خبر تآكل الموقف الإسرائيلي إزاء صفقة شاليط :صالح النعامي

الساعة 07:52 م|08 يوليو 2010

تآكل الموقف الإسرائيلي إزاء صفقة شاليط : صالح النعامي

 

لا خلاف على أن هامش المناورة المتاح أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كل ما يتعلق بملف الجندي الإسرائيلي المختطف لدى حركة حماس جلعاد شليت والمقترحات المطروحة للتوصل لصفقة تبادل الأسرى بين الجانبين آخذة بالتقلص، بعد أن تبين بشكل واضح للجمهور الإسرائيلي افتقاد موقف نتنياهو -الرافض للاستجابة لمطالب حركة حماس- لأي مصداقية. ولعل أخطر ضربة تلقاها نتنياهو في هذا الجانب هو أنه تبين للرأي العام الإسرائيلي أنه حرص على تقديم بيانات كاذبة لتسويغ موقفه الرافض للصفقة مع حماس.

 

فقد قال نتنياهو: إنه قبِل المقترح الذي قدمه الوسيط الألماني في حين رفضت حركة حماس المقترح، وهو ما جعل الصحف الإسرائيلية تتصل بالوسيط الألماني الذي أكد أن نتنياهو لم يقل الحقيقة، وأنه رفض المقترح الذي تقدم به، ليس هذا فحسب، بل إنه تبين أن الهوة التي تفصل بين موقف الوسيط الألماني وموقف حركة حماس أضيق إلى حد كبير من الهوة التي تفصل موقفي حماس والوسيط. وقد تلقى نتنياهو ضربة موجعة أخرى عندما اضطر قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي آفي ميزراحي لتكذيب نتنياهو علنًا عندما أكد أن إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين في صفقة تبادل الأسرى والسماح لهم بالعودة إلى منازلهم في الضفة الغربية لن يؤثر على الواقع الأمني بسبب الجهود التي تقوم بها الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة رام الله في مواجهة حركة حماس.

 

وقد عبر الجمهور الإسرائيلي عن سخطه على نتنياهو بتنظيم أكبر مسيرة في تاريخ الكيان الصهيوني، حيث يشارك عشرات الآلاف من الصهاينة في مسيرة أدت إلى تعزيز إيمان الجمهور الصهيوني بضرورة الاستجابة لمطالب حركة حماس، وهي:

 

أولاً: تبين للجمهور الإسرائيلي فشل الخيارات العسكرية التي استُخدمت بشكل علني وبشكل سري من أجل ضمان إطلاق سراح شليت، فقد قتلت إسرائيل أكثر من 2000 فلسطيني منذ اختطاف شليت، ودمرت مئات المنازل واعتقلت الآلاف، وضمن أولئك وزراء ونواب حركة حماس وقادتها في الضفة الغربية. في نفس الوقت تبين فشل العمليات السرية التي عكفت إسرائيل على تنفيذها من أجل ضمان إطلاق شليت، حيث أشارت وسائل الإعلام الصهيونية إلى أن اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في مطلع شباط الماضي قد تم بالخطأ، وأن وحدة الموساد خططت لاختطافه ونقله إلى إسرائيل لمساومة حماس والضغط عليها من أجل الإفراج عن شليت. وإن كانت هذه المحاولة قد كشفت عنها عملية الاغتيال، فإنه يمكن الافتراض أن إسرائيل حاولت القيام بالكثير من المحاولات المماثلة.

 

ثانيًا: فشل الضغوط الاقتصادية في تغيير إجبار حماس على إطلاق سراح شليت أو التخفيف من الشروط التي تطرحها؛ وكما عبر أكثر من مسئول صهيوني فإن أحد أهم أهداف الحصار هو الضغط على حماس من أجل الإفراج عن شليت. لكن إستراتيجية الحصار لم تفشل فقط في إجبار حماس على الاستجابة لمطالب إسرائيل، بل تبين أن هذه الإستراتيجية أدت عمليًا إلى محاصرة إسرائيل؛ لدرجة أن الكثير من النخب الإسرائيلية ممن تتخذ مواقف متشددة من حركة حماس باتت تطالب برفع الحصار والاستجابة لمطالب حماس على اعتبار أنه لم يعد أمام إسرائيل إلا أن تخسر جراء هذا السلوك. ولعل أحداث أسطول الحرية قد أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك لمعظم النخب الإسرائيلية أن الحصار قد عمل على تدهور مكانة إسرائيل الدولية بشكل بات يهدد المصالح الإستراتيجية لهذا الكيان.

 

ثالثًا: المخاوف التي تجتاح الإسرائيليين من أن ينتهي مصير شليت إلى ذات المصير الذي انتهى إليه الطيار الإسرائيلي رون أراد الذي أسر في حرب لبنان الأولى 1982 على يد حركة أمل اللبنانية، ورفضت الحكومة الإسرائيلية في حينه الاستجابة لمطالب الحركة لإطلاق سراحه وكانت مطالب بسيطة جدًا، مما أدى إلى وفاته في النهاية. من هنا فإن الكثير من الإسرائيليين باتوا يحذرون نتنياهو من أن عدم موافقته على مطالب حركة حماس يعني الحكم بالإعدام على شليت.

 

رابعًا: ثبات المعتقلين الفلسطينيين وعوائلهم خلف مطالب حركات المقاومة، حيث إنه حتى عائلات المعتقلين الذين توافق إسرائيل على الإفراج عنهم لا يبدون أي قدر من التبرم والجزع جراء عدم التوصل للصفقة جراء تمسك حركة حماس بالشروط الأساسية التي طرحتها؛ وهذا ما أدى إلى إفشال حسابات دوائر صنع القرار في إسرائيل التي راهنت على دور يقوم به الأسرى وعائلاتهم في الضغط على حماس من أجل إضفاء مرونة على مواقفها من الصفقة.

 

من هنا فقد تعاظمت المطالب داخل إسرائيل وحتى داخل الحكومة الإسرائيلية ذاتها للمطالبة بدفع أي ثمن من أجل ضمان إطلاق سراح شليت.

 

لقد حاولت إسرائيل إرساء محددات لموقفها بشأن ملف الأسرى الفلسطينيين، لكنها اضطرت للتراجع عنها في كثير من الأحيان تحت وطأة العمل الفلسطيني المقاوم الهادف إلى قلب المعادلة التي حاول الكيان الصهيوني تكريسها بشأن هذا الملف.

 

إن كان ثمة مجال ثبت فيه خضوع إسرائيل لخيار القوة والمقاومة، فمما لا شك فيه أنه قضية الأسرى؛ فبقدر ما عبر قادة إسرائيل عن تشبثهم بمواقفهم المتطرفة والمتشددة بشأن شروط صفقة تبادل الأسرى.. بقدر ما تبين أن النخب الحاكمة في إسرائيل تعرف إبداء التنازلات الكبيرة في هذه القضية وبشكل يتنافى تمامًا مع أدبيات الخطاب الإسرائيلي الرسمي. وقد دلت التجربة التاريخية على أن هناك بونًا شاسعًا بين الموقف النظري للحكومات الإسرائيلية من قضية الأسرى وبين السلوك على الأرض، ومردُّ هذا الاختلاف هو لجوء المقاومة الفلسطينية لخيار اختطاف الجنود في مسعًى لمبادلتهم بأسرى في سجون الاحتلال.