خبر أشتون في غزة للمرة الثانية ... ما هو المطلوب؟- د. باسم نعيم

الساعة 08:09 ص|19 يوليو 2010

أشتون في غزة للمرة الثانية ... ما هو المطلوب؟- د. باسم نعيم

 

غزة كانت امس على موعد من جديد مع قمة الهرم في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، يفصل بين الزيارة الأولى والثانية عدة شهور جرى خلالها كثير من الماء تحت جسر الملف الفلسطيني سواء في الضفة أو في غزة فبعد الزيارة الأولى وقعت الجريمة 'الإسرائيلية' ضد الإنسانية في عرض البحر بالاعتداء الآثم على أسطول الحرية أوقع تسعة قتلى وعشرات الجرحى من نشطاء الحرية و حقوق الإنسان، ذنبهم الوحيد محاولتهم كسر الحصار الظالم المفروض على القطاع والذي اقر الجميع بما فيهم الاتحاد الأوروبي أنه غير قانوني وجريمة ضد الإنسانية.

بعد الزيارة الأولى استمرت الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في الضفة الفلسطينية والقدس المحتلة والتي كان آخرها هدم بيوت المقدسيين وسحب هويات النواب وطردهم من أرضهم في مخالفة صريحة لكل القوانين الدولية ورسالة جديدة تؤكد عبثية المفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع طرف لا يرغب بأي سلام أو استقرار في المنطقة بل يستفيد من هذه المفاوضات غطاء لتمرير مخططاته بسرقة الأرض و تهويد المقدسات وشطب أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة بعد الزيارة الأولى صوت الاتحاد الأوروبي بأرقام تقارب الإجماع (بأغلبية 470 صوتاً ومعارضة 56 صوتاً وامتناع 56 عضواً) على إعتبار الحصار غير قانوني و جريمة ضد الإنسانية وضرورة رفعه وإنهاء المأساة الإنسانية.

هذه بعض المحطات المهمة بعد زيارة كاثرين اشتون الأولى، فما الهدف من العودة مرة أخرى إلى القطاع؟ هل تأتي أشتون للإطلاع عن كثب على الآثار المدمرة للحصار؟ لا أعتقد فالزيارة الأولى كانت أكثر من كافية، ثم أن الإتحاد الأوروبي لديه من المؤسسات العاملة في الأراضي الفلسطينية والتي ترفع تقارير دورية حول أدق التفاصيل، فهل يعقل أن الزيارة تأتي في إطار ما يشاع حول محاولة بعض الجهات الاوروبية تنفيس الضغط الدولي على ' إسرائيل' وتجميل صورة الاحتلال والالتفاف على الإرادة الدولية بضرورة فك الحصار من خلال القبول بالادعاءات الإسرائيلية الأخيرة حول إجراءات لتخفيف الحصار ووضع قوائم جديدة للمسموح والممنوع والتي لم تغير في واقع الشعب الفلسطيني شيئا ، فلا زالت مواد البناء وقطع الغيار ممنوعة من الدخول حتى للمشاريع الإنسانية كالمستشفيات والمدارس والأجهزة الطبية، هل يعقل الحديث عن فك الحصار وغزة تعيش يوميا من 8-12 ساعة في ظلام دامس وحياة مئات المرضى معرضة لخطر الموت رغم ما يدفع من أموال أوروبية للسلطة في رام الله، هل يعقل أن نتحدث عن فك الحصار ولم يصلنا من حصة وزارة الصحة في غزة إلا 10' حتى تموز/ يوليو 2010، ثم من الذي قال ان مشكلة الشعب الفلسطيني مع الحصار هي نقص بعض الكاتشب والمايونيز وإبر الخياطة، فلقد استطاع الفلسطينيون تحدي الحصار الكوني بدماء وأشلاء أكثر من 160 شهيدا قضوا في الأنفاق حتى يوفروا لشعبهم لقمة عيش كريمة.

لا أعتقد أن السيدة أشتون بما تملكه من معلومات وتحتله من موقع يغيب عنها أن الحصار المفروض علينا أصله سياسي ولا يجوز تجميله بأية إجراءات أو تصريحات ولذلك كان مستهجنا ما سمعناه على لسان السيدة آشتون من أن استمرار وصول القوافل هو استفزاز غير مبرر! فهل محاولات تنفيذ إرادة دولية لفك الحصارهو الاستفزاز أم استمرار هذه الجريمة ضد الإنسانية هو الاستفزاز ؟ إلا إذا كنا نتعاطى مع حالة نفاق سياسي من الطراز الأول أو دولة فوق القانون؟

ثم من الذي قرر إبقاء مفتاح الحصار في يد الجلاد وما هي قانونية مثل هذه التصريحات؟ وهل تتوقع السيدة آشتون أن الشعب الفلسطيني سيقبل باستمرار هذه الأوضاع إلى مالا نهاية؟

صحيح أن الحكومة الفلسطينية تصرفت بكل مسؤولية على مدار السنوات الثلاث الماضية تجاه الداخل الفلسطيني وكذلك الإقليم والمجتمع الدولي ، فبالرغم من كل محاولات تجاهلها السياسي، إلا أنها وفرت الأمن في الشارع بما فيه لزوارها ممن لا يقرون بشرعيتها وكذلك الاستقرار في المنطقة حرصاً على مصالح الشعب الفلسطيني العليا، وقضت على الفساد الذي كان سببا في إهدار مليارات الدولارات الأوروبية على مدار سنوات السلطة السابقة، وقدمت نموذجا مميزا في الإدارة المؤسساتية بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء رغم قلة الإمكانيات وحداثة التجربة، قدمت مثالا راقيا في الحكم الرشيد وانصهار القيادة بالقاعدة، ليس هذا فحسب بل أبدعت في إدارة أزمة الحصار على كل المستويات مما مكنها من الصمود في وجه مؤامرة كونية لإسقاطها شارك فيها القريب و البعيد بما فيه الاتحاد الأوروبي.

هذه الحكومة ومن ورائها كل الشعب الفلسطيني لن يقبل بأقل من رفع فوري و كلي للحصار والتكفير عن الخطيئة الاستراتيجية التي إرتكبها المجتمع الدولي برفض نتائج الانتخابات وبالتالي الاعتراف بشرعية هذه الحكومة والحركة التي تمثلها، خاصة وأن أصوات كثيرة ووازنة في الغرب تنادي بما ذهبنا إليه.

السيدة آشتون لا يغرنك هدوء و صبر الشعب الفلسطيني ونبيل طباعه، ولا يجوز الاستمرار في دفن الرأس في التراب و إغفال حقائق ساطعة كالشمس في وضح النهار ... نتوقع أن يكون الموقف بعد الزيارة الثانية مختلفا جذرياً عما كان عليه بعد الزيارة الأولى.

' وزير فلسطيني