خبر تنسيق أم اندماج أمني؟!

الساعة 06:00 ص|13 يوليو 2010

تنسيق أم اندماج أمني؟!

فلسطين اليوم/ القدس العربي

لم يخطر في بالنا قط أن يقوم الجنرال يوفال ديسكين رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شاباك) بزيارة مقر قوات الأمن الفلسطينية في مدينة جنين، ويقضي يوماً كاملاً في ضيافة ألويتها وعقدائها وكوادرها كضيف عزيز يفرش له السجاد الأحمر، ولكن في هذا الزمن السيئ كل شيء جائز.

نعرف جيداً ان هناك تنسيقاً أمنياً بين أجهزة الأمن الإسرائيلية ونظيرتها الفلسطينية، مثلما نعرف ايضاً ان السلطة الفلسطينية منبثقة من رحم الاحتلال الإسرائيلي، ولكن أن يتطور هذا التنسيق الذي هو خطيئة في حد ذاته، الى درجة الاندماج الكامل، فهذا امر يصعب تصوره بالنسبة إلينا على الأقل.

السؤال الذي يطرح نفسه، بكل قوة، هو عن موقف حركة 'التحرير' الوطني الفلسطيني 'فتح' من هذه المسألة، وهل تقر مثل هذا التنسيق الأمني، وهذه الزيارة، لمقر قوات من المفترض أنها تتكون من المنتمين إليها، ومن قبل قائد جهاز أمني إسرائيلي، يعتقل الآلاف من مناضليها، ويخضعهم لتعذيب نفسي وجسدي، ويوفر الحماية للمستوطنين الذين يسرقون الأرض والماء والهواء، ويعتدون بصفة دورية على الأهالي، وآخر اعتداءاتهم تمثل في اقدام مستوطن على قتل أحد المواطنين الفلسطينيين دهساً؟

السؤال الآخر الذي يتفرع عن السؤال الأول، هو عما إذا كانت هذه القوات تخضع للجنة المركزية لحركة 'فتح' في الأساس، وعما إذا كانت اللجنة تعلم مسبقاً بهذه الزيارة وزيارات سابقة مماثلة، وحجم التعاون بين جهازي الأمن في البلدين؟

ربما يجادل البعض بأن اتفاقات أوسلو نصت على التنسيق الأمني بين قوات الأمن الفلسطينية ونظيرتها الإسرائيلية، ولكن يمكن تفنيد هذه النقطة والرد عليها بالقول، ان هذه الاتفاقات نصت أيضا على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعد خمس سنوات من توقيعها.

فلماذا يتم التمسك بالتنسيق الأمني فقط، والنصوص المتعلقة به في الاتفاقية، وإسقاط النصوص والمواد الأخرى الملزمة لـ"إسرائيل"، مثل الانسحاب وقيام الدولة المستقلة؟

ندرك جيداً إننا لن نتلقى أي إجابات من المسؤولين في السلطة حول هذه الأسئلة والكثير غيرها، ولا نشك مطلقاً في أن الغالبية الساحقة من كوادر 'فتح' الشرفاء يطرحون الأسئلة نفسها، ويشعرون بالمرارة والغضب في الوقت نفسه، لان مثل هذه الجرائم ترتكب باسمهم واسم تنظيمهم الذي حمل راية النضال الفلسطيني لأكثر من أربعين عاماً، وقدم آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الأسرى والجرحى على درب التحرير والاستقلال.

زيارة ديسكين لمقر قوات الأمن الفلسطينية في مدينة جنين التي كانت نموذجاً في المقاومة تشكل إهانة لكل فلسطيني، وتطرح علامة استفهام كبيرة حول ما إذا كانت قوات الأمن هذه فلسطينية الهوية في الأساس، لأنه لم يحدث في التاريخ أن تحولت حركة تحرير إلى أداة من أدوات الاحتلال الأمنية.

ومن المفارقة ان أنباء هذه الزيارة خرجت إلى العلن عبر الإعلام الإسرائيلي ومطبوعاته، وإلا لما عرفنا بها، لأن الطرف الفلسطيني يخفي مثل هذه المعلومات عن أبناء شعبه، في إطار سياساته في التعتيم والتضليل، ولا نستغرب أن تكون زيارة ديسكين هذه هي قمة جبل الجليد، وان هناك أشياء أخرى أكثر خطورة ترتكب باسم الشعب الفلسطيني وضد أبناء الشعب الفلسطيني نفسه وقضيته تحت مسميات التنسيق الأمني واللجنة الرباعية وسراب السلام.