص. لا يوجد لديه أي ثقة بينه وبين عباس، ونتنياهو يدخل الى المفاوضات ضمن ملاحظة تحذير، في أنه قد لا يكون هناك شريك فلسطيني.  ولكن في الحياة العملية، التعاون الامني مع السلطة الفلسطينية وثيق أكثر من أي وقت مضى، ورئيس الوزراء يعمل اكثر من اسلافه على تعزيز الاقتصاد الفلسطيني، رفع الحواجز والسدود. وحسب نهجه، كلما كانت المعابر تعج بالحياة، سيقل الدافع للعمليات.

نتنياهو بنى حياته السياسية على معارضة الانسحابات والتنازلات. وحتى في الحملة الانتخابية الاخيرة، كرر، في احاديث مغلقة، معارضته المبدئية لفكرة الدولة الفلسطينية. ولكن في زيارته الاولى لدى اوباما في ايار 2009 اكتشف نتنياهو بان العالم تغير. فقد عرض عليه اوباما طلبا قاطعا لوقف البناء خلف الخط الاخضر، وقبل كل شيء في شرقي القدس. كان هذا "تكتيك الصدمة والدفعة" من الرئيس، بمشورة رئيس طاقمه، رام عمانويل: دفع نتنياهو نحو الزاوية الى ان ينكسر ويتنازل.

اوباما تعرض بأثر رجعي الى الكثير من الانتقاد لهذا النهج، بدعوى أنه رفع الى السماء التوقعات الفلسطينية بتسوية مفروضة، وشجع عباس على التملص من المحادثات المباشرة. يحتمل. ولكن حزم اوباما أحدث العجب لدى نتنياهو، الذي تحلل بالتدريج من مواقف الماضي واقترب من المطالب الامريكية: وافق على فكرة "دولتين للشعبين"، جمد لعشرة اشهر البناء في المستوطنات، اوقف بصمت البناء في شرقي القدس، قلص الاغلاق على غزة، ووافق على فحص دولي لاحداث الاسطول (عبر مراقبين اجانب في لجنة تيركل ومشاركة اسرائيلية في الطاقم الذي عينه الامين العام للامم المتحدة).كما لطف نتنياهو التصريحات تجاه ايران وهو يفرض عفاف في تطرق وزراء حكومته للموضوع، والذين يمتنعون عن التهديدات المضادة ردا على الحماسة الايرانية، او عن ردود فعل على منشورات في خارج البلاد عن قصف المنشآت النووية. وهو يمتنع عن خلق اجواء طوارىء في اسرائيل ويدير الاستعدادات العسكرية للحرب مع ايران في الظل. التهديدات الاسرائيلية بمهاجمة ايران تتم بطريق غير مباشر، في الاستعراضات لوسائل الاعلام الاجنبية. وزراء كبار يقولون ان التنسيق والتفاهم بين اسرائيل والولايات المتحدة في الموضوع الايراني توثقا في السنة الاخيرة، مثلما يتضح في كثرة اللقاءات بين قادة اجهزة الامن.

نتنياهو تسلق الى قيادة الدولة عبر منصة الامم المتحدة وشاشات التلفزيون ولم يترعرع في ميدان المعركة أو في تنمية البنى التحتية والمصانع. الشخصية القدوة له هو في دور هرتسل، ابو الصهيونية السياسية الذي لم يخدم في الجيش وكافح في سبيل دعم الاستقلال. كدبلوماسي، نتنياهو يفهم ويقدر القوة، وفقا لشعار قرره في عهد اتفاقات اوسلو: "اذا اعطوا فسيأخذون". هكذا ينبغي لنا ان نفهم علاقاته المركبة مع اوباما.

ماذا يريدون

عندما سافر نكسون في رحلته التاريخية الى بيجين.، كتب لنفسه بطاقة صنف فيها مصالح الولايات المتحدة والصين تحت ثلاثة عناوين: "ماذا يريدون"، "ماذا نريد نحن"، "ماذا يريد الطرفان" (نكسون كان استراتيجيا بعيد النظر ومنذ العام 1972 قدر بان الصن، التي بصعوبة استيقظت في حينه من الثورة الثقافية، ستنمو لتصبح قوة عظمى).

مشوق أن نعرف اذا كان نتنياهو يكتب بطاقات كهذه كاعداد لزيارته الى البيت الابيض. اذا كان كذلك، فلعله يكتب هناك: "الرئيس يريد منع حرب اقليمية، تأييد اليهود في الانتخابات للكونغرس وبعد ذلك، في الانتخابات الرئاسية، ويري بانه دفع الى الامام الدولة الفلسطينية. انا اريد البقاء في الحكم، احباط النواة الايرانية وانقاذ اسرائيل من العزلة الدولية. كلانا نريد تعزيز الانظمة المعتدلة في الدول العربية، صد تعزز قوة ايران، والحفاظ على اسرائيل كمرعية لامريكا".

في لقائه الاخير مع اوباما في 7 تموز، وصل نتنياهو الى تفاهم مع الرئيس، الذي وصف لقاءهما علنا بانه "ممتاز". وكانت النتيجة الانتقال الى محادثات مباشرة مع الفلسطينيين، ستدشن يوم الخميس القريب القادم في مؤتمر واشنطن. ماذا حصل هناك؟ موظفون امريكيون قالوا بعد ذلك ان رئيس الوزراء اطلق اقوالا لم يقلها في الماضي في الموضوع الفلسطيني. هذا لا يعني شيئا: في الدبلوماسية وارد دوما الادعاء بان الطرف الاخر فقط هو الذي تنازل (رئيس وزراء الصين، شو إن لاي، روى لاعضاء المكتب السياسي بان نكسون طلب المجيء الى الصين "مثل مومس تدق الباب"). لعل نتنياهو عرض على اوباما خريطة التسوية التي سيعرضها على عباس وقائمة المستوطنات التي سيخليها؛ وربما، وهو اكثر احتمالا انه اكتفى باقوال غامضة مثل "لم انتخب فقط كي اجلس في الكرسي، أنا اريد أن احدث تغييرا"، وتحدي الحائز على جائزة نوبل للسلام بالدعوة الى الانتقال الى محادثات مباشرة.

