خبر الكشف عن كواليس إطلاق المفاوضات في واشنطن

الساعة 06:03 ص|23 أغسطس 2010

الكشف عن كواليس إطلاق المفاوضات في واشنطن

فلسطين اليوم-القدس العربي

عندما حضر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى عمان قبل عدة أسابيع بضغط أمريكي نجح في رسم ملامح الدهشة على وجه المسؤولين الأردنيين الذين استمعوا إليه في القصر الملكي وهو يسوق الإدعاء التالي، 'أعتقد في حال انطلقت المفاوضات غير المباشرة أننا نستطيع إنجاز الأمر والخروج بإتفاق سلام في فترة ما بين 3- 6 أشهر'.

فورا شعر الأردنيون بأنهم بصدد 'كذبة جديدة' أو لعبة من ألعاب نتنياهو، فالرجل من النوع الذي 'يكذب ويمشي' كما يصفه الخبير الأردني الأبرز بشخصيته والتفاوض معه رئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم الكباريتي.

وقبل الإسترسال في مشهد المفاجأة حصل وزير الخارجية الأردني على الإشارة الأمريكية التي تقول ان نتنياهو يردد عمليا ما طلبه منه الرئيس باراك أوباما وان الكذب حتى الأن يقتصر على قصة الأشهر الثلاثة، فحتى المبعوث جورج ميتشل قال لوزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط لاحقا 'لا تبالغوا في تصديق نتنياهو نحن نتحدث عن ستة أشهر كفترة مناسبة للتفاوض المباشر على كل القضايا'.

الأردنيون وكما يؤكد لـ'القدس العربي' مسؤول بارز منهم لهم رأي آخر في قصة الوقت، فالإتصالات التي جرت مع هيلاري كلينتون من القصر الملكي ووزارة الخارجية الأردنية كانت تتحدث عن 'عام كامل' ينبغي ان ينتهي فيه كل شيء، عام وليس أكثر ولا يوجد مبرر لخداع الناس بالتحدث عن أشهر، كان هذا الإصرار الأردني على فريق الرئيس أوباما. في الكواليس الساخنة جدا التي دارت في محيط اجتماع الرباعية الأخيرة كان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني شخصيا مهتما بمسألة اخرى تماما سقطت في البداية من حسابات الجميع وهي ان يحضر الرئيس أوباما شخصيا الحفل السياسي المصغر الذي سيجري في واشنطن تحت عنوان إطلاق المفاوضات غير المباشرة.

عمان طلبت ذلك بضغط شديد من أوباما فوافق على ان يحضر شخصيا لإضفاء الهيبة على المسألة ثم يتابع التفاصيل عن بعد. وفهم الزعماء العرب ان هيلاري كلينتون هي التي ستقود حلبة المفاوضات فيما كان ميتشيل يطمئن عمان والقاهرة بانه مستعد لاستخدام تقنية 'الكوريدور' إذا لزم الأمر او عندما يتعقد الموقف بمعنى التجول بين المفاوضين في الأروقة.

مساء الجمعة الماضية توترت الأجواء جدا في رام الله التي كانت تسعى لإقناع مؤسسات السلطة وحركة فتح والمنظمة بان العودة للمفاوضات تمت على أساس عدم وجود أي تنازل في القضايا الرئيسية، بينما كان محمود عباس وصائب عريقات يفعلان ذلك صدر التصريح الحساس من هيلاري كلينتون التي قالت بان المفاوضات تنطلق بدون أي شروط مسبقة.

تخربطت الأجواء فدخلت عمان على الخط وبكثافة وطوال ساعات مع اتصالات مكثفة جدا قدمت كلينتون تبريرها للأمر حتى يهدأ الفلسطينيون، قالت: فعلت ذلك لغرض مساعدة نتنياهو على الحضور بقوة، فقد حصل عباس على قرار الرباعية الضامن وحصل قبلها على رسالة أوباما وخصوم نتنياهو يعايرونه يوميا بأنه سيذهب للمفاوضات بدون أي ضمانات مسبقة. على هذا الأساس تقرر ان يدخل الجميع الإستعراض الكبير في واشنطن ولإن أوباما وافق على الحضور شخصيا في 'افتتاح العرض' بدلا من ترك كلينتون وحيدة في المضمار اول الأمر على الأقل رتبت دعوات العاهل الأردني والرئيس المصري لمنح المسألة زخما عربيا. ودليل ان مسألة حضور الزعماء العرب للمناسبة تقررت لاحقا ولم تكن ضمن البرنامج ان العاهل الأردني اضطر للتبكير في زيارته الرمضانية الموسمية للسعودية التي كانت مقررة كالعادة في العشر الأواخر من رمضان فأصبحت يوم 22 أي الأحد.

الهدف من ذلك التمكن من السفر إلى واشنطن يوم الأول من شهر أيلول (سبتمبر) المقبل لدعم انطلاق المفاوضات ولتوفر غطاء عربي لها.

