خبر رحلات بنيامين والخروع- هآرتس

الساعة 09:55 ص|14 يوليو 2010

رحلات بنيامين والخروع- هآرتس

بقلم: سافي رخلفسكي

(المضمون: يرى الكاتب الاحتلال الاسرائيلي للمناطق المحتلة بعد 67 استعمارا لكنه بخلاف غيره من وجوه الاستعمار له تميز ان الشعبين باقيان بعد رحيل المستعمرين عن المناطق المحتلة ولهذا يجب أن يوجد بين الشعبين تسوية دائمة وحل دائم للصراع - المصدر).

يصعب على الابتسامة الشخصية التي عاد بها بنيامين نتنياهو من رحلته ان تخفي المسيرة التي تشد اليها اسرائيل. لأن صورة خروجها من لبنان، وانطواء المستوطنات عن غزة بغير اتفاق وتخفيف الحصار المدني المتناقض على أثر القافلة البحرية الى غزة فقط – ليست أمرا شاذا تاريخيا مهما رسمت نهجا غير مريح لاسرائيل.

        كانت نهاية مشابهة لجميع نظم الحكم الاستعمارية في القرن الاخير. لم يكن هناك سلاما. في لحظة تاريخية ما، ازاء ضغط يزداد، حزمت الدولة الاستعمارية متاعها وهربت من المستعمرة. هذا ما حدث للانكليز في الهند وكينيا، وللفرنسيين في الجزائر وغيرهم.

        لكن للحالة الاسرائيلية في المناطق تميزا جوهريا. فالهنود لم يدعوا على انكلترا والجزائريون لم يدعوا على فرنسا لهذا أنهى الانصراف عن المستعمرة الصراع. لا يتضاءل شوق العالم الفلسطيني والعربي والاسلامي ومطلبه في المناطق التي احتلتها اسرائيل في الـ 67 وأنشأت فيها مستعمرة. والى ذلك لا يوجد لاسرائيل قوة عظمى مقرة، والهرب الشامل الى بولندا او العراق او المانيا ليس خيارا حقا.

        هذا التميز يزيد في الحماقة الوجودية، والحقارة الاخلاقية والجنون السياسي في اقامة المستعمرة الاسرائيلية في المناطق المحتلة في الـ 67. إن شعبنا يهاجم مجرد وجوده في منطقة على أنه وجود استعماري يجب أن يبتعد عن واقع كهذا وأن ينشىء دولة ذات حدود مستقرة تكون ديمقراطية وقيمية وفيها مساواة.

        لكن وعلى حسب قانون "الأممي الساكن" الشرعي و "لا ينزل" – اللذين يسمحان لغير اليهود بأن يكونوا رعايا غير ماكثين في الأرض وبغير جنسية والعياذ بالله – عملت اسرائيل بعد 1967 وبعد 1977 في الاساس. الاسرائيليون في المستعمرة مواطنون ذوو شرف أما جيرانهم خاصة فلا. وبذلك لم تخطىء اسرائيل نحو الواقعين تحت احتلالها فقط وتضر بجوهر الحلم الصهيوني الذي كان في أساسه انسانيا وحداثيا، بل عرضت المنطقة كلها للخطر برؤية أخروية نازفة.

        ذلك لان المنفذ التاريخ "الطبيعي" لانهاء التحول الاستعماري ليس طبيعيا في الحالة الاسرائيلية. إن انسحابا وهروبا من المستعمرة بغير اتفاق حقيقي وتحت الضغط، كما حدث في جميع المستعمرات لن ينهي النزاع. فالشعبان سيبقيان هنا. لن يرحل المستعمرون وراء البحر وسيزيد عند الواقعين تحت الاحتلال الشعور بأنهم بالقوة وحدهما يستطيعون ابعاد الاجانب عن جميع اراضيهم المقدسة.

        ولهذا لا يوجد ولن يوجد بديل من مبادرة صادقة صادرة عن قلوب الشعبين في المنطقة ومن قيادة حقيقية. وقد يمكن أيضا ضغط خارجي، لكنه بغير تحول داخلي يفضي الى اتفاق سلام – يعيد عن رغبة وعن اعتراف ديمقراطي اسرائيل الى حدود استقلالها – لن يقر شيء في الشرق الاوسط.

        البديل الذي تجر اليه اسرائيل يعمل بالجاذبية – بسبب الكتلة الكبيرة للحكم الذاتي لـ "الثقب الاسود" الخلاصي – العنصري الذي أنشأته داخلها – واضح وقريب. إن العالمين المتطرفين الخلاصيين اليهوي والاسلامي سيشجع بعضهم بعضا ويبرهن بعضهما لبعض أن "القوة وحدها ستنتصر". الطرف الثاني يرضخ عندما تستعمل القوة عليه فقط. وبغير ذلك فان جميع المظالم التعسفية – من الحصار على الشوكولاطة ولعب الاطفال حتى الارهاب في الشوارع – تظهر مثل خروع فقط.

        في جو مسموم مؤمن بالقوة كهذا لن يمنع حتى مسار قصري رافض للاستعمار دوارا عنيفا وخلاصيا قد يقتل جميع الوجود الخروعي في المنطقة بلحظة عين خلاصية يأجوجية مأجوجية برية.

        ليست قيادة حقيقية، تفضي الى مبادرة سلام صادقة، ليست حيلة وليست بطاقة جواز آمنة لالتقاط الصور في لقاءات القمة، ليست ضرورة فحسب. فالحديث عن أمر قد تتبخر بغيره حياة ملايين بطرفة عين.