خبر ديسكو في المقاطعة..إسرائيل اليوم

الساعة 11:17 ص|23 يوليو 2010

بقلم: عميت لفنتال

مشرب على الموضة وقت الشفق الأحمر، يبتسم، والرومانسية في الهواء. على الشرفة فتاة في لباس مكشوف تسمى جيني تتحكك بزوجها سعيد الذي يستنشق النرجيلة بطعم الليمون مع النعنع. وعلى المائدة كؤوس الويسكي والجعة. الريح منعشة لذيذة في هذه الساعة من شهر تموز، ويصبح الجو معديا في حين يصدح من داخل المشرب صوت كارلا بروني تغني بهمس بالفرنسية "الاجمل في الحي". يهيىء الرؤوس لعرض فرقة بوني أم في قصر الثقافة الذي سيبدأ بعد وقت قصير.

        هكذا بدا يوم الثلاثاء من الاسبوع الماضي، لا في نيويورك او في باريس ولا في تل ابيب ايضا. حدث هذا على مبعدة 40 دقيقة عن مركز البلاد في نادي "أنيسا" الذي يقع في قلب عاصمة السلطة الفلسطينية: انها رام الله أيتها الفتاة. انها رام الله.

        "ولدت في الولايات المتحدة، في يوستون، ونشأت هناك حتى سن 12"، تقول جيني وكأس جعة في يدها. "في 1991 قرر والداي اللذان ولدا في رام الله العودة وقد أحسنا الصنع. أشعر هنا في البيت. أتعلم؟ الحياة هنا لا تقل تقدما وروعة عما هي في أمريكا". وإلى جنب جيني يجلس زوجان شابان – حلا ومحمد. "تزوجنا قبل ثلاثة أشهر"، تقول حلا المولودة في رام الله. ومحمد من القدس، وقد أتيا هنا للزيارة فقط: "نعيش في نيويورك لأن محمدا يحضر لاجازة الدكتوراة في الهندسة. لكننا نأتي هنا في كل اجازة. لا ينقص هنا شيء".

        وفي الحقيقة ما الذي ينقص رام الله؟ في السنين الثلاث الأخيرة بنى 700 مستثمر من العالم العربي والعالم الغربي أكثر من ألف مشروع في الضفة الغربية، وأيد ذلك بتبرعات من العالم وبأموال ضرائب ومن السلطة الفلسطينية. انخفضت البطالة انخفاضا حادا الى نسبة 15 في المائة فقط ووقف النمو في 2009 على ثماني في المائة ويتوقع ان يكون مرتفعا هذا العام ايضا. كل ذلك بفضل العمل الهادىء للقوات الامن الفلسطينية التي تقر نظاما يحتذى. والى ذلك، أصبحت المحكمة العليا التي تقع في رام الله في المدة الاخيرة جسما ذا قوة عظيمة، يلزم عند الحاجة الحكومة ان تقدم تفسيرات عن شكاوى المواطنين.

        يعمل في رام الله اكثر من 50 مقهى. وتوجد ميادين حسنة، وعشرات المشارب والمراقص وسائر أماكن قضاء الاوقات ولونا بارك مدهش يعمل في الليل أيضا وقصر ثقافة. و 12 فندقا، نشأ خمسة منها في السنين الثلاث الاخيرة وتثبت ثباتا حسنا للسياحة في المدينة. بل انه سيفتتح قريبا في موقع استراتيجي في مركز المدينة فندق لشبكة "موبينفك" السويسرية.

        ليست النهضة لرام الله وحدها. تقام الان منطقة صناعية جديدة عند ظاهر بيت لحم بمساعدة مالية فرنسية ستشتمل على نحو من 50 مصنعا. الصناعة الخفيفة والمتوسطة تنمو في الضفة. فليس عجبا أن اغنياء السلطة وممثلي المنظمات الدولية ايضا يرفهون عن أنفسهم في بيوت فخمة في رام الله في الاحياء الفخمة البلوعة والمصيون وطلع الربيع. ويبنون الان بجد في شمالي رام الله مدينة "روابي" وهي المدينة الفلسطينية المخططة الاولى التي يفترض بحسب الخطة ان تكون رائعة.

