خبر إنصاف ضحايا التعذيب- مصطفى إبراهيم

الساعة 06:21 ص|29 يوليو 2010

إنصاف ضحايا التعذيب- مصطفى إبراهيم

 

المحكمة العسكرية الخاصة المنعقدة في الخليل أصدرت قراراً عسكرياً بتاريخ 20/7/2010، بإلزام جهاز المخابرات العامة الفلسطينية تقديم تعويض مالي لعائلة المواطن هيثمعمرو الذي توفي في مركز توقيف المخابرات العام الماضي، وبرأت خمسة منالمتهمين بالقضية من أفراد وضباط من الجهاز من تهمة التسبب بوفاة عمرو، المحكمةألزمت جهاز المخابرات بدفع تعويضات مالية لعائلة عمرو بسبب الإهمال والتقصير فياتخاذ التدابير اللازمة لحماية الموقوفين لديه.

عمرو توفي بعد أربعة أيام من توقيفه من قبل جهاز المخابرات الفلسطينيبتهمة الانتماء لحركة "حماس".

الهيئة المستقلة لحقوق الانسان طالبت في حينه السلطة الفلسطينية بفتحتحقيق جدي في ظروف وفاة عمرو، على أن يطال التحقيق الإجراءات المتبعة فيعملية الضبط والتوقيف بما في ذلك الجهة التي أصدرت مذكرة التوقيف والجهة التي نفذتالأمر والمكان الذي احتجز فيه.

وعلى اثر وفاة المواطن عمرو، وبعد متابعات متعددة حصلت الهيئة المستقلة على موافقة النائب العام ووزير العدل في المشاركة في عملية تشريح جثة عمرو، غير ان طواقم الهيئة منعت من حضور التشريح، لكن الهيئة تمكنت من اخذ صور لجثة المواطن عبر باحثها الذي افاد بوجود آثار عنف وتعذيب كانت ظاهرة على الجثة.

الهيئة المستقلة رصدت خلال العامين الأول والثاني من عمر السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1994 وحتى العام 1996 وفاة 22 مواطناً جراء تعرضهم للتعذيب في مراكز التوقيف والاعتقال التابعة للسلطة، ما شكل صدمة كبيرة للمواطنين ومؤسسات حقوق الانسان الفلسطينية والدولية.

ومنذ العام 1996 حتى العام 2001 توفي مواطنان جراء تعرضهما للتعذيب، ومنذ العام 2001 لغاية العام 2006 توفي مواطنان أيضاً.

وعلى إثر الانقسام الفلسطيني في العام 2007 ازدادت حالات التعذيب ما حذا بمؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية إعتبار التعذيب في فلسطين ظاهرة وسياسة ممنهجة، وتوفي خلال الأعوام الثلاثة الماضية حتى نهاية العام 2009 في مراكز التوقيف والاعتقال التابعة للحكومتين في الضفة الغربية وقطاع غزة 20 مواطناً جراء تعرضهم للتعذيب في مراكز التوقيف التابعة للسلطتين.

الهيئة المستقلة في تقريرها السنوي الثالث عشر للعام 2007، تلقت 274 شكوى متعلقة بالتعذيب أثناء التوقيف، واستخدام العنف أو الضغط الجسدي أو المعنوي، والمعاملة القاسية واللاإنسانية، وهو ما شكل ارتفاعا غير مسبوق في حالات التعذيب وسوء المعاملة.

وعلى رغم اعتبار هذا العدد هو الأكبر من الانتهاكات المرتبطة بالحق في الأمن الشخصي والتعذيب في تاريخ السلطة الفلسطينية منذ قيامها في العام 1994، إلا أن عدداً كبيراً من المواطنين الذين تعرضوا للتعذيب لم يتقدموا بشكاوى للهيئة.

العدد الكبير من هذه الانتهاكات وقعت وتضاعفت مرتين بعدما سيطرت حركة "حماس" على قطاع غزة في منتصف العام 2007، وبدء التأريخ لمرحلة الانقسام في النظام السياسي الفلسطيني، وان معظم هذه الانتهاكات من التعذيب والمعاملة القاسية تعرض لها نشطاء وأعضاء حركة "فتح" في السجون ومراكز التوقيف والتحقيق التي سيطرت عليها حركة "حماس" في القطاع، وكذلك ما تعرض له نشطاء وأعضاء الحركة الذين اعتقلوا من قبل الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية.

