خبر توم فريدمان: تضليل النخب..إسرائيل اليوم

الساعة 08:45 ص|09 يوليو 2010

بقلم: دوري غولد

توماس فريدمان أحد أكثر كتاب المقالات تأثيرا في مجال العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة اليوم. حصل فريدمان على عمود "رأي" في صحيفة "نيويورك تايمز"، بعد سنين كثيرة خدم فيها مراسلا سياسيا غطى وزارة الخارجية وأقيم في بيروت واسرائيل أيضا. تقرأ النخب في واشنطن ولا سيما في البيت الابيض مقالاته. بسبب تأثيره الكبير في واشنطن خاصة، فان عمود فريدمان الصحفي في يوم الاحد السابع والعشرين من حزيران مقلق بل خطر من وجهة نظر اسرائيل.

        كتب فريدمان أن اسرائيل في حرب لبنان الثانية في 2006 وفي عملية "الرصاص المصبوب" في 2008 عملت على حسب قوانين الحرب التي أخذت من تجربة الجيش السوري في مدينة حماة في 1982 التي قتل فيها 20 ألف مواطنا كجزء من مكافحة نظام الحكم لمنظمة الاخوان المسلمين.

        استعمل السوريون في أحياء سكنية نار المدافع بلا تمييز، وبعد ذلك سووها بالأرض بمساعدة آلات ثقيلة. بين فريدمان ما يلي: "في حالة اسرائيل، وجدت نفسها في غزة ولبنان تواجه اعداء مسلحين بصواريخ بين سكان مدنيين، وقررت أن تطاردهم من غير أن يردعها احتمالات اصابة مدنيين".

        كتب فريدمان كتابا واسع الانتشار عن حرب لبنان الثانية في 1982 لكن عندما يكون الحديث عن حربي 2006 و 2008، لا تكون تسويته المعوجة بين الجيش الاسرائيلي والجيش السوري في حماة مخطوءة فقط بل مضرة ايضا بمكانة اسرائيل عند الرأي العام في الولايات المتحدة. وهي ايضا تعطي اعداء اسرائيل الذين يعملون في تقويض شرعية الدولة اليهودية، سلاحا.

        هذه التسوية داحضة تماما بطبيعة الأمر. هل اتصل الجيش السوري بكل بيت كان مستهدفا وحذر سكانه أن يخلوا قبل بدء القصف؟ هل وزع الجيش السوري على الاقل نشرات أو استعمل المذياع المحلي في حماة لتحذير سكانها؟ هل طلب الجيش السوري هدنة في منتصف القتال لارسال مساعدة انسانية الى سكان حماة؟

 

 

الخيار الثالث

        في كل حرب في مناطق آهلة يواجه الجيش العصري ثلاثة امكانات. الاول ان يعمل بحسب "قوانين حماة" وان يقتل مدنيين بلا تفريق. وكان يبدو أحيانا أن الروس تبنوا هذا التكتيك في الشيشان. رفض الجيش الاسرائيلي هذا الخيار، لا خوفا من  عدسات تصوير سي ان ان بل لان ذلك مناقض لقيم الجيش في جميع مستويات القيادة. وثانيا يوجد امكان الجلوس بلا حراك عندما يتم الهجوم على اسرائيل من منطقة آهلة. لكن رفض هذا الامكان أيضا لان مهمة الجيش الدفاع عن مواطني اسرائيل لا التخلي عنهم.

        الخيار الثالث الذي تبناه الجيش الاسرائيلي آخر الأمر، هو ان يجد طرقا للفصل بين القدرات العسكرية لمنظمات المخربين وبين السكان المدنيين الذين يجدون ملاذا بينهم. كان معنى ذلك في قطاع غزة جعل المدنيين يبتعدون عن مناطق آهلة جعلت فيها حماس قواعد اطلاق صواريخ ومعسكرات التدريب.