        ردايو سما بلا انقطاع

        زار مليون سائح الضفة الغربية في السنة الماضية. زار اكثرهم في الحقيقة بيت لحم بسبب المواقع المقدسة، لكنهم عندما بقوا للمبيت وتابعوا رحلتهم في مناطق السلطة، مكثوا في رام الله. ولمزيد المفاجأة كان اسرائيليون ايضا بينهم. "في يهودا والسامرة كلها وفي رام الله خاصة توجد ظاهرة عدد يزداد من الاسرائيليين يقررون دخول هذه المناطق"، تقول جهة في الادارة المدنية، "نحن لا نفتش جيوب من يدخل. يتم التفتيش على من يخرج من المناطق". يوجد نصيب غير ضئيل من النماء في رام الله والهدوء الأمني فيها لعلاج الادارة المدنية الصحيح التناسبي، الذي خفف كثيرا مرور السلع والناس.

        ماذا يحدث في رام الله ايضا؟ سوق الاتصالات في نماء. إن رؤوس شركة جوال، التي تستعمل خطوط هواتف محمولة لاكثر من مليوني مشترك، يضحكون طوال الطريق نحو "بنك فلسطين" الذي يقع فرعه المركزي ايضا في المدينة. بلغ عدد محطات التلفاز التي تبث من المدينة وحولها (وفيها محطات قرصنة) 36، بحسب جهة في السلطة. وتوجد 11 محطة مذياع احداها هي راديو سما اف ام 99.6 . وموسيقى حديثة بالانجليزية والعربية ومذيعون شبان مترنمون جعلوا المحطة ذات شعبية.

        لكن دعوا المعطيات الجافة. في الخامسة مساء بعد انهاء العمل مباشرة، يحسن المرور قرب ميدان المنارة، بين الحوانيت والصالونات، حيث مئات كثيرة من النساء والرجال يجولون في الشوارع، من حانون الى أخرى. فواحدة تشتري حقيبة، وواحد يشتري أريكة، وامرأة اخرى تصفف شعرها وابنها يجول في حانون كتب مجاورة. "ينبع جزء من ثقافة التسوق في رام الله من أن النساء هنا يشعرن بالأمن وبالحرية أكثر مما في أكثر الأماكن في العالم العربي"، تقول لي نور، وهي شابة من المدينة. "ويحدث هذا في منتصف الاسبوع. تعال في نهاية الاسبوع وانظر ماذا يجري هنا".

        إن مطعم زعرور الحسن الشكل في رام الله السفلى مكان يجذب السياح وأغنياء المدينة. وفي الخلفية أغنية حب مؤثرة للمطرب هاني شاكر، وسبع فتيات يلبسن لباسا (علماني) يجلسن الى مائدة هناك. التهمنا السلطات ووجبات اللحم الفاخرة قبل أن ينقضضن على النرجيلة. وفي اثناء ذلك تحدثن في امور كثيرة. تقول احداهن "كان لذيذا جدا مع العائلة في القرية السياحية في جفنة". وتحدثت اخرى عن ملابس حصلت عليها من صديقها: "أهم شيء عندما يشترون لي ملابس هدية احضار ورقة تبديل"، تضحك ويضحكن بعدها جميعا. وشيء آخر مدهش في رام الله هو العدد الذي لا يحصى من السيارات الجديدة الباهظة الاثمان التي تجول في المدينة. لن تروا هنا خردا.

        ما تزال عملية التنكيل في الذاكرة

        ستظل رام الله الى الابد ناشزاً في الذاكرة الاسرائيلية بسبب الثاني عشر من تشرين الاول 2000 فبعد اسبوعين من نشوب انتفاضة الاقصى سافر وديم نوزيتش ويوسي ابراهامي، وهما جنديا احتياط نحو موقع بنيامين. ضل كلاهما طريقه نحو القاعدة العسكرية، وبلغا ظاهر رام الله، فوقفهما جمهور فلسطيني جرهما الى "تحقيق" في محطة الشرطة في المدينة. ومنذ تلك اللحظة نقشت الصور الصعبة للتنكيل الذي جرى على الاثنين، والجثة التي رميت من النافذة، والزعزعة في اسرائيل وفي العالم من الفيلم الذي صوره فريق تلفاز ايطالي. مر منذ ذلك الحين نحو من عشر سنين، ووقفت قوات الامن الاسرائيلية جميع المشاركين في التنكيل وحوكموا في اسرائيل، لكن الذاكرة الاسرائيلية ترفض ترك ذلك.

