خبر سلام الجبناء- يديعوت

الساعة 09:00 ص|20 يوليو 2010

سلام الجبناء- يديعوت

بقلم: سيفر بلوتسكر

رئيس الوزراء محبط. وروحه معوقة. قلبه يتفطر. يدخل الى غرفة جلسات الحكومة مكشر الوجه ويخرج اكثر تكشيرا. فرحة الحياة بعيدة عنه. وهو يجد هدوءا لمشاكله فقط لدى حفنة من الاصدقاء الاكثر قربا.

نتنياهو يتمزق. فهو يفهم بان من واجبه كرئيس وزراء اسرائيل ان يستغل الفرصة وان يصل بسرعة الى تسوية شاملة مع الفلسطينيين. وهو مستعد لان يدفع الثمن، "الثمن " المعروف. في الاحاديث الخاصة حتى قبل الانتخابات شهد عن نفسه كزعيم قادر على ان يجلب الى اسرائيل السلام الان. الباحث زكي شالوم، من معهد بحوث الامن القومي في جامعة تل أبيب كتب مؤخرا بان نتنياهو "يسمع كمن يخرج عن طوره كي يؤدي الى بدء مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين في اقرب وقت ممكن، تمهيدا لتسوية شاملة". موقف نتنياهو غريب ولغز في نظره، وهو يولي له نوايا انتهازية.

لا، نتنياهو ليس في الاعمال الانتهازية، ولكن بين العقل والعاطفة تفتح لديه فاها هوة.  منذ طفولته تلقى الايمان ببلاد اسرائيل الكاملة. ورائحتها المسكرة تفوح في أنفه كلما تذكر ايام صباه وكلما كان في حضن العائلة. عندها تتغير شخصيته ويصبح نتنياهو بيبي؛ الصيغة التي تسمى "بيبي" مغروسة عميق في نفسه. بيبي المثير للشقاق، بيبي المتزمت، بيبي من الاجتماعات العامة، من الاعلانات الصفراء لجماعة "حباد". عندما يسيطر عليه بيبي، فان نتنياهو العقلاني، رجل المعرفة، ورجل الدولة المستعد للحلول الوسط العملية، يتقلص ويختفي. ابن 60، منفصم في شخصيته، غارق عميقا في الطمس المعرفي، فان نتنياهو لا يزال يعاني من نوبات بيبي متواترة. لا يزال يخاف بيبي الذي فيه.

في جلسته مع باراك اوباما ترك نتنياهو انطباعا مؤثرا من حيث مرونته. فقد توصل هو والرئيس الامريكي الى اتفاق شبه تام على الخطوط الهيكلية للتسوية الاسرائيلية – الفلسطينية – العربية. وقال اوباما لرجاله ان اوباما يفاجئني ايجابا؛ الرجل يسعى الى السلام. ولكن عرق المحبة لن يصمد:  فمنذ طريق عودته الى القدس يتغير نتنياهو بحيث لا يمكن التعرف عليه. يتحول من قائد الى مقود، من مبادر الى متملص، من سياسي جريء الى متفرغ متلوي. بيبي يعود الى الوطن.

ولكن سيكون من غير النزيه ان نلقي الذنب في عدم وجود تسوية على الثنائي نتنياهو – بيبي وحدهما. فالقيادة الحالية للسلطة الفلسطينية ولا سيما ابو مازن وعصبة نشطاء الماضي المحيطة به، تصر على عدم الحديث مع نتنياهو بسبب مخاوفها. فهم يخافون منه، لانه كفيل بان يقترح عليهم خطة سلام لا يمكنهم ان يرفضوها دون أن يفقوا الغرب ولا يمكنهم ان يستجيبوا لها دون أن يفقدوا الشرق. في العالم العربي، في "الشارع العربي" نتنياهو مرفوض للتسوية، ولا يهم أي تسوية.

حملة نزع الشرعية عن نتنياهو، التي ادارها ابو مازن ورفاقه لاعتبارات التخويف، نجحت فوق المتوقع: وها هم الان مكبلون بالهراء الدعائي الذي اطلقوه أنفسهم، ينتظرون الاذن بالصفقة من الجامعة العربية، والذي لن يعطى لهم. رئيس السلطة الفلسطينية يهرب من اللقاء مع رئيس وزراء اسرائيل ليس لانهما لا يوجد لهما ما يمكنهما ان يتحدثا فيه، بل لانه يوجد لهما ما يتحدثان فيه وما يتوصلان اليه فيه.

على مسافة لمسة من تحقيق الاماني التاريخية للحركة الوطنية الفلسطينية، فانك تجدها مريضة بعجز شديد. تعبة ومنقسمة، لم يتبقَ فيها الكثير من القوة للقرارات الحاسمة العملية الايجابية. حماس أضعفت من روح هذه الحركة، فيما أن الازدهار الاقتصادي اطفأ حماستها.

وها هي إذن المفارقة. من جهة، لم يسبق أن كانت هناك قيادة فلسطينية مستعدة لهذا القدر لتسوية شاملة مع اسرائيل. من جهة اخرى لم يسبق ان كانت قيادة فلسطينية خائفة بهذا القدر من تسوية شاملة مع اسرائيل. من جهة اخرى، لم يسبق أن كان نتنياهو مستعدا بهذا القدر لتسوية سلام مع الفلسطينيين، ومن جهة اخرى، لم يسبق أن كان نتنياهو بهذا القدر من الخوف من التسوية. ومن جهة ثالثة، لم يسبق ان كان اليهود والعرب في بلاد اسرائيل على هذا القدر من الخوف من امكانية دولة ثنائية القومية.

اسحق رابين وياسر عرفات تحدثا عن سلام الشجعان، الذي لم يتحقق. اما الان فان الامكانية الوحيدة هي سلام الجبناء. لعله هو يتحقق بالفعل.