خبر لا ينبغي البحث عن منطق في الحلم..هآرتس

الساعة 08:07 م|08 أغسطس 2010

بقلم: تسفي بارئيل

يحل أن نحسد رئيس الولايات المتحدة، الذي يستطيع ان يقوم بازاء عدسات التصوير ويصرح بأنه سيسحب حتى نهاية آب أكثر جنود بلده من العراق. ويمكن أن نحسده أنه يستطيع أن يتحدث عن سنة 2011 على أنها السنة التي سيبدأ فيها الانسحاب من افغانستان. صحيح ستظل قوات امريكية في  العراق في السنتين المقبلتين ولن تكون افغانستان أيضا خالية من القوات الاجنبية، لكن قد أصبح واضحا الان أنه ستكون نهاية للاحتلال الامريكي. فليس الاحتلال الامريكي احتلالا اسرائيليا. انه يبدأ بحرب وينتهي الى تسوية ما، وبعد ذلك لتفعل الدولة المتحررة ما تشاء ما لم تمس المصالح الامريكية.

        هذا هو الفرق الذي يثير الحسد وهو أن الولايات المتحدة لم تنشىء مستعمرات وراء البحار ولم تنقل مستوطنين امريكيين للسكن في الدول المحتلة، ولهذا فهي حرة أن تقف كما شاءت كل احتلال في أي وقت تشاء. كان عليها أن  تقنع الرأي العام فيها – والرأي العام العالمي أيضا – بضرورة الحرب أما الانسحاب فلا يحتاج الى تعليل.

        تمتعت اسرائيل ايضا مراراة كثيرة بهذا الترف. فقد قررت متى تنسحب من لبنان، وانسحبت مرتين من سيناء بل من اجزاء من الجولان. وفعلت تقريبا غير المستطاع عندما انسحبت من قطاع غزة، لكن الانسحاب من الضفة، فضلا عن الاجزاء الشرقية من القدس، أمر يختلف تماما.

        يوجد في  ظاهر الامر فرق عظيم بين المناطق والعراق أو افغانستان. فالضفة لصيقة بدولة اسرائيل – اما العراق فعلى مبعدة آلاف الكيلومترات من المدن الامريكية؛ ويمكن من الضفة اطلاق صواريخ على تل ابيب وعلى مطار بن غوريون، اما في العراق فيمكن فقط خسارة حقول نفط. لكن ليس التعليل الامني القديم هو الذي يمنع الانسحاب الاسرائيلي. فالتهديد الوجودي هو من ايران خاصة وتهديد الارهاب يأتي من لبنان او من غزة اللتين لم تعد حاجة الى الانسحاب منهما. عندما يخاف بنيامين نتنياهو نشوء جبهة شرقية من جديد يقصد العراق وايران، لا رام الله المليئة بمراكز الشراء والملاهي الليلية. لا يوجد نفط في الضفة ولا عمال رخيصون يأتون للعمل في اسرائيل. فقد كفت الضفة منذ زمن عن أن تكون مؤخرة اقتصادية اسرائيلية كما كانت في السبعينيات والثمانينيات وهكذا فان التعليل الاقتصادي باطل أيضا.

        لا يمكن حتى ان يستعمل خطر نقد الائتلاف تعليلا جيدا للامتناع من الانسحاب. لانه في المدة التي حكمت فيها أيضا ائتلافات مركز ويسار كانت تستطيع تقرير انسحاب وتنفيذه ايضا لم يوفر ذلك في جدول العمل. لم يبق أي تعليل عقلاني واحد يمكن أن يمنع الانسحاب. الرفض الاسرائيلي موجود في مكان آخر – أي في وعي فحواه أن حلم أرض اسرائيل الكاملة لم يتلاش قط وأنه تحقق. إن دولتين للشعبين شعار جميل وعقلاني يمكن أن يشهد على تفكير سياسي واقعي لكنه لا يستطيع أن يحل عقدة تحكم وأن يلاشي حلما.

        هذا هو مصدر انفصام اسرائيل التي ترى في لحظاته الحسنة على ما يرام، ومنطقية، ومستعدة لتفاوض مباشر بل تشتاق اليه. ورئيس الحكومة أيضا على ثقة بأنه مستعد للتنازل للفلسطينيين – هذا هو تعبيره لا الانسحاب.  وهو يدرك ثقل الضغط الامريكي وآثار الاحتلال على دولة اسرائيل. لكنه في أكثر الوقت هو وحكومته غارقان في هذيان، ومكبلان بالشخصية المريضة الحالمة.

        ليس المرض هو مرض حكومة الليكود او اليمين المتطرف فقط. بل ان الجمهور في أكثره مصاب به. ليس جمهورا يمينيا برغم انه منح أحزاب اليمين الاكثرية. انه جمهور حالم أو تعود الحلم على الأقل الذي استمر 43 سنة.بل ان اليمين في حلمه مستعد لضم المناطق مع الملايين الثلاثة او الاربعة من الفلسطينيين الذين يسكنونها بشرط ألا يضطر الى التخلي عن التراب المقدس. هذه هي مفارقة اليمين الذي هو مستعد من جهة للتخلي عن مناطق في اسرائيل يسكنها عرب اسرائيليون ويريد في مقابلة ذلك أن يضم ملايين الفلسطينيين بشرط أن يأتوا بمهر الأرض معهم. لكن المرض لا يبحث فيه عن منطق. ويعرف محمود عباس ويدرك علاماته أيضا. لهذا يحذر الاقتراب حتى يحصل على ضمانات لمستقبل حلمه. وفي الولايات المتحدة وحدها لا يفهمون لماذا لا يمكن أن نقول هنا: سنسحب حتى سنة 2011. لماذا لا يمكن احتلال الحلم.