        ومع كل ذلك، يوجد شيء من الأمل في التطبيع في المستقبل القريب او البعيد. فلا ذكرى للدبابات التي احاطت بالمقاطعة، ورام الله اليوم تفور بالحياة في جو سلام وثقافة. الشوارع نظيفة والشعور كأنك في مدينة حديثة متطورة. مع ذلك سيوصلك انعطاف واحد غير صحيح من الشارع الرئيس الى مخيم لاجئين مزدحم، وهنا تجد أولادا في ملابس رثة يلعبون كرة القدس في ملعب مرتجل وسخ. فليس كل شيء ورديا.

        "في رام الله تقدم اكاديمي واقتصادي تجلبه الليبرالية"، يبين الصحفي الاسرائيلي حكمة غرة. "آتي المدينة باسرائيليين فيدهشون ويقولون انهم لا يشعرون بأنهم في الشرق الاوسط بل في اوروبا. فثم الجمال والشعور بالامن ايضا". ما تزال ترى في الشوارع أعلام المنتخبات التي شاركت في العاب مونديال كرة القدم وفتيان يجولون في قمصان منتخبات المانيا واسبانيا والارجنتين والبرازيل. يتحدث الجميع عن ان الجو في الشوارع زمن الالعاب كان خاصا ومتفائلا. "لم ينم الناس حتى الخامسة صباحا وكان احتفال مع شاشات في وسط المدينة"، يقول سعيد وهو عامل في سوق. "شاهد كل لعبة ما يقرب مائة في المائة من الناس. لم يكن الامر في جنوب افريقيا فرحا الى هذه الدرجة". على العموم، حب الرجال الاكبر في الضفة هو لكرة القدم. "خيبة الامل كلها بسبب الاحتلال والوضع السياسي يخرجونها على كرة القدم التي تنصب عليها جميع الطاقات"، يبين جهاد طمبالي، من قادة فتح في الضفة الذي يرأس اتحاد الرياضة "شباب الامعري". هذه امبراطورية رياضية من مخيم اللاجئين الامعري، حصلت من جملة ما حصلت عليه على ميداليات في لعبة السيف في الالعاب العربية، لكنها مشهورة في الاساس بفريقها المجيد في كرة القدم، الذي عين هذا الصيف هشام الزعبي مدربا له. "نحلم ببطولة الاتحاد الفلسطيني واللعب في اتحاد ابطال آسيا"، يبين طمبالي. وماذا عن لعبة ودية مع فريق يهودي؟ "ما دام يوجد احتلال، ومستوطنات وحواجز لن يحدث هذا. عندما يحل سلام عادل سيسعدنا اجراء لعبة كهذه"، يقول. سيفتتح بعد شهر الاتحاد الفلسطيني. سيكون هذا موسمه الاول كاتحاد محترف فيه 12 فريقا، بعضها مع ميزانيات تبلغ ملايين الشواقل.

        شقة بمائة ألف دولار

        كيف نفسر التغيير الذي جرى على رام الله في غضون سنين معدودة؟ "الناس هنا يحبون الحياة، ويريدون السلام  والحب وقضاء اوقات ممتعة. لا يريدون مشكلات ويؤملون أن ينتهي النزاع مع الاسرائيليين"، يبين عبدالله العفران، مدير مكتب الاتصال في مكتب الرئيس ابي مازن. يستضيفني العفران في مكتبه في المقاطعة ويعرض علي سيجارة امبريال وعصير الجريب فروت المحلي الممتاز من انتاج شركة مراوي. "كان هنا قبل أربع سنين جبال ساكنة مع أشجار فقط، وهي الان ملأى بالمباني. في كل اسبوعين ينشأ في المدينة مطعم أو مقهى".

        قبل بضع سنين قرر رئيس السلطة ابو مازن ورئيس الحكومة سلام فياض تغيير الجو وبدآ حملة وطنية كان هدفها تشجيع التفكير الايجابي، واحداث تفاؤل بين مواطني السلطة. إن حقيقة أن قوات الجيش الاسرائيلي تقل من دخول رام الله نسبيا، تساعد في الأمن والهدوء المحلي. لانه اذا كان يوجد شيء يبغضه سكان رام الله فهو ان يروا جنودا وسيارات جيب اسرائيلية تجول في مدينتهم. "نحن نشبه الاسرائيليين"، يقول سعدي الرجوب، مستشار الرئيس المسؤول عن ملف اسرائيل. الرجوب شخص معتدل، ومهادن وودود برغم مكث طويل في السجن الاسرائيلي قبل 29 سنة، لا يكف عن الحديث عن السلام. "للاسرائيلي الحق في أن يسكن في اسرائيل. وللفلسطيني الحق في أن يسكن هنا"، يقول. "نريد انهاء الصراع. السلام سيحسن للجانبين معا".

