خبر حكومة نتنياهو بين المطرقة والسنديان .. معاريف

الساعة 12:57 م|25 يوليو 2010

بقلم: زاخي شلوم

لا يمكن ألا تثير تصريحات نتنياهو في الأشهر الاخيرة حول المسيرة السلمية الاسرائيلية – الفلسطينية، الدهشة. يبدو نتنياهو كمن يخرج عن طوره لبدء تفاوض مباشر مع الفلسطينيين في أسرع وقت. الحديث على حسب بيانه عن تفاوض كثيف، تمهيدا لتسوية شاملة (فقد بين نتنياهو ان طريقة "التسوية على مراحل" فشلت ولن تجدد). الوضع في الشرق الاوسط كما يرى نتنياهو "سيال" جدا. فمستقبل دول رئيسة كايران وتركيا ومصر غير واضح. وهذه كما أكد "ساعة مناسبة" للتوصل الى تسوية. يجب على الفلسطينيين، كما أكد نتنياهو، ان يكفوا عن الايمان – الوهم بأن جهة خارجية، اي الولايات المتحدة، ستأتيهم بتسوية جاهزة. فلا بديل من التفاوض المباشر الاسرائيلي – الفلسطيني.

قد يستنتج من هذا التوجه في ظاهر الأمر ان نتنياهو يعتقد: أ. أن تسوية اسرائيلية فلسطينية هي في متناول اليد. ب. أن الطرف الفلسطيني ذو قدرة على تحقيق شروط التسوية. ج. أن لقدرته، وله شخصيا قدرة على تحقيق شروط التسوية بثمن سياسي محتمل. أهذه حقا هي المحاور التي يقوم عليها تقدير نتنياهو للوضع؟ أشك في هذا كثيرا.

إن زعيما ذا تجربة كنتنياهو عالم بلا شك بالفروق الكبيرة بين الطرفين، والتي يشك في القدرة على التقريب بينها في المستقبل القريب مثل الشكوك الكثيرة أيضا في قوة زعيم السلطة أبي مازن وقدرته على تحقيق تسوية كهذه حتى لو رغب في ذلك. وفوق كل شيء، نتنياهو عالم بيقين بالضرورات الصعبة التي تنتظره لتحقيق تسوية كهذه، والاخطار التي تصحب ذلك على حكومته ومستقبله السياسي. سيقتضي هذا الاتفاق أصلا اجلاء عشرات آلاف الاسرائيليين عن يهودا والسامرة. ويوجد احتمال كبير يكاد يكون يقينا ان تكون هذه المسيرة مصحوبة بالعنف غير المعروف مبلغ كثافته. ومن الضروري أن تفضي تسوية كهذه الى نقض عرى الائتلاف الحالي، وشقاق داخل الليكود، حزب نتنياهو، وانتخابات جديدة بل ربما تفضي الى نهاية حياة نتنياهو السياسية. صورة الوضع هذه تحدد السؤال: الى أين يسعى نتنياهو اذن بدعواته المكرورة الى تجديد المحادثات المباشرة مع الفلسطينيين؟ إن خطبة نتنياهو الطويلة أمام مجلس العلاقات الخارجية – وهو جسم بحث ذو شأن عظيم جدا في نيويورك – في الثامن من تموز 2010، واجاباته للاسئلة التي سئلها يمكن ان تمنحنا في تقديري جوابا ولو جزئيا للتساؤلات التي عبرنا عنها آنفا.

اختار نتنياهو في خطبته نقل رسالة ايجابية في كل ما يتعلق بالعلاقات القائمة بين اسرائيل والولايات المتحدة في هذه الفترة. استعمل نتنياهو تعبيرا يشبه تعبير الرئيس اوباما. فقال إن العلاقات بين الدولتين لا يمكن كسرها وهي فوق الاختلافات التي تنجم من آن لآخر بين الدولتين. وقال إن الاختلاف بين الدولتين هو اختلاف تكتيكي حول الطرائق الفضلى لاستمرار المسيرة السلمية لا في مجرد الحاجة الى تفاوض مباشر وكثيف. ونتنياهو عالم جيدا بحقيقة أن نظام العلاقات بادارة اوباما، في هذه الايام ايضا أقل "وردية" مما يحاول أن يبين لمستمعيه. يبدو أنه يقدر أن التكرار الدائم منه لرغبته في بدء تفاوض مباشر مع الفلسطينيين سينشىء جواً مريحا لعلاقاته بالادارة، التي ترى ذلك مصلحة قومية عليا للولايات المتحدة.

عرض نتنياهو على الطرف الفلسطيني سلسلة مطالب وعرض توضيحات يوجد لها جميعا مزيتان بارزتان:

أ‌.   الحديث عن مطالب تبدو معقولة مقبولة في تفاوض في تسوية سلمية بين الدول. يستطيع نتنياهو أن يفترض، بقدر كبير من اليقين، أن ادارة الرئيس اوباما لا تستطيع رفضها، أو رفض أكثرها على الاقل رفضا باتا. لا يستطيع ان يفترض أيضا ان عناصر مختلفة في الادارة، ولا سيما في مجلس النواب، وفي وسائل الاعلام والرأي العام ستقبلها، أو تقبل بعضا منها، بتفهم بل ربما بعطف. ويستطيع نتنياهو أن يقدر أن تقبل هذه المواقف عند الرأي العام في البلاد ايضا بموافقة واسعة، من قبل دوائر سياسية مختلفة تشتمل على ما يسمى "دوائر اليسار".

ب‌. في مقابلة ذلك هذه مطالب يصعب افتراض ان تكون السلطة الفلسطينية مستعدة او قادرة على قبولها، ومن المحقق انها لن تفعل بالصيغة التي يعرضها نتنياهو.       