والإنطباع الذي تتحرك المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في فضائه أن مشكلة ملف اللاجئين ليست وخلافا للإعتقادات السائدة العقدة الأهم في طريق التوصل إلى اتفاق بعد أسابيع أو أشهر بين الجانبين.

والإنطباع في السياق ان مشكلة اللاجئين يمكن التفاهم عليها وفقا لسلسلة من الوثائق الدولية والعربية لكن أهم ما يقال في دوائر قرار عمان مثلا هو الإشارة إلى ان ما حصل مؤخرا في لبنان من حيث تعزيز حقوق اللاجئين الفلسطينيين قليلا هو 'بروفة' لما يمكن ان يحصل في أكثر من مكان.

الدبلوماسية الأردنية تعتقد ان الحقوق التي أقرها البرلمان اللبناني مؤخرا للاجئين ليست بعيدة عن سياق التصور الذي تقترحه إدارة الرئيس باراك أوباما للحل خصوصا وان بعض القرارات التي كانت شبه مستحيلة مرت بهدوء عبر بوابة البرلمان اللبناني.

لذلك الإنطباع بان ملف اللاجئين على أهميته القصوى يمكن معالجته بعد التفاوض في إطار برنامج دولي متكامل يتميز بالعقلانية والواقعية والإنصاف في الوقت نفسه وهي روحية يعتقد ان وثيقة المبادرة العربية تتيحها.

وثمة تفاهمات في الإطار- قال وزير الخارجية الأردني ناصر جودة لـ'القدس العربي' وهو يشرح: التفاوض لايعني التنازل عن الحقوق ونقصد أي حقوق فما يقوله الجميع الان للفلسطيني إذهب للتفاوض واحصل على حقوقك مدعوما بالأردن وبموقف عربي. بالنسبة للوزير جودة ملف اللاجئين عربيا واضح ولا مجال للمزاودة السياسية في إطاره فنحن مع حق العودة والتعويض معا وإذا احتاج الفلسطيني حلا سيجد وثيقة المبادرة العربية التي وقعت عليها 22 دولة كأساس لتفاهمات سياسية واقعية تمنح المنطقة الإستقرار المنشود.

حتى على هامش التحضيرات التي جرت في عمان ورام الله لالتحاق وفد رسمي أردني بقطار المفاوضات المباشرة في واشنطن مع مطلع شهر أيلول المقبل يعتقد ان المفاوضات تعقد في ظل انطباع جماعي بان ملف اللاجئين بكل ترجيح لن يكون السبب في تعطيل اتفاق بعد هذه المفاوضات.

ثمة مساحة أخرى مرتاحة في السياق ويعتقد ان برنامج المفاوضات سيبدأ منها أصلا حسب التصور الذي وضعه فريق الرئيس أوباما، المبعوث جورج ميتشل قال للأردنيين: سنبدأ بالقضايا الأسهل لترتيب أجواء من الارتياح والثقة وسأكون موجودا مع هيلاري.

الملف السهل هنا وفقا للتصور الأمريكي ملف الحدود والأمن وما قد يتضمنه من تبادل للأراضي حيث قيل للطرفين ان المفاوضات في هذا المحور ستبدأ من حيث انتهت إليه وثيقة واي بلانتيشن وخارطة الطريق.

الواضح حسب الرصد ان نتنياهو وعباس يقولان للأمريكي وللأردني والمصري انهما مستعدان لتبادل المزيد من الأراضي حيث الأهم لعباس عدم تحريك حجر فوق حجر في مستوطنة خلال المفاوضات، إذا حصل ذلك سأنسحب فورا (قال عباس لكلينتون).

ملف الأمن سيكون الأسهل حيث حصلت السلطة الفلسطينية على موقع متصدر في برنامج 'الأهلية الأمنية' الذي وضعته الإدارة الأمريكية السابقة ويتشكل من 14 نقطة، يعني ذلك ان سجل السلطة الأمني بالنسبة للأمريكيين 'مشجع' ويمكن البناء عليه والتفاهمات الأمنية بقيت ديناميكية رغم انقطاع المفاوضات.

عند البحث في التفاصيل فوجىء الأردنيون بأن نتنياهو يشيد بالدور والأداء الأمني لأجهزة عباس ويعتبرها نجحت في تأسيس مصداقية، على هذا الأساس تتحرك المفاوضات تحت انطباع بأن ملف الأمن سيكون من الملفات السهلة.

وفي البعد التنظيمي من الواضح ان خطة المفاوضات رتبت في مكتب أوباما لتشمل أربع مراحل متلازمة يتم في الأولى والثانية غلق ملف تبادل الأراضي والحدود والأمن ثم الإنتقال في الثالثة لحسم ملف اللاجئين بصيغة عادلة ومنصفة تتضمن آلية العودة والتعويض معا كما يقول الوزير جودة.

وتبقى المرحلة الرابعة التي يصفها المبعوث الأمريكي ميتشل بالمرحلة المرعبة وهي التي يعتقد انها ستثير إشكالا عاصفا وهي مسألة ملف القدس، فالمفاوضات ستنطلق دون خطة محددة معتمدة واستشيرت بها الأطراف في موضوع القدس.