        لا يوجد أي اساس كما قلنا آنفا للتسوية بين القوانين التي عمل الجيش السوري في حماة على أساسها وبين القوانين التي يعمل الجيش الاسرائيلي بحسبها، لكن ليس صحفي كتوماس فريدمان من يحجم عن هذه الأمور الصغيرة.

        لم يبلغ فريدمان تسوياته الفاضحة من مكتبه المكيف في واشنطن. فقد زار فريدمان اسرائيل مؤخرا، وهو يذكر أسماء محللين اسرائيليين التقاهم كما قال، مثل أري شفيت من صحيفة "هآرتس" وموشيه هلبرتل من الجامعة العبرية، لاعطاء تحليلاته الشرعية.

        مع ذلك لا يربطها بجزء التقرير الصحفي الذي يتناول "قوانين حماة". لو كان عرض في واقع الأمر نظريته على هلبرتل، لكان من المعقول جدا أن يحظى منه بحمام بارد. وذلك لأن هلبرتل كتب انتقادا شديدا على تقرير غولدستون، نشر في "نيو ريبابلك" في السنة الماضية، دحض فيه التهم التي تقوم ان اسرائيل قتلت ابرياء.

        فحص من جديد

        ليست الدروس التي ينبغي استخلاصها من عمود فريدمان الصحفي الآثم أن نغضب عليه أو أن نرفضه ونرفض كتبه. مع الأخذ في الحسبان معرفته بالشرق الاوسط، يجب ان يكون عمود فريدمان اشارة تحذير لجهود تصنيف اسرائيل وكيف ترى في واشنطن اليوم. إن استطلاعات الرأي العام الصادقة تبين في الحقيقة أن اسرائيل تحظى بتأييد واسع في الولايات المتحدة لكن الحال عند النخب تختلف تماما.

        في وجبات العشاء التي تتم على نحو ثابت في الأروقة في واشنطن العاصمة بل في نيويورك، يوجد لاسرائيل القليل جدا من المدافعين عنها. لا يتلخص الاعلام الفعال بظهور جيد في الـ سي ان ان أو الـ اي بي سي مع رسائل قابلة للاستيعاب. بل يشتمل ايضا على توجيهات سابقة لصاغة رأي عام كثير حول افطار او غداء يعبر عن موقف مناصر لاسرائيل او لتكون لهم على الاقل الادوات لنقل رواية اسرائيل في تلك المشاهد.

        عند اسرائيل دعاوي ثقيلة الوزن تستطيع ان تسمعها الجمهور الامريكي. عند تعيين الجنرال ديفيد باتريوس القائد الجديد لقوات حلف شمال الاطلسي في افغانستان بدأت تجري في وسائل الاعلام الامريكية نقاشات كثيرة لسؤال هل يغير أوامر اطلاق النار لجيش الولايات المتحدة في افغانستان. تتناول أوامر اطلاق النار من جملة ما تتناول الظروف التي تستطيع فيها القوات البرية طلب مساعدة جوية في مناطق آهلة، وذلك لأن القاعدة وطالبان، مثل حماس بالضبط، تستعملان دروعا بشرية. قال باتريوس انه سيفحص عن هذه الاوامر من جديد في افغانستان.

        يكتب محللون امريكيون كثيرون في الاسابيع الاخيرة ان الولايات المتحدة حاربت افغانستان واحدى يديها مقيدة وراء ظهرها. وكانت اسرائيل في واقع الامر هي التي رسمت الطريق للجيوش الغربية في شأن الحفاظ على قوانين الحرب واخضاع عدو يحاول استغلالها لمصلحته.

        يوجد عند اسرائيل ما تقوله للولايات المتحدة والعالم الذي يواجه اليوم نفس المعضلات التي واجهها الجيش الاسرائيلي في غزة قبل سنتين. يجب على اسرائيل ان تستخلص استنتاجات من عمود فريدمان الصحفي وأن تدرك مبلغ كونها غير فعالة في عرض روايتها على دوائر تأثير أمريكية مهمة ومبلغ كون المهمة التي بين يديها ما تزال كبيرة.