وفي العام 2008، تراجعت حالات التعذيب مقارنة بالعام 2007، في مراكز التوقيف والتحقيق التابعة للأجهزة الأمنية سواء تلك التابعة للسلطة الفلسطينية، مثل جهازالشرطةبإداراته

المختلفة،وجهازالأمنالوقائي،وجهازي الاستخباراتالعسكريةوالمخابراتالعامة، أو التابعة للحكومة المقالة: جهاز الأمن الداخلي، وجهاز الشرطة بإداراته المختلفة، "المباحث العامة ومكافحة المخدرات"، ووصل عدد الشكاوى المتعلقة بسوء المعاملة والتعذيب التي تلقتها الهيئة نحو 163 شكوى.

وشهد العام 2009 تزايداً كبيراً في حالات التعذيب في مراكز التوقيف والتحقيق، الذي تمارسه الأجهزة الأمنية المختلفة والشرطة في الضفة وغزة، ووصل عدد الحالات إلى نحو 309 حالة تعذيب تقدم مواطنون بشكاوى إلى الهيئة المستقلة منها 202 شكوى في الضفة الغربية و107 شكاوى تلقتها الهيئة في قطاع غزة ادعى فيها المشتكون تعرضهم لسوء المعاملة والتعذيب أثناء توقيفهم والتحقيق معهم.

وعلى رغم التعليمات التي صدرت عن مسؤولي الحكومتين بعدم ممارسة التعذيب إلا ان الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة مارست ولا تزال تمارس التعذيب ضد الموقوفين.

وما يثير الاستغراب والدهشة أنه لم تتم حتى الان محاسبة أي شخص حيث لم يثبت تورط أي من ضباط وأفراد الشرطة والأجهزة الأمنية بالتعذيب.

باستثناء قرار رئيس الوزراء في الحكومة المقالة إسماعيل هنية العام الماضي بالمصادقة على توصيات لجنة التحقيق بفصل عدد من أفراد الشرطة، بتهمة التسبب في وفاة المواطن زايد جرادات أثناء التحقيق معه، ومن ثم إحالتهم للمحكمة العسكرية التي برأتهم من التهمة المنسوبة إليهم من دون اتخاذ الإجراءات المعتبرة قانوناً.

قرار المحكمة العسكرية بتبرئة عدد من أفراد جهاز المخابرات من تهمة التسبب في وفاة المواطن هيثم عمرو يؤكد الاستنتاج الذي يقول أنه في معظم حالات الوفاة لم يظهر سبب جرمي للوفاة، وتبين وقوع حالات تعذيب، وأنه لم يتم الإعلان عن تشكيل لجان تحقيق، او تشريح جثث الضحايا, وفي الحالات التي تم التحقيق والتشريح فيها لم يعلن عن أي نتائج.

وعليه، فإن مؤسسات حقوق الانسان وفي مقدمتها الهيئة المستقلة تعتبر كل أشكال سوء المعاملة والتعذيب أعمالاً محظورة ويجب تجريمها، والتحقيق فيها وملاحقة مرتكبيها، وان تلك الجرائم لا تسقط بالتقادم ويمكن ملاحقة مرتكبيها حتى بعد تركهم وظائفهم الرسمية، ويجب الحد من ظاهرة التعذيب عبر اتخاذ كل الإجراءات الوقائية سواء كانت تشريعية أم توعوية أم رقابية، والتدخل السريع في حال حدوثها.

إنصاف ضحايا التعذيب يتم من خلال محاسبة المتورطين في التعذيب، وتشكيل لجان تحقيق والإعلان عن نتائجها والكشف عن مرتكبي التعذيب وتقديمهم لمحاكمة قانونية عادلة، وتقديم تعويضات تضمن تعويض الضحايا وتحقيق الردع العام في إطار محاربة هذه الظاهرة. [email protected]