خبر أوباما ونتنياهو: الصدام المحتمل! .. د. وحيد عبد المجيد

الساعة 01:57 م|01 يوليو 2010

بقلم: د. وحيد عبد المجيد

يذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن يوم الثلاثاء المقبل (6 يوليو) حاملاً في يمناه قرار تخفيف الحصار على قطاع غزة، وفى يسراه قرار إحياء خطة بناء "حديقة الملك" على أنقاض 24 منزلاً فلسطينياً سيتم هدمها في القدس المحتلة.

ويختزل هذان القراران علاقة معقدة بين نتنياهو والرئيس أوباما اللذين يسعى كل منهما إلى تجنب صدام دبلوماسي قد لا يكون هناك مفر منه قبل نهاية ولاية الرئيس الأميركي الأولى. فعلى مدى نحو عام ونصف العام، وضع أوباما التوفيق بين العلاقة الخاصة مع إسرائيل وتصحيح العلاقة مع العالم الإسلامي بين أولوياته. فقد استثمر الكثير من الجهد والوقت في محاولة إطلاق عملية سلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي البحث عن صيغة متوازنة تلبي مطالب حلفائه العرب بشأن إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية دون الإخلال بما تعتبره إسرائيل وأنصارها في واشنطن ضرورة أمنية ملحة، وتمكَّنه في الوقت نفسه من وقف الانتشار النووي الذي يضعه في مرتبة متقدمة ضمن "أجندته" العالمية.

غير أن جهود إدارته اصطدمت بموقف حكومة نتنياهو التي مضت في مسار مختلف تماماً، ليس بسبب تصلبها السياسي العقدي فقط، ولكن لأن أهدافها تتباين مع "أجندة" أوباما الشرق أوسطية والعالمية أيضاً.

وكان تكتيك أوباما خلال الفترة الماضية هو أن يعود خطوة صغيرة إلى الوراء حين يخفق في إقناع نتنياهو باتخاذ خطوة كبيرة إلى الأمام. فعل ذلك عندما اختلفا بشأن تجميد الاستيطان ومدى ضرورته لتهيئة أجواء ملائمة لعملية سلمية مثمرة. وفعله أيضاً عندما استجاب إلى ضغوط "اللوبي" اليهودي الذي طالبه بدعوة نتنياهو واستقباله بشكل لائق في البيت الأبيض، بعد أن قوبل ببرود واضح في زياراته السابقة إلى واشنطن في 16 مايو و9 نوفمبر 2009 و13 مارس 2010.

فالزيارة المتوقعة يوم السادس من الشهر الجاري كان مفترضاً أن تتم في الأول من يونيو الماضي، لكنها أُلغيت بسبب الاعتداء الإسرائيلي على "قافلة الحرية" فجر اليوم الأخير في مايو الماضي.

ورغم أن أوباما ساعد إسرائيل على الإفلات من هذه الجريمة، فقد كان واضحاً مدى الحرج في موقفه، خصوصاً أن قتل 9 مدنيين حدث عشية الذكرى السنوية الأولى لخطابه إلى العالم الإسلامي في 4 يونيو 2009.

وكان واضحاً، في هذه المناسبة، مدى الإحباط الذي عمَّ العالم الإسلامي، سواء لتواضع ما تحقق من وعود أوباما، أو لموقفه تجاه الاعتداء على قافلة إغاثة إنسانية رغم أنه حاول حفظ ماء وجهه عبر المطالبة بتخفيف الحصار على غزة واستجابة نتنياهو، لكن بطريقته.

وإذا أضفنا إلى ذلك وجود اتجاه قوي في إدارة أوباما يقلقه الأثر السلبي للسياسة الإسرائيلية على المناخ الذي تعمل فيه القوات الأميركية الموجودة في الشرق الأوسط، يبدو واضحاً أن التباين الموضوعي بين هذه الإدارة وحكومة نتنياهو قد يكون أكبر من أن يَّمكنهما من التعايش حتى نهاية فترتيهما في مطلع عام 2013.