بين نتنياهو في بدء كلامه ان اسرائيل ترفض طلب الفلسطينيين شروطا مسبقة لبدء تفاوض مباشر بين الجانبين. الحديث في الاساس عن مطلبين للجانب الفلسطيني: أ. أن يبدأ التفاوض من النقطة التي وقف عندها التفاوض السابق مع حكومة اولمرت. ب. ان تقبل اسرائيل استمرار تجميد البناء في يهودا والسامرة وفي ضمن ذلك شرقي القدس. وبين نتنياهو ان التفاوض يجب ان يتم بغير شروط مسبقة كما كان منذ اتفاقات اوسلو.   أكد نتنياهو ان جوهر التسوية في مبدأ دولتين للشعبين، الذي تعترف دولة اسرائيل في نطاقه بدولة فلسطينية على أنها دولة الشعب الفلسطيني، أما الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح فتعترف بدولة اسرائيل على انها دولة يهودية. معنى هذا الاعتراف جزم أن الصراع انقضى تماما، والا تعرض بعد مطالب من اسرائيل لا من قبل السلطة الفلسطينية فحسب بل من مواطني اسرائيل العرب (أي الحصول على مكانة حكم ذاتي في النقب او/الجليل). لم يبين نتنياهو كيف يعتقد أن تستطيع السلطة الفلسطينية إلزام العرب في دولة اسرائيل.

تصحب ذلك الحاجة الى حماية الأمن القومي لدولة اسرائيل على أثر الانسحاب الذي سيصحب كل تسوية اسرائيلية – فلسطينية. بين نتنياهو أن لاسرائيل تجربة مؤلمة في سياق الانسحاب من مناطق على خلفية الانسحاب من لبنان ومن قطاع غزة. ففي الحالتين دخلت المنطقة عناصر مسلحة مقربة من ايران وأطلقت من هناك صواريخ على دولة اسرائيل. اذا اضطرت اسرائيل الى الانسحاب مرة ثالثة من المناطق فسيكون عليها ان تضمن ألا تتكرر هذه الظاهرة. تلح تهديدات شديدة لمدن اسرائيل ومطاراتها ومنشآت عسكرية مهمة. علينا أن نضمن ردا حقيقيا على هذا التهديد، يضمن نزع سلاح الدولة الفلسطينية، وبخاصة – منع تهريب الصواريخ الى الارض التي تنسحب اسرائيل منها.

بين كلام نتنياهو الحازم في هذا السياق أن الرقابة على نزع سلاح الدولة الفلسطينية يجب ان يكون في يد دولة اسرائيل وقواتها الأمنية. ويمكن أن نفهم من كلامه ان اسرائيل لا تستطيع الاعتماد على قوات أجنبية في هذا السياق. بين نتنياهو ان القضية بحثت بتوسع كبير في اللقاء مع الرئيس اوباما وأكد قائلا: "كلانا يلتزم أن يجد حلا واقعيا محددا لهذه المشكلة".

إن "رؤيا نتنياهو" عن صورة التسوية الاسرائيلية – الفلسطينية تشكك في الماهية الضمنية، في ظاهر الأمر من مبدأ "الدولتين". في التصور الذي عرضه نتنياهو لـ "الدولة الفلسطينية" كان الحديث عن دولة تخضع حدودها ومطاراتها لرقابة اسرائيلية سنين طويلة. وبين نتنياهو ان "عامل الزمن" أي مدى الأمن لتحقيق التسوية، عنصر جوهري في التسوية. الدولة الفلسطينية التي يتحدث عنها نتنياهو ليست "دولة ذات سيادة" كما يطلب الفلسطينيون وكما يتبين من تصريحات الرئيس اوباما. يصعب افتراض أن تستطيع السلطة الفلسطينية قبول هذا الواقع.  الشروط الاخرى التي عرضها نتنياهو ايضا، ولا سيما الاعتراف بأن دولة اسرائيل "دولة يهودية" والتصريح بنهاية المطالب من اسرائيل هي مطالب سيصعب على السلطة الفلسطينية قبولها – في هذه الصيغة بيقين، او في المستقبل القريب على الاقل. تفضي مواقف الطرفين هذه في شبه يقين الى استنتاج ان احتمالات تسوية اسرائيلية – فلسطينية في المستقبل القريب ضعيفة جدا، وتصحبها أخطار كبيرة جدا على الطرفين. يبدو ان التقدير الذي أخذ يصاغ هو أن المعركة الحقيقية الان وفي المستقبل القريب هي على موقف الادارة، والرأي العام في الولايات المتحدة وفي اسرائيل في سياق سؤال: على من تقع المسؤولية عن عدم التسوية. يقدر نتنياهو، في شبه يقين، وبقدر كبير من الحق أن الادارة سيصعب عليها أن ترفض تماما مطالبه المتعلقة بصورة التسوية، وستمتنع عن القاء المسؤولية الكاملة عن الفشل على اسرائيل. مع ذلك يجب أن يأخذ نتنياهو في حسابه امكان ان ادارة اوباما قد تطلب اليه بحزم أن يودع في يديها "وديعة" تشبه تلك التي أودعت في شأن هضبة الجولان، أي بيانا واضحا لا لبس فيه "تطلع عليه الادارة فقط" لمدة الانسحاب التي يوافق عليها اذا قبل الفلسطينيون شروطه كلها أو بعضها. اذا حدث هذا فسيواجه نتنياهو معضلة يصعب ان نرى كيف يستطيع الخروج منها "بلا ضرر".