المواقف الاولية التي يعرضها نتنياهو قبل المفاوضات على "دولتين للشعبين" تتركز في ثلاثة مطالب: الامن، الاعتراف والنهاية. وبتفصيل أكبر، تجريد الدولة الفلسطينية وانتشار الجيش الاسرائيلي في غور الاردن منعا لدخول سلاح ثقيل وصواريخ الى الضفة؛ الاعتراف باسرائيل كـ "دولة الشعب اليهودي" والذي يرفضه الفلسطينيون رفضا باتا؛ عودة اللاجئين فقط الى فلسطين وليس الى اسرائيل؛ والاعلان عن "نهاية النزاع" الذي سيمنع مطالب مستقبلية من المجتمعات العربية في النقب وفي الجليل بالحكم الذاتي او بالاستقلال. نتنياهو يريد أن يجعل لعباس "جوجستو دبلوماسي": الفلسطينيون أملوا بان يفرض اوباما على اسرائيل تسوية دائمة، وهو يريد أن يفرض اوباما على الفلسطينيين تسوية انتقالية، تتقرر فيها الحدود والترتيبات الامنية و"بنود الرواية" – المطالب المتبادلة بالاعتراف بدولة الشعب اليهودي وبحق العودة للاجئين – يعطلان الواحد الاخر ويخرجان من الطريق. النتيجة ستكون دولة فلسطينية في حدود مؤقتة.

مشوق أيضا أن نعرف ما لا يقوله نتنياهو: فهو لا يولي اهمية امنية للمستوطنات، ولا يزور المستوطنات خارج الكتل، وتصريحاته بالنسبة للقدس ملتبسة (نتنياهو أعلن مؤخرا بان المدينة لن تقسم، ولكنه لا يقول انها كلها ستبقى ضمن السيادة الاسرائيلية). وهذا، حتى قبل أن يجلس ولو لمرة واحدة في حديث جدي مع عباس.

عندما وصل الى الصين، كتب نكسون لنفسه بطاقة جديدة، اقصر، لخص فيها هدف الزيارة: "صفقة تبادل بين تايوان وفيتنام". امريكا ارادت الخروج من فيتنام بحد أدنى من الاهانة والصين أرادت ان تخرج امريكا قواتها من الجزيرة المجاورة. في حالة نتنياهو واوباما يمكن اجمال الصفقة بـ "ايران مقابل المستوطنات". كلما شددت امريكا موقفها من النووي الايراني، او اعطت اسرائيل حرية عمل، هكذا ستتنازل اسرائيل في الضفة الغربية. هذا هو اساس سياسية نتنياهو الذي يرى هدفه الاعلى في منع "الكارثة الثانية" التي يحيكها احمدي نجاد.

نتنياهو بحاجة الى محادثات مع الفلسطينيين كي يحطم العزلة الدولية لاسرائيل ويعزز موقفه حيال ايران، وربما الشرعية لهجوم مستقبلي. الجدول الزمني الذي تقرر للمفاوضات، حتى آب 2011، يكتسب لنفسه زمنا وهدوءا سياسيين – بعد أن يحل الازمة المرتقبة في ختام تجميد الاستيطان. كيف سيخرج منه؟ قدراته كسياسي وكدبلوماسي ستقف امام الاختبار، ولديه اوراق لا بأس بها، حتى حيال الفلسطينيين الذين يطلبون اراض وصلاحيات اضافية في الضفة، وكذا حيال ائتلافه، الذي حتى اليوم اسند خطواته وكان حذرا من التمرد ضد اوباما. نتنياهو وعد بالاعنه عن التجميد بانه في ختامه "سنعود الى سياسة البناء للحكومات السابقة". لكل حكومة كانت سياسة مختلفة قليلا، ولكن الحكومتين الاخيرتين لشارون واولمرت، بنتا في الكتل فقط – في الاماكن التي وعد نتنياهو بالبقاء فيها الى الابد – وأوقفوا التنمية خارج الجدار.

وماذا بعد ان تحل مشكلة التجميد؟ رؤساء الوزراء الذين دخلوا حتى اليوم في "كورال" المسيرة السياسية، من رابين وحتى اولمرت، وصلوا ابعد بكثير في المحادثات مع الفلسطينيين مما خططوا له في البداية. يمكن التقدير بان هكذا سيحصل مع نتنياهو أيضا، اذا استمرت المحادثات، مثلما حصل لغورباتشوف ونكسون بعد أن صعدا الى الحكم. رئيس الوزراء يفهم ذلك ويطلب ان يعطى فرصة: "عندما نصل الى عمر متقدم، لا نعود كي نتولى وظيفة. هذه ليست بهجة كبيرة جدا"، قال في الشهر الماضي في نيوريورك. انا مستعد للقيام بعمل ما وانا مستعد لاخذ المخاطر. لن اعرض امننا للخطر، ولكني سآخذ على نفسي بالتأكيد مخاطر سياسية".

        الان لنراه.