فهذا تباين بين "أجندتين"، وليس مجرد خلاف على قضية محددة؛ ولذلك فهو يبدو أبعد وأوسع نطاقاً من الخلافات السابقة التي حدثت بشأن قضايا التسوية السلمية للصراع العربي - الإسرائيلي بوجه عام منذ الخلاف على شروط فك الاشتباك العسكري في سيناء بداية عام 1975، وحتى الخلاف على وقف الاستيطان لتهيئة أجواء ملائمة للمفاوضات في عام 2009. كما يبدو التباين الراهن أكبر من الخلاف الذي حدث خلال الإعداد لعملية "عاصفة الصحراء" عقب الغزو العراقي للكويت عام 1990، عندما أدركت إدارة بوش الأب أن تدخل إسرائيل يضعف قدرتها على بناء تحالف دولي واسع يضم دولاً عربية رئيسة.

وكانت هذه هي المرة الأولى التي ظهر فيها إمكان تحول إسرائيل من رصيد استراتيجي إلى عبء على الولايات المتحدة. غير أن هذا التحول لم يبلغ منذ ذلك الوقت مبلغه الراهن الذي يثير قلقاً في بعض الأوساط السياسية الإسرائيلية، والأمنية أيضاً كما يتضح من إفادة رئيس "الموساد" أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست أخيراً، إذ قال إن إسرائيل تتحول من قيمة لأميركا إلى عبء عليها.

وتباين على هذا المستوى يبدو مرشحاً لأن ينتج في الفترة القادمة خلافات من وقت إلى آخر، لكن بمعدلات أسرع وعلى فترات أقرب وربما بتأثير أكبر من ذي قبل. لذلك فربما يجد أوباما نفسه في وضع قد يضطره إلى اتخاذ موقف أقوى تجاه حكومة نتنياهو، التي ستلجأ، كما هو معتاد، إلى "اللوبي" المؤيد لها في الكونجرس وغيره من القوى المؤثرة في عملية صنع القرار الأميركي. وربما يقود ذلك إلى تنافر قد لا تظهر ملامحه إلا بعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس وفق ما تتوقعه دوائر دبلوماسية عربية جرياً على سوابق كان فيها رؤساء أميركيون أكثر تحرراً من التوازنات الداخلية المعقدة خلال العام الثالث في فترات رئاستهم.

وإذا صح هذا التوقع، فالأرجح أن نشهد معركة صامتة بين أوباما ونتنياهو يسعى فيها كل منهما إلى إضعاف الآخر. فبالنسبة لأوباما، ربما يقتنع أكثر من أي وقت مضى بأنه لن يتسنى لإدارته إحراز تقدم في جهودها السلمية إلا إذا اضطر نتنياهو إلى إعادة تشكيل حكومته لتضم حزب "كاديما" بدلاً من بعض أحزاب اليمين الأكثر تطرفاً. والخيار الثاني بالنسبة إلى أوباما، في هذه الحال، هو إجراء انتخابات مبكرة للكنيست يحاول الأميركيون التأثير فيها بأمل أن تتيح نتائجها تشكيل ائتلاف أقل تشدداً.

وبالنسبة لنتنياهو، سيكون إضعاف مركز أوباما ضرورياً للحد من قدرته على التأثير في التفاعلات الإسرائيلية الداخلية. ويمتلك نتنياهو أدوات للتأثير في الداخل الأميركي أكثر مما لدى أوباما من وسائل مؤثرة في الداخل الإسرائيلي. ففي الولايات المتحدة "لوبي" يهودي صهيوني قوي يمثل ذخراً لإسرائيل. ورغم أن هذا "اللوبي" منقسم إزاء سياسة نتنياهو، فالقسم المؤيد لها هو الأكبر والأقوى. وقد تحرك هذا القسم بقيادة منظمة "ايباك" فعلاً للضغط على أوباما منذ أشهر حين بدأ الخلاف بشأن الاستيطان لمطالبته بالكف عن انتقاد السياسة الإسرائيلية والالتفات إلى الخطر الإيراني.

غير أن جعبة أوباما ليست خالية من الأدوات التي يمكن استخدامها في هذه المعركة، وفي مقدمتها حاجة إسرائيل إلى العلاقة الخاصة التي تربطها بالولايات المتحدة. فمن الصعب، وربما المستحيل، أن تستغني إسرائيل عن هذه العلاقة أو تسمح بتراجعها، وأن تحافظ في الوقت نفسه على ميزان القوى المختل لمصلحتها في الشرق الأوسط.

وهكذا تبدو المعركة القادمة المحتملة بين أوباما ونتنياهو متكافئة على نحو يجعل التكهن بنتائجها صعباً. ولكن ما يمكن التكهن به هو أن نتائج هذه المعركة المتوقعة هي التي ستحدد اتجاه العلاقات الأميركية - الإسرائيلية لفترة طويلة قادمة.