خبر « إسرائيل » ترحل التهديد والوعيد إلى الخريف..خليل حسين

الساعة 08:08 ص|21 يوليو 2010

"إسرائيل" ترحل التهديد والوعيد إلى الخريف..خليل حسين

 طوال الستة أشهر الماضية أطلقت القيادات السياسية والعسكرية “الإسرائيلية” مئات التهديدات المباشرة وغير المباشرة ضد لبنان، وتوعدته بالويل والثبور وعظائم الأمور على قاعدة سلاح المقاومة، وتخطى الأمر بها إلى ربط قضية السلاح وبخاصة الصواريخ بافتعال سجال إعلامي مع سوريا وإيران، توج بإشارات واضحة مفادها أن صيف المنطقة سيكون ساخناً، وما لبث أن أعادت “إسرائيل” خلط أوراقها التهديدية ورحّلتها إلى سبتمبر/ أيلول على قاعدة القرار الظني للمحكمة الخاصة بلبنان، وما يمكن أن تعيد رسم خريطة الفتنة الداخلية في لبنان .

 

وما يثير الانتباه هذه المرة تصريح رئيس الأركان “الإسرائيلي”، غابي أشكنازي، الذي ظهر هذه الصورة القاتمة واتبعها لتصورات توحي كأن “إسرائيل” على علم مسبق بالقرار الظني وتفاصيله وحتى تملك تصوراً دقيقياً لتداعياته اللبنانية الداخلية .

 

طبعاً ليست هي المرة الأولى التي تلجأ فيها “إسرائيل” إلى هذا النوع من التهديدات، كما أنها لا تعتبر سابقة في طريقة التعاطي مع إدارة ملفات لبنان ومقاومته، لكن هذه المرّة ثمّة روابط كثيرة انكشفت وبات الحديث عنها مقترناً بوقائع وأدلة موضوعية ترقى إلى مستوى الدليل القطعي غير القابل للنقض، كما لا يمكن تصنيفه ضمن إطار المؤامرات التي كان يُستند إليها سابقاً رغم صحتها في مطلق الأحوال .

 

الجديد في ربط الفتنة في لبنان بالقرار الظني للمحكمة الدولية، ترافق مع تهاوي شبكات العملاء “الإسرائيليين”، وآخرها شبكة الهاتف الخليوي التي جعلت لبنان خلال سنوات طويلة مكشوفاً أمنياً وسياسياً ل”إسرائيل” بشكل شبه كامل، بفعل المواقع الحساسة التي شغلها العملاء في شركات الهاتف الخليوي وما قدموه من خدمات خطيرة يمكن أن تطال قضايا حساسة جداً في الواقع السياسي اللبناني، ومنها قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري . وفي هذا السياق يمكن تسجيل العديد من الملاحظات أبرزها:

 

لقد تم الكشف عن 154 عميلاً “إسرائيلياً” في لبنان، كان آخرهم موظفان يشغلان مراكز حساسة في إحدى شبكات الخليوي، وبحسب اعترافاتهما قدما ل”إسرائيل” خدمات تتيح لها الدخول إلى “داتا” المعلومات العائدة للشبكة، وما يستتبع ذلك من تلاعب بها وبمعلوماتها، علاوة على التنصت والمراقبة الطليقة من دون حدود أو كوابح .

 

إن الأمر لا يعتبر عملاً فنياً أو تجسسياً عادياً اعتادت “إسرائيل” القيام به عبر جولاتها وصولاتها المخابراتية في غير مكان من العالم ومنها البلدان العربية، بل أن الأمر مرتبط هذه المرة بسياق التحقيقات والأدلة التي استندت إليها المحكمة الخاصة بلبنان بدءاً بلجنة التحقيق برئاسة فيتز جيرالد مروراً بميليس وصولاً إلى تقارير المدعي العام للمحكمة القاضي بيلمار، وجميعها استندت بشكل مباشر إلى مجموعة من الاتصالات الهاتفية التي قيل إنها تمت إعداداً لعملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري .

 

ثمة العديد من المطالبات التي أثيرت سابقاً بوجه المحكمة بعدم استثناء فرضية اشتراك “إسرائيل” في عملية الاغتيال، ولم تتم الاستجابة إلى هذه المطالب، بل تم التعامل مع هذه الفرضية بخفة مطلقة، وتم استبعادها رغم المصلحة الواضحة ل”إسرائيل” بعملية الاغتيال واستفادتها العملية منها .

 

إن حجم الاختراق الذي تمتعت به “إسرائيل” عبر شبكة الخليوي كان ضخماً جداً، لكن في المقابل لم تتمكن من خلاله خرق حركة اتصالات المقاومة في لبنان، ما يظهر بشكل واضح الإصرار من قبل البعض على نزع شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة في لبنان، بخاصة الفترة التي أعقبت عدوان ،2006 والذي كان سبباً من أسباب إمكانية إطلاق الفتنة المذهبية في مايو/ أيار العام 2008 .

 

إن مجمل تلك الملاحظات والوقائع يظهر الأسباب الحقيقية لتعليق “إسرائيل” الأمل على بيئة عملائها في شبكة الخليوي، وما قدموه من خدمات جُلى لجهة تركيب وفبركة الاتصالات التي يمكن لصقها بالمقاومة والادعاء بأن “بعض أفرادها غير المنضبطين” لهم علاقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، ذلك على قاعدة إشغال الواقع اللبناني بفتنة عنوانها القضاء على المقاومة في لبنان بأدوات داخلية بعد عجز “إسرائيل” عن ذلك بحروب متعددة خاضتها منذ العام 1982 وحتى العام 2006 .

 

لقد توعّد أشكنازي اللبنانيين بأن شهر سبتمبر/ أيلول سيكون بمثابة الصاعق الذي سيفجر الوضع اللبناني بفعل ما سيأتي به القرار الظني للمحكمة الخاصة بلبنان، ولم يكن ينقصه إلا أن يتلو حيثيات القرار الظني والإعلان عن أسماء المتهمين وموعد سوقهم مكبلي الأيدي إلى المحكمة، فما سر هذه الثقة “الإسرائيلية” بما سيكون عليه القرار الظني؟ وهل أن هذه الثقة نابعة من كونها شاركت في فبركة المعطيات والأدلة ضد المقاومة؟ إنها أسئلة مشروعة ينبغي على كل المعنيين في لبنان أو غيره الإجابة عنها .

 

أحد الثوابت في استراتيجيات التعامل “الإسرائيلي” مع العرب، الهروب الدائم إلى الاعتداءات والحروب، وإن لم تتمكن من ذلك فبإشعال الفتن الداخلية، وهذا ما تراهن عليه حالياً مع لبنان . فهل سيكون الخريف بديلاً عن الصيف في حسابات الفتنة “الإسرائيلية” في لبنان؟ أم أن اللبنانيين سيتداركون الفخ الذي يمكن أن تنصبه “إسرائيل” عبر المحكمة الخاصة بلبنان؟ ثمة وقائع ومعطيات كثيرة تغلي على نار حامية في الواقع السياسي اللبناني وتنبئ بأسراب الغربان السود في سماء لبنان .

 

-عن الخليج الإماراتية