        رام الله مملوءة بالحياة اكثر من كل مدينة عربية اخرى في اسرائيلي، وثم من يقولون انها اكثر كذلك من عواصم في دول مجاورة. توجد فيها شوارع جميلة مثل شارع "خليل السكاكيني"، المسمى باسم الاديب الفلسطيني الكبير في النصف الاول من القرن العشرين. لكن في ظل جميع المدائح ما يزال يوجد فيها غير قليل من المشكلات: فالانباء من قطاع غزة، وتطورات قضية القافلة البحرية والجمود السياسي تفعل فعلها، وتشتعل المظاهرات أحيانا قرب حاجز قنلديا. توجد مستوطنات حول رام الله تقتطع من المدينة امكان التوسع ازاء الزيادة الطبيعية. لكن توجد حواجز ايضا؛ وبرغم الانفتاح والنماء، ما يزال يوصى الاسرائيليون الذين يزورون المدينة بأن يتحدثوا بلغات أجنبية كي لا يعرضوا أنفسهم للخطر. والى ذلك يوجد للنمو جانبان فقد افضى الى ارتفاع الاسعار جدا. فشقة جميلة في مبنى سكني في احد الاحياء الجميلة تبلغ كلفتها اكثر من 100 الف دولار، وهذا يزيد على القدرة الاقتصادية للفلسطيني من الاوساط.

        معهد جيته في نماء

        تم عرض البوني ام في نطاق اسبوع مهرجان الموسيقى والرقص الدوري الذي تم هذا الاسبوع في رام الله. الحياة الثقافية هنا ضاجة: فقد تم في الآن نفسه مهرجان اسبوع الافلام برعاية المركز الثقافي الفرنسي – الالماني، وانقضى الان فقط مهرجان الاحتفال بمرور مائة سنة على تأسيس بلدية رام الله.

        بيع ألفا بطاقة لعرض البوني أم لكن نصف الحاضرين في  القاعة على الأقل لم يكونوا محليين. فقد سمعت من الجمهور سبع لغات على الأقل. "نحن سياح ونقضي اسبوعا هنا"، يقول لي اينتسا الذي أتى العرض مع زوجته، "نحن باسكيان قوميان وعندنا عادة ان نزور أماكن تطلب الحرية في العالم".

        التقيت في قصر الثقافة ايضا كثيرا من نشطاء منظمات مساعدة دولية. مثل مرغريت، وهي انجليزية من صندوق مساعدة انساني تعيش منذ سنتين في رام الله. "تحسن الوضع في الضفة في الحقيقة لكن ما يزال يوجد الكثير مما يفعل ليكون الوضع جيدا حقا"، تقول قبل العرض. لكن يبدو ان سحر  رام الله يسبي اوروبيين كثيرا. يقع في قلب رام الله معهدا الثقافة الالماني والفرنسي اللذان يعمل فيهما نحو من عشرين عاملا. "عندنا 500 شخص يدرسون الالمانية"، يفخر يورغ شوماخر من معهد جيته في المدينة، "وهو نفس عدد الطلاب الذين يدرسون في القدس. العيش هنا رائع"، يقول.

        التقيت عند أحد الكراسي الجانبية في العرض عباسا، وهو لوطي في الثانية والعشرين. يبين ان حياته في الواقع الفلسطيني غير سهلة. "من الصعب ان تكون لوطيا في العالم العربي"، يقول "انا في تابوت قسري، لكن رام الله على الاقل مدينة فرحة، ملأى بأماكن قضاء اوقات متعة. لا اعتقد ان هناك مدينة افضل منها في المنطقة من أجل اللوطيين، ولا حتى في لبنان".

        تقدم البوني ام عرضها الشهير. بعد يوم مرهق حان وقت العودة الى البيت. في الطريق الى الحاجز ينتظرنا مدة نصف ساعة في السيارة حتى الحصول على الاذن المأمول، وأتذكر لحسن حظي أحد الاسباب المركزية لاتياني رام الله. الكنافة. أقف في مخبز محلي عن ظاهر المدينة. قطعتا كنافة ممتازة بـ 12 شيكلا.